عاجل
الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المهنة.. نيللي كريم

المهنة.. نيللي كريم

بقلم : شريف عبد الهادي

وكيف يتجاهل القلم ذلك الإعجاز الفني الذي بهرتنا به نيللي كريم في رائعتها الجديدة "سجن النسا"، حين تجاوزت سقف التمثيل نفسه، وقدمت ما هو أروع من التجسيد والتشخيص والأداء، لتخلع ذاتها وشخصيتها وتستقل عن "نيللي" التي نعرفها، وتصبح إنسانة أخرى بشكل أخر وروح مختلفة، وكأننا أمام كيان أخر اسمه "غالية" نشاهده ونتعرف عليه لأول مرة دون أن تربطه أي صلة على الإطلاق بتلك الفنانة الشهيرة بنيللي كريم.



"غالية" التي يستحيل أن يكون سحرها، وعمقها، ووجعها الذي تدمع معه عيناك، مجرد تمثيل وأداء، إنها إنسانة حقيقية بالفعل ولا يمكن أن تكون غير ذلك.

أمرأة مصرية تمثل فئة مقهورة، ومظلومة، فطرت على الألم، وجبلت على الانكسار، وحُبست في سجن كبير حتى وإن كانت مهنتها "سجانة".

مواقع التواصل الاجتماعي لم يعد لها حديث إلا عن دموعها، وآنين روحها الكسيرة، وملامحها الملائكية المنحوتة بالوجع، ليتناقل الجميع صورتها وهي تقول بكلمات نابعة من العمق: "السجن يا صابر مش سور عالي وباب مقفول عليك.. السجن ممكن يكون في هدمة مش عاوز تلبسها.. ناس مش عاوز تشوفها.. شغلانة مش حاببها".

لا شك أن هناك شركاء في هذا النجاح، سواء المبدعة مريم ناعوم صاحبة النص الإنساني الرائع المأخوذ عن مسرحية العظيمة الراحلة فتحية العسال، أو المايسترو الرهيبة المخرجة كاملة أبو ذكري، لكن من تملك تجسيد هذه الكلمات بهذا الإحساس الساحر والملامح التي تنطق قبل اللسان سوى نيللي كريم؟

إن نظرة متأنية على مشوار نيللي بعين فاحصة، ستجعلك تدرك إنها لم تصل إلى ما وصلت إليه من فراغ، باختصار نحن أمام نموذج إبداعي فريد معجون بالفن منذ نعومة الأظافر، من خلال طفلة وجدت نفسها "باليرينا"، التحقت بمدرسة الباليه منذ أن كان عمرها في الرابعة، لتبدأ رحلتها مع الفن والإحساس مبكرا، قبل أن تنقلها الموهبة والملامح الجميلة من الأوبرا إلى الشاشة الفضية من بوابة الفوازير والاستعراضات، ثم تجد فرصة عمرها حين وقفت أمام فاتن حمامة في مسلسل "وجه القمر"، لتدخل كل بيت ضيفة عزيزة لا يشعر معها المشاهد بالاغتراب أو الإقحام، بل كواحدة من أفراد الأسرة.

وحين أسندت لها أولى بطولاتها السينمائية في فيلم "سحر العيون"، جسدت نيللي كريم شخصية "كابر" بأداء وتلقائية ينبيء بموهبة فذة قادمة في الطريق، رغم أن العمل كان "لايت كوميدي"، لكننا استشعرنا فيها بتلقائية عبلة كامل وأدائها السهل الممتنع، مع فارق السن والشكل بالطبع.

ومع بطولة فيلم "إنت عمري"، وجدنا أنفسنا أمام نيللي كريم أخرى غير التي عرفناها من قبل، لننسى ونتناسى تماما كونها وجها جميلا على الشاشة، وننفذ إلى أعماق شخصيتها المركبة التي جسدتها بعبقرية مذهلة، جعلتها جديرة باكتساح العديد من جوائز المهرجانات وقتها، لتحتكر جائزة أفضل ممثلة عن حق واستحقاق، بعد أن امتعت وابكت الملايين، قبل أن تعود لتتمرد من جديد عن كونها مجرد وجه جميل وتخلع المكياج والملابس الفخمة، وتجبرنا فقط على التركيز على موهبتها وحضورها الطاغي في فيلم "واحد صفر" ورغم ذلك فقد ربحت الرهان، وفازت في التحدي.

ومع دورها في مسلسل "ذات" كانت نيللي أمام نقطة تحول وعلامة فارقة في مشوارها الفني، لتكتسب الثقة الكاملة في نفسها وموهبتها، وإقبال الجمهور على أعمالها أيا ما كانت، فإذا بها تدخل في "سجن النساء" كفنانة تدرك تماما حجم موهبتها، والنضج الفني والإنساني الذي وصلت إليه، فتلقي بكلماتها وهي تعلم أنها ستصيب، وتصوب بأحاسيسها ومشاعرها وأدائها وهي توقن أنها ستصل للهدف، لتجد نفسها نجمة تفعل ما يحلو لها فيتقبله المشاهدين عن طيب خاطر وينبهرون به وقد سقط الحاجز الفاصل بين نيللي وغالية، بين الفنانة والشخصية المتجسدة، بين التمثيل والحقيقة، لتصبح نيللي كريم في حد ذاتها مهنة يتمنى الأخرون لو استطاعوا أن يعملوا بها!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز