عاجل
الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (1)

تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (1)

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

ليس بالغريب أن نعترف أن الإنسان عبر تاريخه قد زور وأسقط كل الرسالات السماوية سواء بإخفاء أصول أوراقها أو كتبها وتأليف كتب متعددة حسب الأهواء ، تماما مثلما فعل مع التوراة والإنجيل أو بتزوير المفاهيم الأساسية وتفريغ الدين ورسالته من المفاهيم الأساسية مثلما فعل مع الإسلام كدين خاتم  للبشرية وكتابه القرآن كما ندعي نحن المسلمون ، وليس خافيا على أحد أن المسلمين قد استسلموا قرونا طويلة سقط فيها مجد ورونق حضارة الإسلام وتبدل حال أتباعه وما زال يتهاوى باضطراد من سيء لأسوأ ، وما زلنا جميعا نتساءل ونبحث عن أسباب تدهور المسلمين وتخلفهم وتفرقهم وانقسامهم لأكثر من سبعين فرقة ، ثم أخير أصبحوا في معظم بلاد المعمورة رمزا للبربرية والإرهاب والتخلف ، رغم أننا نرى بعيوننا ونتابع ونشهد أن مدعي التدين في زماننا يقرءون القرآن ويقيمون الفروض والنوافل ويتشبهون بصحابة رسول الله أكثر من الصحابة أنفسهم ، بل ولحى بعضهم أضعاف لحية رسول الله ، بل وبعضهم يرى في نفسه أحرص على دين الله من الله سبحانه وتعالى في قرآنه ، وأعلم بما يصلح للمسلمين اليوم من القرآن وآياته ، وذلك تحديدا ما قذف في قلوب المتابعين ثم العامة يقينا بأن هؤلاء جميعا ليسوا إلا تجار دين ولا علاقة لهم بأي دين ، بل هم تطورا أحمقا لكهنة المعابد وأحبار اليهود أو كن رحيما بهم وقل أنهم يشبهون (حاملي الموسيقى) أو (كالحمار يحمل أسفارا) ولا يفهم منها شيئا ، فلو كانوا حقا مسلمين كما يدعون ما أهانهم الله وما جعلهم مثلا للتخلف والتنطع والبربرة والإرهاب .



ولا نستطيع إنكار أن علاقة المسلمين بالقرآن الكريم هي علاقة سطحية تجاهلية ، فهو حجاب يقرءونه ويتبركون به في المناسبات خاصة الوفاة والزواج والأعياد الدينية ، وخلاف هذا فهم يتعاملون معه بنفس أساليب تعامل اليهود والنصارى مع كتبهم ، فهم لا يفكرون ولا يعقلون ولا يتدبرون رغم أنه الكتاب الوحيد الذي يأمر الله فيه أتباعه بالفهم والتعقل والتدبر والتفكر ، ولكن هذا لم يحدث لأن علماء المسلمين فرضوا مقولة .. (اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، وأهل الذكر لا يفكرون مطلقا ولكنهم ينقلون لنا ما قاله العلماء الأوائل والذين يفصلنا عن موتهم أكثر من عشرة قرون على الأقل ، بل الأخطر أن المسلمين عبر عشرة قرنا من الزمان لم يهتموا سوى بما أسموه العلوم الشرعية والتي بنيت على عدد لا يزيد عن (190) فقط مائة وتسعين آية من القرآن هي آيات الفروض والحدود وهو ما يمثل أقل من (3%) من القرآن من إجمالي ستة آلاف وثلاثمائة وخمسون آية تقريبا ، متجاهلين تماما وجود أكثر من ثلث آيات القرآن تتحدث وتحدد للبشر الخطوط العريضة لأسس خلق الكون وما فيه من العلوم البحتة التي لابد للإنسان أن يتعلمها ويستخدمها ، وكأن آيات العلم والخلق لا وجود لها أو من المتشابهات المحظور الاقتراب منها ، بل والغريب أننا ما زلنا مصرين على الاحتفاظ بتفسيرات هزلية ومسيرة للسخرية لبعض آيات العلم وضعها علماء ماتوا منذ ألف عام ، وكأن هذه التفسيرات أعظم وأهم من الحقائق أو القرآن نفسه ، ولما لا وأشهر مقولة ما زالت تتردد (يعني احنا غلطنا في البخاري؟؟) ، لأن البخاري كان مفروضا حفظه على المصريين في عهد الفاطميين ويجلد علنا أمام العامة من يخطئ في حفظه ، وهو ما لم يفعل مع القرآن مطلقا ، ولكن كتاب البخاري كان معنيا ومستهدفا أن يفرض له قدسية وقيمة أعظم من القرآن نفسه.

ومن العجيب مثلا أننا نجد مئات الآلاف من الكتب في العلوم الشرعية والمبنية على أقل من (200) مائتي آية فقط (آيات الفروض والحدود) ، ولكننا لن نجد كتابا واحدا (مسلما) في علم النفس مبنيا على آيات القرآن التي تحدثت وشرحت خلق النفس وعلومها وأحوالها وعلاجها وهي أكثر من (300) ثلاثمائة آية ، ولكننا سوف نجد (سيجموند فرويد) صاحب النظرية الجنسية ورفقائه وتلاميذه هم سادة علوم النفس في كل بلاد العالم ومنهم مسلمين أصبحوا رموزا وأعلاما في علوم النفس (الفرويدية) ، فعجبا لمن يؤمن بأن الله خلقه وأنزل له القرآن وذكر له فيه كيف خلقه وخلق نفسه فلا يلتفت إليه ، ولكنه يلهث ويصدق بعض البشر ممن أقاموا علومهم على التجارب على المرضى والمختلين ، والأعجب والأغرب أن المسلمين لم ينتبهوا أن مجد المسلمين الأوائل كان أكبر طفرة علمية عبر تاريخ البشرية ، حيث نقلت البشرية جمعاء من بدائية وتخلف دام أكثر من خمسة آلاف سنة كاملة إلى أعتاب عصر الحواسب الآلية والتقدم الذي نحياه اليوم ، ومن لا يصدق هذا فلعله قد سمع يوما ولو حتى في أحد لأفلام الأجنبية كلمة (الخوارزمية) وهي تتردد كثيرا عند التعرض لأية عمليات معقدة لتحليل للبيانات على الحواسب الآلية المتقدمة ، فالخوارزمية سميت بهذا الاسم نسبة إلى مخترعها الأول وهو العالم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي أي منذ أكثر من اثني عشرة قرنا (1200 سنة) ، والخوارزمية في برمجة الحواسب هي تتابع نهائي و متتالي من قواعد تشغيل البيانات بحيث يتم من خلال ترتيبها وتتاليها حل فصول من المشكلة بعدد متناهي من الأوامر و القواعد ، وباختصار هي فن كتابة أكواد البرامج ، وقد كانت وما زالت تستخدم الأرقام العربية (1,2,3,4,5, ...) ولكنها طُّوِرت في القرن الثامن عشر الميلادي في اللغة اللاتينية من مسمى الخوارزمي   (Al-Khwarizmi) لتصبح (Algorithm) بمسمى اللوغاريتمات وهي تشتمل على إجراءات حل المشكلات و تنفيذ المهام العلمية والمنطقية رياضيا ثم باستخدام الحواسب الآلية ، ورغم كل هذا فلم يلتفت علماء المسلمين لما هم مستمرون في ارتكابه من جرائم في حق دينهم بتجاهل العلوم البحتة التي أنزلها الله لهم وقصرهم العلوم على العلم الشرعي التي ادعوا ضلالا وزورا أنه فقط فرض عين على كل مسلم ، دون العلوم البحتة ، بل ومن العجائب المزمنة أن المسلمين لم يكتشفوا حتى الآن أن كتب الفقه قد حوت بين طياتها تزويرا وبهتانا خطيرا في تضليل المفاهيم الرئيسية لمعنى الدين ومفاهيم الإسلام والتي بتزويرها سقط المسلمون بلا أمل في النهوض قبل تصحيحها .

ولعلنا لم ندرك بعد أن من أبرز الادعاءات الساذجة التي نطلقها دون فهم ، أن الإسلام قد انتشر بأخلاق التجار المسلمين وهي أكذوبة فجة تنفي نفسها لأن الاعتقاد والفكر لا يتغيران بالإعجاب بالأخلاق التي تفرض قيودا وحدودا على بشر مستمتع بانعدام الحدود فيتنازلوا عن متعتهم بحرية السلوك من أجل إعجابهم بأخلاق غيرهم ، وقد كان هذا البهتان ستارا براقا للعقول والمفاهيم صدقه المسلمون فسترت عن عقولهم الحقيقة الأكبر والأخطر وهي أن الإسلام انتشر بتقدم علومه وعلماءه وشعوبه وتطورهم الحضاري الذي أبهر العالم في القرون الوسطى برونقه وبهاءه ومخترعاته ، في حين كانت أوروبا مرتعا للجهل والتخلف والقذارة المجتمعية والشخصية ، فقد كان الاستحمام أحد المحرمات الكبرى لدرجة اشتهار الأوروبيون بنتانة روائح أجسادهم ، بل وما زالوا حتى اليوم يرفضون استخدام المياه لنظافتهم الشخصية اليومية بعد قضاء حاجتهم وهو ما جعل أطباء الجلدية والتناسلية من أهم وأغنى الأطباء في الغرب ، حتى ذكرنا بهذا المؤرخ الانجليزي السير جون دوانبورت في كتابه (العرب عنصر السيادة في القرون الوسطى) ونشر فيه خطاب أحد ملوك أوروبا إلى خليفة المسلمين في الأندلس والتي بعثها مع رئيس ديوانه مرافقا لبعثة مكونة من (18) فتاة على رأسهم ابنة أخيه قائلا له { من جورج الثاني ملك انجلترا والغال والسويد والنرويج .. إلى الخليفة ملك المسلمين في مملكة الأندلس ، صاحب العظمة هشام الثالث الجليل المقام ، وبعد التعظيم والتوقير فقد سمعنا عن الرقي العظيم الذي تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم والصناعات في بلادكم العامرة ، فأردنا لبناتنا اقتباس نماذج هذه الفضائل لتكون بداية حسنة في اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم في بلادنا التي يسودها الجهل من أركانه الأربعة ، وقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة (دوبانت) على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز لتتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحماية الحاشية الكريمة وحدب من اللواتي سيتوافرون على تعليمهن وقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل أرجو التكرم بقبولها مع التعظيم والحب الخالص .. من خادمكم المطيع .. جورج الثاني ملك انجلترا} .

هكذا .. اخترق سيف العلم المسلم .. قلب العالم المتخلف في القرون الوسطى فانتشر الإسلام بانبهار العالم بالتطور الحضاري المادي المسلم ، تماما كما اخترقت مظاهر الحضارة المادية الغربية اليوم بيوتنا ومجتمعاتنا المسلمة ، ولذلك يقلد شبابنا ملابس وعادات ولكنات وخلاعة وعري الغرب في محاولة للتشبه بمن يفوقهم تطورا وحضارة ، ولكننا أبدا لم نتعلم منهم أخلاقياتهم وعاداتهم الحسنة كرمز للتقدم لأنها سوف تفرض علينا قيودا وواجبات سوف تحد من فوضى الحرية التي نعيشها في بلادنا كمسلمين بالميراث ولا علاقة للإسلام بنا سوى المسميات والمظاهر وبعض الفروض وقليل من الحدود ، ولم يقتصر تزوير المفاهيم عند هذا المفهوم الواضح بالأدلة بل تعدى الضلال إلى مفاهيم أخطر تسببت في استمراء المسلمين لحالة الجهل والتخلف والهمجية والبربرة التي نحياها تحت حماية أكذوبة أكبر يؤمنون بها ويمارسونها تقليدا لمن سبقهم بادعاء أنهم أصحاب الجنة هم فيها خالدون وهو ما سوف نستعرضه لاحقا .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز