عاجل
الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم "11"

تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم "11"

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

استعرضنا سابقا .. حقيقة الإنسان (النفس) وكيف منحها الله جسدا حيا (مادة + روح) لتتعامل وتحيا به على الأرض لأجل محدد (مسمى) في عملية إبداع سميت بـ (النشأة الأولى) وذلك بنهاية الشهر الرابع للحمل بعد اكتمال خلق الجسد (مادة + روح) في رحم أنثى خلال أطوار متعاقبة ، وكيف منح الله النفس فرصة الحياة بداية من احتضان كامل لخمسة أشهر في الرحم ، ثم طفلا في رعاية لصيقة ، ثم مرورا بمراحل حياة الإنسان التي نعرفها ، فإذا انتهى الأجل يسترد سبحانه وتعالى الروح (سر إحياء الجماد) من الجسد ، فيتحلل الجسد إلى تراب مرة أخرى ، وبذلك تفقد النفس وسيلة تعاملها مع المخلوقات على الأرض ، وينشئها الله في نشأة أخرى والتي لم يشأ الله أن نعرف هذه النشأة الأخرى شيئا وذلك من رحمته وعدله بقوله تعالى .. { نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ، عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ } الواقعة{60 :62} ، ولكن سبحانه يخبرنا أن هذه النشأة الأخرى هي مماثلة للنشأة الأولى التي نعرفها وذكرنا الله بها في سورة المؤمنون { .. فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } المؤمنون (12 :14) .



ولو شئنا أن نتذكر أبرز حركات النفس البشرية ، فلنتذكر كيف نمارس عملية النوم اليومية المتكررة والتي تغادر فيها النفس وتترك الجسد حيا (مادة + روح) ، ليعيد هذا الجسد صيانة ما فسد نتيجة استخدام النفس المرهقة له ، فلا يستطيع جسد تحمل وجود النفس فيه بلا راحة ، ولذلك فالنوم هو الحدث الأبرز والأهم في حركة النفس خلال حياتها بواسطة الجسد في الدنيا ، وهنا يبرز السؤال الأهم ، أين تذهب (النفس) عندما ننام .. ؟؟ ، وهنا يقول سبحانه وتعالى ليثبت للإنسان أنه مجرد نفس  {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الأنعام60 ، لنفهم منها أن النوم هو بالفعل (ميتة) صغري وأن الاستيقاظ هو بعث جديد متكرر للنفس في الجسد ، ولكنه بعث مؤقت متكرر حتى انتهاء الأجل المسمى ، ثم يفصل سبحانه عملية التوفي المتكررة والتي تنتهي يوما بخروج النفس وعدم قدرتها على العودة في سورة الزمر بقوله سبحانه .. {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الزمر42 ، فإذا انتهى الأجل يتوفى الله النفس بلا عودة لهذا الجسد مرة أخرى كما خلقنا من قبل ولم نكن شيئا كما يقول تعالى ..  {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ }النحل70 ، ثم يؤكد سبحانه أنه يتوفي كل إنسان بقوله تعالى  {.. وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }يونس104 ثم يوضح سبحانه المكلف بعملية التوفي وهو ملك الموت الذي يتوفى النفوس (وليست الأرواح) كما ندعي بهتانا وضلالا فيقول سبحانه .. {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }السجدة11 .

فالمقصود بالتوفي هنا .. هو نفس الإنسان التي تفقد وسيلة تعاملها مع الدنيا (الجسد) ، وليست الروح لأن الروح هي فقط سر إحياء كل جماد وموجودة في كل شيء حي مثل جسد الإنسان ، فمراسم الموت والاستقبال (التوفي) تتم للنفس التي تذوق الموت كآخر أنواع الألم التي تتذوقها  في الدنيا ، وذلك بتذوق ألم انتزاع هذه الروح من الجسد الذي دخلته وأحيته وهو حيوانا منويا وبويضة حية ، وذلك قبل أن يكتمل الخلق في رحم الأم ويأذن الله للنفس أن تحتل هذا الجسد بعد اكتمال خلقه ، ولكن الفارق بين النوم والموت هو في وفد استقبال النفس عند خروجها ، فعند النوم تخرج النفس وتغادر الجسد دون مراسم استقبال ، ولكنها حرة تذهب حيث تحب أو يشاء لها الله ، أما عند الموت فهو موعد محدد وله مراسم ووفود استقبال وملك مكلف باستقبال النفس ، وملائكة لحسابه ، ومراسم انتقال إلى حيث يشاء الله في نشأة أخرى سواء كانت هذه النشأة في الدنيا على الأرض بجسد وحياة مختلفة في زمن مختلف أو كانت النشأة مختلفة تماما في انتظار يوم الحساب الأخير ، ولكنها في النهاية هي نشأة أخرى بجسد مختلف في مكان وزمان مختلف فسبحانه .. {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }الروم11 .

ولا عجب بالطبع فيما نقول ، فهو فهم منطقي لقول الله الفصل  {.. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً }النساء122... ولكننا لم نكن نتدبر في قرآنه العظيم كما يقول فينا سبحانه وتعالى .. {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24 ، بل إننا قد أغلقنا العقول ولا نريد أن نعي ما في نفوسنا لأننا ببساطة لا نبصر حتى ما في أنفسنا كما يقول سبحانه .. {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الذاريات21 ، وكمثال بسيط .. هل تابع كل منا عملية تسلسل انزلاقه في النوم ؟؟ ، بداية من سريان الخدر في جسده / ثم فقدانه الإحساس تدريجيا صعودا من قدميه حتى رأسه التي يفقد الإحساس بها تدريجيا من الأمام للخلف حتى يغادر تماما هذا الجسد ، فيغط الجسد في سكونه الظاهري الخارجي ، ليتم داخله تنفيذ جميع عمليات الإصلاح والصيانة للخلايا التالفة والمرهقة ، ولذلك ينام الأطفال والمرضى فترات طويلة كافية سواء للنمو أو التعافي ، وعند الاستيقاظ تدخل النفس للجسد من حيث خرجت عن طريق الدماغ (الرأس) والذي يظل على اتصال لا سلكي بالنفس طوال فترة بقاءها خارج الجسد ، وهو ما يسمح باستدعاء النفس عند أي منبه أو بمحاولة إيقاظ أو خطر يمس جسد النائم ، وتدخل النفس لمركز قيادة عمليات الجسد (المخ) والذي يمثل غرفة قيادة الجسد الآلية بكل أجهزتها الدقيقة ، من شاشات عرض ووحدات الحساب والمنطق المتناهية الدقة ووسائل الإرسال والاستقبال للإشارات الكهرومغناطيسية من خلال شبكة عصبية متشابكة ومتشعبة في كل خلايا وأجهزة الجسم ، حتى أننا نكتشف أن مجرد الابتسامة تحرك (17) عضلة في الوجه بالإضافة لتحريك (80) عضلة أخرى بالجسم إذا ضحكنا ، والعبوس (التكشيرة) تحرك حتى (42) عضلة تبعا لاختلاف الشخص ودرجاتها ، وكل عضلة تتحرك بناء على أوامر واردة بإشارات كهرومغناطيسية عبر الشبكة العصبية .

ولا شك أن النفس تسيطر على الجسد وتستخدمه بقدرات متزايدة منذ لحظة الولادة حتى تبلغ أعلى قدرات التحكم في سن الأربعين وهو ما يقوله له رب العزة عن مراحل نمو الإنسان في سورة الأحقاف .. {.. حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ...} ، ثم تبدأ في فقدان قدرات التحكم تدريجيا لضعف خلايا الجسد وضعف قدراتها على الاستجابة وردود الأفعال حتى تصل لمراحل الشيخوخة ، والتي يمكن تأخيرها بواسطة الحفاظ على حيوية بعض الغدد الهامة والخطيرة مثل الغدة الصنوبرية في قاع المخ ، وهي المسئولة عن كثير من العمليات الحيوية الخطيرة في جسد الإنسان خاصة النمو والبلوغ والقدرة الجنسية والنوم والاستيقاظ (دخول النفس وخروجها) ، وكان القدماء يعتبرونها بوابة الاتصال بين عالمنا المادي وعالم ما وراء الطبيعة (الأرواح) ، ومن العجيب أن هذه الغدة الصنوبرية والتي تزن (170) مللي جرام وحجمها لا يزيد عن حبة الصنوبر ما زالت حتى اليوم مجهولة الوظيفة الحقيقية أو الكاملة ، ولكن المعلومات المتوافرة والمتزايدة يوميا تؤكد بالفعل أنها تعتبر غرفة القيادة الآلية لجميع أجهزة الجسد في أحوال غياب النفس (للنوم) ، فهو مركز النوبتجية الدائم للنفس على الجسد فلا يتوقف عملها عند الاستيقاظ بل يزداد نشاطها خلال النهار ، وهي غير قابلة للتدمير لعمق وتفرد موقعها ، ولكن أصابتها أو تورمها يسبب خللا في كثير من عمليات الجسم الحيوية ويصيب الجسد بأمراض أخطرها خلل الساعة البيولوجية واضطراب النوم ثم السرطان والزهايمر واختلال الوظائف الجنسية وغيرها الكثير.

وبالتالي فالإنسان (النفس) .. هو المسئول الأول والأخير عن حسن استخدام وحماية وحفظ جسده وعدم تعريضه لما يدمره أو يهلكه أو يفسد بعض مكوناته ، ليس فقط ماديا بتعريضه لمرض فيروسي أو حادث يدمره أو يفسده ، بل والأخطر أن الإنسان (النفس) هو المسئول الأوحد عن أمانة رعاية هذا الجسد وحفظه خاصة بعدم إصدار قرار للجسم بتدمير نفسه ، وهو ما يفعله كثير من البشر عند فقدانهم لعزيز فيفقدوا رغبتهم في استكمال الحياة بدونه ، فيبدأ جسده في تدمير نفسه ذاتيا بناء على أوامر نفسية يائسة ومدمرة ، وهو ما نراه ببساطة في حرص الأطباء على رفع الروح المعنوية للمرضى خاصة المصابين بشدة في حوادث خطيرة أو بمرض خطير ، وهي حقيقة لا جدال فيها أن التعافي والشفاء يعتمد بنسبة تزيد عن 90% على رغبة الإنسان في التعافي والشفاء ودرجة حرصه عليه وقوة إرادته لتحقيقه ، فما نحن إلا نفوس تقود أجسادا لتستخدمها في حياتها على الأرض وتتحكم فيها داخليا أكثر منه ظاهريا ولذلك فأحوال النفوس وأمراضها هي الأخطر والأهم على الإطلاق وهو ما سوف نستعرضه لاحقا ..

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز