محمد هيبة
معركة الدستور أشد شراسة من الإرهاب
بقلم : محمد هيبة
إذا كانت معركة الدولة الآن مع الإرهاب والذى تتصدره جماعة الإخوان والجماعات التى وراءها وتدعمها من جماعات جهادية وتكفيرية وسلفية والذين يدخلون معركة خاسرة مع الشعب المصرى كله تحت زعم الدفاع عن الإسلام والشرعية.. إذا كانت هذه المعركة قد قاربت على الانتهاء بدحر الإرهاب وسقوط رءوسه الواحد تلو الآخر.. فلا جدال فى أن المعركة القادمة التى سيخوضها الشعب والمجتمع المصرى كله ستكون أشد قوة وشراسة من معركة الإرهاب.ستكون معركة الدستور الجديد الذى يرسى قواعد الدولة المدنية الحديثة ولا يعود بنا إلى عصور التخلف والجهل والظلام وهى الحالة التى حاول بها دستور 2102 المعطل إعادتنا إليها.. ولكن هيهات.. فشلت قوى الظلام وفشل مخططهم وانتفض الشعب المصرى كله ليسقطهم ويسقط دستورهم الفاشى فى 30 يونيو.
هذه المعركة بالطبع ستعيد إلى أذهاننا ذلك الصراعالذى احتدم بعد ثورة يناير 2011 وهى الدستور أولا أم الانتخابات..انتهت بانتصار التيار الدينى الذى استحوذ على وضع الدستور بمفرده.
إذا كنا مع خارطة الطريق الجديدة التى أقرها الشعب بعد 30 يونيو قد تلافينا هذا الخطأ الاستراتيجى، حيث تم تعطيل العمل بدستور 2012 وتشكيل لجنتين للنظر فى التعديلات الدستورية الأولى قانونية والثانية مجتمعية، وذلك لإعادة الدستور إلى مساره الطبيعى.. إلا أننا كنا حذرنا بشدة وحذر معنا الكثيرون أنه كان لابد من الإطاحة تماما بدستور 2012 والعودة إلى العمل بدستور 71 بعد التعديلات التسعة التى أدخلت عليه فى 30 مارس2011. حتى لا نغرق فى خلافات واختلافات التعديلات الجديدة وأيضا صراعات حول مواد بعينها.. ولكن يبدو أن وجود حزب النور فى خارطة الطريق الجديدة كان أحد الأسباب الجوهرية التى أعاقت إلغاء دستور 2012 كله.. والعودة إلى دستور 71 أو كتابة دستور جديد من بابه.
وإذا كانت لجنة العشرة وهى اللجنة القانونية المنوط بها استقبال الاقتراحات وأيضا البحث فى المواد التى تحتاج تعديلا أو تحتاج إلى إلغاء كامل.. إذا كانت هذه اللجنة قد انتهت من عملها.. وقدمت المسودة النهائية للدستور بعد إدخال وإلغاء التعديلات عليه فإن المرحلة الثانية يجب أن تبدأ عملها على الفور، ومع ذلك فهذه اللجنة لم يتم تشكيلها حتى الآن رغم أن معايير وضوابط عمل هذه اللجنة قد تم إقرارها من قبل.
المواد المعدلة والمواد الملغاة التى قدمتها لجنة العشرة ثار حولها جدل وخلاف من الآن ورغم أن لجنة الخمسين لم تبدأ عملها بعد.. وقد أقرت اللجنة تعديل 119 مادة.. وقامت بإلغاء 38 مادة منها المواد الانتقالية كلها.. وكان من أبرز التعديلات والإلغاءات هى إلغاء الشورى وكذلك أن يكون النظام السياسى مختلطا ما بين الرئاسى والبرلمانى.. وكذلك إلغاء كامل للمادة 219 المتعلقة بالشريعة.. والأخيرة ستكون المادة الصدامية الأكيدة التى ستكون محل خلاف، خاصة مع التيار الدينى أو الإسلام السياسى الذى يقوده حزب النور حاليا.. وكان النور قد هدد فى وقت سابق أنه سينسحب من المشهد السياسى وخارطة الطريق لو تم إلغاء مواد الشريعة وهذه المادة بالتحديد.. ثم فاجأنا أول أمس ببيان بأنه سينضم للجنة الخمسين للدفاع عن مكتسبات ثورة 25 يناير، والحقيقة أننى أتساءل بدهشة واستغراب ما علاقة مكتسبات ثورة يناير بالمادة 219 وهى مادة فضفاضة تقوض المادة الثانية وتفرض عليها القيود.. ثم إنها غير محددة المعالم.. فالمادة الثانية تقول: «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
أما المادة 219 فتقول: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، وبالله عليكم جميعا.. هل تفهمون شيئا من هذه المادة التى يدافع عنها حزب النور باستماتة.. ما هى الأدلة الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية وما هى مصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة.. وكيف تحددهم ومن هم.. وأى جماعة تقصد؟، هذه المادة بالتحديد لا لون ولا طعم ولا رائحة لها.. مادة فضفاضة غير محددة المعالم.. والأطر.. وهى موجودة فقط لتقيد بها المادة الثانية والذى كان الخلاف فيها من قبل حول كلمة مبادئ فى المادة الثانية.
التيار الدينى يصر على إلغاء كلمة مبادئ.. والتيار المدنى يصر عليها فتم وضع المادة 219 ليقوضوا بها المادة الثانية.. هذه المادة يجب أن تلغى وأن تلغى كل المواد الفضفاضة غير محددة المعالم والأطر ولينسحب من ينسحب.. وليغب عن المشهد السياسى من يغب.. فكفانا خضوعا.. وكفانا مواءمات سياسية
أيضا التعديلات تؤكد على إلغاء جميع الأحزاب السياسية القائمة على أساس دينى أو على أساس مرجعية دينية.. وفوجئنا بمن يخرج علينا ليقول أن الأحزاب الدينية الموجودة حاليا لن ينطبق عليها هذا النص الدستور أو ما تم إقراره.. ما هذا العبث.. الدستور واضح ويجب أن يكون كذلك لا لبس فيه.. حظر قيام الأحزاب على أساس دينى يجب أن يطبق على الموجود والقادم.. والفوضى التى حدثت فى قيام العديد من الأحزاب على أساس دينى أساسها السماح لها بالقيام أساسا رغم أن الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس كان يحظرها تماما ومع ذلك خرجت.
هناك أيضا المواد المتعلقة بالحريات ومنها حرية الصحافة.. فإذا كنا قمنا بثورة يناير التى قادتها الصحافة والإعلام.. وإذا كنا قمنا بإعادة تصحيح الثورة وقاد الإعلام والصحافة ثورة 30 يونيو.. أفلا نستحق بعد كل هذا بالنص دستوريا على عدم جواز حبس الصحفى على جرائم النشر واستبدالها بالغرامة.. الصحفى وحرية الصحافة ليس على رأسهم ريشة.. ولكن حرية الرأى يجب ألا تكون مهددة بالحبس خاصة أنه يقود الرأى العام ويخاطر بحريته ولقمة عيشه ليحقق مكتسبات الشعب.. ودستور 71 كان ينص على جواز حبس الصحفيين.. وكنا نتوقع من دستور 2012 - أن يلغى الحبس فى جرائم النشر.. لكن لأن التيار الدينى والإخوان كانوا يضيقون بالنقد فقد أصروا على وضع هذه المادة.. والآن ننتظر من لجنة الخمسين أن تقوم بإلغاء هذا النص الذى رفضت لجنة العشرة المساس به.
النقطة الأخيرة التى أحب أن أتحدث فيها.. وهى الجدل والجدال حول نظام الانتخابات البرلمانية.. هل بالقائمة أم الفردى.. والحقيقة أن الحوار والحديث فى هذه النقطة الآن يتم عن جهل بالغ، فليس مهمة الدستور أن يضع النظام الانتخابى.. الدستور يحدد شكل الدولة فقط.. ولكن هذه مهمة القانون.. فإلغاء القانون أو تعديله أسهل جدا من تعديل الدستور.. ولذا فإن نظام الانتخابات يجب ألا يوضع فى الدستور.. لأن النظام لو ثبت فشله سنغير القانون لا أن نعدل الدستور، لكن إذا ما حاولنا مناقشة هذه المسألة بعيدا عن الدستور.. فالحقيقة أن لكل نظام منهما عيوبه ومميزاته، وعلينا ونحن أن نناقشه، أن نحلل النظام السياسى للمجتمع المصرى.. ككل الانتخابات بالقائمة تصلح فى وجود أحزاب سياسية قوية مثل أمريكا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا وكل الدول العريقة فى الديمقراطية.. ولذا هذا النظام لايصلح لنا فى مصر الآن لأنه لا وجود فعلى للأحزاب السياسية على الأرض وفى الشارع، ولذا اكتسح التيار الدينى الموجود على الأرض فى الانتخابات الماضية والذى استطاع أن يحشد نفسه عن طريق القائمة، أما الكلام عن أن النظام الفردى سيعيد رموز الحزب الوطنى فهذا كلام غير دقيق.. وهو أيضا يعطى وصاية على الشعب.. وإذا كنا قمنا بإلغاء مادة العزل من الدستور.. فعلينا أن نترك للشعب قراره، والحقيقة أن الحل الأمثل والحل الوسط فى قانون الانتخابات هوالأخذ بالنظامين معا فى المرحلة القادمة.. وبالأخذ بالنظامين ستتحقق الاستفادة القصوى.. فمن ناحية القائمة سيكون ذلك تقوية للأحزاب والضغط عليها لتعمل فى الشارع وتتواجد أكثر حتى تحقق أرضية قوية لها مستقبل.. ومن ناحية الفردى سنضمن عدم سيطرة حزب سياسى واحد على الحياة السياسية فى مصر بعد تجربة الحزب الوطنى فى عهد مبارك.. والإخوان فى عهد مرسى.. والمشكلة أو المعضلة ستكون فى النسبة.. وأرى أن تعطى 50٪ للقائمة 50٪ للفردى مع عدم نزول الأحزاب على مقاعد الفردى وهى المادة التى أسقطت مجلس النواب فى 2012 وأيضا أسقطت مجلس الشورى عن طريق المحكمة الدستورية العليا.