عاجل
الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

عالم أزهري: أرواح الشهداء شاهدة على ما أعده الله تعالى لهم من كرامة وعزة ورفعة

أكد الدكتور وائل عبد الكريم، مدرس بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية بالقاهرة أن للشهيد مكانة عند الله عز وجل ولقد اختصّ اللهُ عز وجل الشهداء بمنزلة عالية ومكانة سامية لا تدانيها مكانة ولا منزلة؛ وهذا من عظيم كرم الله تعالى لهؤلاء الشهداء الذين باعوا أنفسهم؛ مِن أجلِ الله وتساموا على ما يحبون وتغلبوا على شهواتهم واسترخصوا الحياة في سبيل إعلاء كلمة الله ونيل رضاه، فالله سبحانه وتعالى اختار لهم مكانة رفيعة ومنزلة عالية، وتلك المكانة السامية لا يصل إليها إلا الأنبياء والمرسلون وأولياء الله وعباده الصالحون.



 

 وأوضح الدكتور عبد الكريم سبب  تسمية الشهداء بهذا الاسم  لأَنَّ أرواحهم شاهدة حاضرة وتشهد ما أعده الله تعالى لهم من كرامة وعزة ورفعة، وقيل سمَّي الشهيد شهيدا لأن الله تعالى يشهد بنفسه له بحسن نيته وإخلاصه، ولأن روحه شهدت دار السلام في الجنة ودخلتها قبل القيامة وقبل غيره، وقيل لأنَّ ملائكةَ اللهِ شاهدةٌ عليه وشهدت احتضارَه، وقيل لأنه يُشهد له بالأمن من النار، وقيل: لأَنَّ الشهيد جاد بنفسه وهي أغلى ما يملك في الوجود؛ مِن أجلِ الله والجهاد في سبيله فكانت هذه الشهادة دليلاً حياً على أن إرضاء ربه عز وجل أعز إليه من نفسه التي يملكها؛ مِن أجلِ نيل رضا الله وجعل كلمته هي العليا وحفاظاً على الدين والوطن والدفاع عن الحق وإزهاق الباطل.

 

وقال الدكتور وائل عبد الكريم ان الشهادةُ مِن أعظمِ الرتبِ، وأعلاهَا، وأشرفِهَا وأحسنِهَا، وأبهاهَا؛ لِمَا لأهلِهَا عندَ اللهِ جلَّ وعلا مِن الأجرِ العظيمِ، والثوابِ الجزيلِ، والدرجةِ العاليةِ، والشهادةُ في سبيلِ اللهِ اصطفاءٌ واجتباء مِن اللهِ جلَّ جلالهُ ليستْ لجميع البشرِ، فالشهادةُ منحةٌ ربانيةٌ وغنيمةٌ إلهيةٌ يختصُ اللهُ بها مَن يشاءُ مِن عبادهِ  قال جلَّ وعلا: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾(آل عمران: 140)، والشهداءُ في المرتبةِ الثالثةِ بعدَ النبيينَ والصديقينَ، كما قالَ ربُّنَا: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ  وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) (النساء:69).

 

ولفت عبد الكريم أن الله تبارك وتعالى  علّقَ  على الشهادة  مغفرةَ الذنوبِ، والنصرَ في الدنيا والنجاةَ مِن النارِ والفوزَ بالجنةِ في الآخرةِ، قالَ جلَّ وعلا: { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وذلك هو الفوز العظيم). فيالله ما أعظمه من بيع وما أعظمه من ربح لله درهم ما أشجعهم غادروا أوطانهم , وهجروا نساءهم وفارقوا أولاهم وخلانهم يطلبون ما عند الله تركوا لذيذ الفراش ورغد العيش وخاطروا بأنفسهم من أجل دينهم وأوطانهم فحق لهم أن يكونوا مع الأنبياء والصديقين. وذكر الدكتور وائل انه من كرامات الله للشهداء أنهم أحياء عند ربهم قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)} [آل عمران: 169 - 171],فالله تعالى يخبرنا أن الشهداء ليسوا أمواتا وينهانا أن نحسبهم كذالك ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده وأنهم يرزقون ثم هم فرحون بما آتاهم الله من الفضل والمكانة ويستبشرون بمن لمن لم يلحق بهم من بعد.

وقال إنه مما يدل على أن الشهيد حي عند ربه ما رواه الترمذي  أن جابر بن عبدالله قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: «يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا»؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: «أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ»؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا. فَقَالَ: يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ. قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً. قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ" قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}.

 

وقد بين رسول الله بعض هذه الكرامات التي أعدها الله للشهداء فقال: (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خِصَالٍ: يَغْفِرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُحَلَّى حُلَّةَ الإِيمَانِ، وَيُزَوَّجُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ إِنْسَانًا مِنْ أَقَارِبِهِ). (أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه).

 

واستكمال أن من هذه الكرامات أيضا: أنَّ الشهيدَ يأتِي يومَ القيامةِ اللونُ لونُ الدمِ والريحُ ريحُ المسكِ: فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ قالَ: قالَ ﷺ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ".. (البخاري). ومنها: أنَّ الشهيدَ في الفردوسِ الأعلَى: فهذه أمُّ حارثةَ أتتْ النبيَّ ﷺ فقالتْ:” يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تُحَدِّثُنِي عَنْ حَارِثَةَ؟ وَكَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ، فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ. قَالَ: يَا أُمَّ حَارِثَةَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ ابْنَكِ أَصَابَ الْفِرْدَوْسَ الْأَعْلَى.”(البخاري). ومنها : أنَّ الشهيدَ لا يشعرُ بألمِ القتلِ وسكراتِ الموتِ: وفي ذلك يقولُ رسولُ اللهِ ﷺ: ”ما يجدُ الشهيدُ مِن مسِّ القتلِ إلا كمَا يجدُ أحدُكُم مِن مسِّ القرصةِ”، هذه هي كراماتُ الشهداءِ ومنازلُهُم عندَ ربِّهِم. ومن أعظم هؤلاء الشهداء الذين سطر التاريخ بطولاتهم بأحرف من نور شهداء غزوة بدر الكبرى والتي وقعت فى شهر رمضان ومنهم سيدنا عُمَيْر بن الحمام أول شهيد من الأنصار في غزوة بدر، قال عاصم بن عمر بن قتادة: "أول قتيل قُتِل من الأنصار في الإسلام (أثناء القتال) عُمير بن الحُمام". ويروي أنس بن مالك رضي الله عنه قصة استشهاد عمير بن الحمام في غزوة بدر فيقول: فانطلق رسول الله ﷺ وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون فقال رسول الله ﷺ: لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه (أمامه)، فدنا المشركون فقال رسول الله ﷺ:  "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخٍ بخٍ (كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه في الخير)، فقال رسول الله ﷺ: ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها، فأخرج تمرات من قرنه (جعبة السهام) فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتِل) رواه مسلم. ومن هؤلاء سيدنا أنس بن النضر الذي غاب عن معركة بدر، فقال لرسول الله: "يا رسول الله غبتُ عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع"، فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم"، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: "يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد"، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم ووجدناه قد قُتل، وقد مثّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه قال أنس: "كنا نُرَى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23]، ومنهم سيدنا عكرمة بن أبي جهل الذي استُشهد عن اثنين وستين سنة، وفي المعركة ضد الروم اندفع عكرمة مقاتلاً الكفار الذي اشتد هجومهم على المسلمين، وكان يقول: "لطالما قاتلتُ رسول الله ﷺ قبل أن يهدني الله إلى الإسلام، أفأفرُّ من أعداء الله اليوم؟"، فكان لا يخاف الموت، ساعياً للشهادة في سبيل الله، وقد حمَّس المسلمين منادياً عليهم: "من يبايع على الموت؟"، فبايعه عددٌ منهم، لكنهم كانوا قلةً مقارنةً بأعدائهم، فقاتلوا حتى قُتلوا شهداء في سبيل الله، وقد وُجد في جسد عكرمة رضي الله عنه بضعٌ وسبعون طعنةً ورميةً وضربة.

 

إن الشهداء الأبرار الأبطال عرفوا الحقَ فاتّبعوه، وعرفوا الشرَّ والباطلَ فواجهوه بصدورهم، وقد هانت عليهم الدُّنيا فلم تغرهم متعُ الحياة.. بل اختاروا طريقَ الخلود فسلكوه، وقد أيقنوا أن أرواحَهم أغلى ما يملكون، فقدموها قربانًا إلى الله الكريم، وأراقوا دماءهم في سبيله.. فيا لها من تجارة مع الله رابحة، جد رابحة..!!، سلعتها أرواحهم، وثمنها جناتُ الخلود في مواقع الشهود في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. وأكرم بها من تجارة وسعادة.. وأكرم بذلك من فوز عظيم. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز