عاجل
السبت 1 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
فلسطين فى ضمير مصر

الرئيس السيسى بلسان مبين: دعمنا للقضية الفلسطينية عقيدة راسخة

فلسطين فى ضمير مصر

فى أرض كنعان، يقف التاريخ ممشوق القوام، يهتف فى زائريها، أن تحسسوا الخطى، عسى أن تطأ أقدامكم، موضع قدم نبى، أو شهيد ضحى فى الصراع الأبدى.



فى بيت لحم ميلاد نبى الله عيسى، عليه السلام، وفى القدس مسرى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، الذي صلى بالأنبياء أجمعين على أرضها إمامًا.

على أرض مصر فى سيناء، على مقربة من بيت المقدس، تجلى الله لنبيه موسى، وفى حضنها، نشأ وتربى نبى الله يوسف، حتى قال لملكها: «اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم» صدق الله العظيم.

ظلت أرضنا العربية، على مدار التاريخ مطمعًا للأعداء، سطر التاريخ ملاحم بطولية فى التضحية والفداء، دفاعًا عن كل ذرة من ترابها، عطر كل شبر فيها دماء الشهداء، فى معارك الكرامة من مواجهة المغول والتتار والحملات الصليبية والحملة الفرنسية والاحتلال البريطانى إلى الصهيونية.

يشهد التاريخ، وهو شاهد عدل لا يعرف المجاملات، أن مصر بشعبها وجيشها، كانت دائمًا هى الدرع الواقية للأمة، والظهر الذي يحتمى به الجميع عند الملمات والتحديات.

«أؤكد للعالم بوضوح ولسان مُبين، وبتعبير صادق عن إرادة جميع أبناء الشعب المصري فردًا فردًا، أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث، وفى كل الأحوال لن يحدث على حساب مصر أبدًا».

كانت هذه رسالة حاسمة من الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى العالم من قمة القاهرة للسلام، بحضور 34 دولة وثلاث منظمات، دولية وقارية وإقليمية، اتصالًا لرسائل مُباشرة قاطعة منذ اندلاع العدوان، مفادها أن مصر لن تسمح مطلقًا بتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية.

إن التغيرات الجيوسياسية وصراعات القوى الدولية، تقف خلف ما يحدث فى قطاع غزة، ويظل الاحتلال الصهيونى وظيفيًا، تحميه القوى العظمى لتحقيق أهدافها فى المنطقة.

يتسق هذا الموقف المصري الصلب، المُعبر عن إرادة الشعب والقيادة السياسية، بمختلف مستوياتها ومكوناتها، مع مواقف مصر التاريخية من القضية الفلسطينية، والدفاع عن الأمن القومى المصري والعربى فى مواجهة التحديات والتهديدات مهما كان حجمها، والقوى العظمى التي تقف خلفها.

«لو لم تكن إسرائيل موجودة لكان علينا خلقها لحماية المصالح الأمريكية فى المنطقة، دعمنا لها أهم استثمار أمريكى فى الشرق الأوسط»، عبارة صرح بها جو بايدن السيناتور بالكونجرس الأمريكى، عام 1986، ليعود ويكررها وهو رئيس لأمريكا، مانحًا فى أكتوبر الماضى ضوءًا أخضر لجيش الاحتلال لارتكاب مجازر بحق 2.5 مليون فلسطينى مدنى أعزل فى قطاع غزة، متخاذلًا اليوم عن ردع مجزرة مرتقبة فى رفح الفلسطينية. 

ومع تنامى الغضب الشعبى والدولى وافتضاح الأكاذيب، اضطر بايدن للإدلاء بتصريحات مرتبكة، حيث يعلن دعم أمريكا الدائم لإسرائيل رغم جرائمها بحق الإنسانية، ويغازل الرأى العام الغاضب بوقف إمداد إسرائيل ببعض الأسلحة حال اقتحامها التجمعات السكنية فى رفح الفلسطينية!

يخطئ من يظن أن هذا العالم، يحكمه قانون دولى، أو إنسانى، أو أن أمريكا والغرب يمكن أن يتحول انحيازهما السافر من دعم الاحتلال الإسرائيلى إلى دعم الحق الفلسطينى.. بل تحكمهما المصالح.

 فى عام 1907، شكل «هنرى كامبل بانيرمان» رئيس وزراء بريطانيا -القوى العظمى التي غزت مساحات من العالم لا تغرب عنها الشمس- لجنة تقترح الوسائل والتدابير التي تحافظ على مصالح الإمبراطورية البريطانية فى آسيا وأفريقيا، وتحول دون تهديد إنهائها مع تنامى حركات التحرر فى البلدان التي تبسط عليها نفوذها.

وكانت مصر أهم تلك الدول، وأهم ما فى مصر، سيطرتها على قناة السويس، التي تضمن حماية الملاحة، والنقل والمواصلات بين أرجاء مستعمراتها، لذا جاء تقرير اللجنة مؤكدًا ضرورة تشكيل حاجز بشرى قوى فى المنطقة، على مقربة من قناة السويس، يكون صديقًا للاستعمار وفى الوقت ذاته عدوًا لسكان المنطقة.

وأوضح التقرير، أن الهدف الرئيسى لذلك الحاجز البشرى المعادى لشعوب المنطقة، من أهم أهدافه، مقاومة حركات التحرر، كون حصول مصر على استقلالها،  يجعلها دولة قوية، تهدد المصالح البريطانية فى الشام.

ونصح التقرير الدول الكبرى الاستعمارية ذات المصالح المُشتركة فى هذه المنطقة، أن تعمل على تجزئتها وإبقائها غارقة فى التفكك والجهل والفقر والصراعات الداخلية.

وفشلت كل المحاولات التي تبناها اللورد «كرومر» المعتمد البريطانى فى مصر للضغط على الحكومة المصرية، لقبول طلب مؤسس الحركة الصهيونية «تيودور هرتزل»، إبرام اتفاق توطين اليهود فى سيناء، فجاءه الرد قاطعًا 1903 من حكومة بريطانيا: «نأسف لعدم استطاعتنا الضغط أكثر من ذلك على مصر لدفعها لتغيير موقفها.. يجب صرف النظر عن الموضوع».

كما انتصرت إرادة مصر حينها، وستنتصر دائمًا، على التحديات والتهديدات، فالمخطط يعاد تكراره من الكيان الصهيونى والقوى العظمى التي التقت مصالحهما على تهجير الفلسطينيين من أرضهم التاريخية إلى سيناء. 

وما يحدث الآن من توسيع العمليات الصهيونية العسكرية فى رفح الفلسطينية، وتدمير كل سُبل الحياة، والسيطرة على الجانب الفلسطينى من معبر رفح المنفذ المتبقى لتقديم جهود الإغاثة، مع إقامة ميناء عائم فى غزة، يؤكد مواصلة المُحتل مخطط الضغط لإجبار الفلسطينيين على الهجرة عبر ذلك الميناء بعد إفشال مصر مخطط التهجير إلى أراضيها.

القضية تكمن فى صراع المصالح بين القوى العظمى، الصين صاحبة مشروع طريق الحرير الذي يمر من سيناء إلى أفريقيا، ويعزز نفوذ بكين الاقتصادى والسياسى حول العالم، والمشروع الأمريكى الأوروبى، الذي يستهدف ربط أوروبا بالشرق عبر ميناء إسرائيلى على البحر الأبيض المتوسط، مرورًا بصحراء النقب وقطاع غزة إلى الشرق عبر دول الخليج وصولًا إلى الهند.. أعتقد ذلك هو الهدف الرئيسى لإخلاء غزة من سكانها والميناء الأمريكى العائم.

جذور المؤامرة 

من رحم الاحتلال الفرنسى، ولدت فكرة تحريض يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين لإقامة دولة يهودية بها، دعاهم نابليون بونابرت، مع قدومه لاحتلال مصر وسوريا عام 1798، بهدف خلق جدار بشرى على حدود مصر لفصلها عن امتداد الجسد العربى بالشام. 

أراد نابليون صناعة كيان موالٍ للإمبراطورية الفرنسية، يحمى مصالحها فى القلب منها طرق تجارتها للهند، و«المنهوبات»، التي سموها «مستعمرات»، فى معارك المصطلحات لاحتلال الأذهان قبل الأوطان. 

لم يجد نابليون من يهود العالم، آذانًا مصغية، ولم تمهله المقاومة المصرية الوقت، فقد لقنه شعب مصر درسًا سجله التاريخ، ورحل غير مأسوفٍ عليه، لتمضى السنوات قبل أن يجدد الاحتلال البريطانى العدوان على مصر 1882م.

ذاق الاحتلال البريطانى ثروات المشرق العربى، وتعاظمت لديه مكانة مصر الاستراتيجية مع قناة السويس شريان الحياة الاقتصادية بين أقطار العالم، وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وظهرت الحركة الصهيونية الحديثة، وتلاقت الأهداف.

موازين القوى الدولية

تغيرت موازين القوى الدولية، بانتهاء الحرب العالمية الثانية، وتعالت حركات التحرر الوطني، وفكرت الإمبراطورية البريطانية فى إجابة للسؤال المهم: كيف نحمى مصالحنا حال الجلاء عن مصر، خاصة إذا أغلقت قناتها أمام حركة تجارتنا؟

وجد وزير الحرب البريطانى خلال الحرب العالمية الثانية، آرثر جيمس بلفور، الإجابة فى استدعاء مخطط نابليون، بناء جدار بشرى يهودى موالٍ لبريطانيا على حدود مصر، لتحقيق هدفين: الأول حماية الحدود الشرقية المؤدية إلى قناة السويس من أى عدوان لقوى دولية منافسة لبريطانيا.. الثانى: وجود احتلال وظيفى وكيلًا عن الاحتلال البريطانى حال رحيله.

خطط الاحتلال البريطانى للرحيل خلال فترة انتقالية مدتها عشر سنوات، كثف خلالها تهجير الصهاينة إلى فلسطين، وقبل إنهاء الانتداب 15 مايو 1948، بيوم واحد أعلن بن جوريون عن إقامة الدولة اليهودية، وكيلًا عن الاحتلال الإمبراطورى الراحل.

تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية صفوف القوى العظمى، لترث الاحتلال الصهيونى الوظيفي، الذي يخدم مصالح الأقوى بين قوى الغرب، مقابل دعم بقاء دولتهم، ليس أدل على ذلك من تصريحات السيناتور الأمريكى جو بايدن 1986 قائلًا: «لو لم تكن إسرائيل موجودة، لخلقناها، فهى أفضل استثمار أمريكى فى الشرق الأوسط».

طوفان الأقصى

وعقب طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر، بعد 37 عامًا من تصريحه الأقدم، هرول جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاحتلال، معلنًا الدعم الأمريكى الكامل، مجددًا عبارته القديمة.  

كان الهدف الاستراتيجى للصهاينة والأمريكان والاحتلال القديم البريطانى والفرنسى، عقب انتصار أكتوبر 1973، تفكيك مقومات النصر المصري العربى، عبر إشاعة الفرقة بين الأشقاء، ونهب البترول مقابل الغذاء، لتوفير مخزون استراتيجى يحد من تكرار استخدام سلاح البترول، وإضعاف الجيوش وهدم الدول من الداخل.

وفى سبيل ذلك استخدموا الحصار الاقتصادى، وشعارات الحرية وحقوق الإنسان، وإنشاء التنظيمات الإرهابية، للحرب بالوكالة، الشائعات والحروب النفسية نجحت فى تحقيق أهدافها فى العراق واليمن وليبيا وأحدثت شروخًا عميقة فى بنيان سوريا، ومؤخرًا السودان.

بينما مصر، كما انتصرت على المغول، والتتار، والحملات الصليبية، والاحتلال الفرنسى، والبريطانى، والعدوان الثلاثى، والاحتلال الصهيونى، هزمت مخطط تهجير الفلسطينيين، ونجح الرئيس السيسي بموقفه الصلب تسانده مؤسسات الدولة وشعب مصر، فى مواجهة المخطط، وخلق رأى عام دولى مؤيد لموقف مصر وحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 4 يونية 1967.

تواصل مصر جهودها مع الأشقاء العرب وشرفاء العالم، لإنهاء جرائم الإبادة الجماعية، بوقف دائم لإطلاق النار، ونفاذ المساعدات الإغاثية والإنسانية بالقدر الكافى لسكان غزة.

قالها الرئيس السيسي بلسان مصري مِبين بكلمات واضحة لا تقبل التأويل، منذ الساعات الأولى للأزمة الأخيرة فى حفل تخريج طلاب الأكاديمية والكليات العسكرية: «دعمنا للقضية الفلسطينية عقيدة راسخة فى الضمير المصري، وسنقدم كل الدعم للشعب الفلسطينى للصمود على أرضه».

مصر كانت وستظل الداعم الأول والدائم بكل قوة وشرف للحق الفلسطينى، فرغم كونها تحت الانتداب البريطانى فى زمن نكبة 1948، قدمت الدماء دفاعًا عن فلسطين، وحطمت أحلام الصهاينة التوسعية 1956، وكسرت أنفهم فى أكتوبر 1973، واليوم تتصدى بكل ما تملك من قدرة شاملة لمخططات التهجير للحيلولة دون نكبة جديدة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز