عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
محلب و حكومة "قبل ما يخلص يا جدعان"

محلب و حكومة "قبل ما يخلص يا جدعان"

بقلم : إيهاب الشيمي

لا يستطيع أحد في الداخل أو الخارج، إلا من استخف بعقله ليؤمن بشرعية مرسي و إخوانه، أن ينكر تلك الشعبية الجارفة التي حظي بها عبد الفتاح السيسي في نهايات العام الأسود لحكم مرسي، و عقب ثورة الثلاثين من يونيو التي جاءت كحلقة جدية من حلقات استكمال ثورة الشعب المصري العظيم في الخامس و العشرين من يناير ضد الفساد و المحسوبية و القمع و انتهاك الحريات و الانتقاص من مقدرات مصر العظيمة التي رأى أبنائها أنها تستحق أن تتبوأ مكانتها من جديد في ريادة الحراك السياسي و الثقافي و الاقتصادي في المنطقة بعد فترة من الكمون و التراجع، و هي تلك الشعبية الجارفة التي دفعت بجموع الشعب لانتخاب الرجل كرئيس لجمهورية مصر العربية في الاستحقاق الثاني من خارطة الطريق.



 
و لم يكن حب أبناء الشعب و اختيارهم  للسيسي مجانياً، بل اقترن بمطالبتهم له باستكمال انحيازه لهم اجتماعياً و اقتصادياً ليقود عملية إصلاحية توجه الموارد المهدرة للدولة إلى مستحقيها الفعليين، بل و تعمل على تنميتها ليس فقط لسد حاجاتهم الأساسية على المدى القصير، و لكن لتطوير و رفع مستواهم المعيشي و الخدمات المقدمة لهم، و النهوض بالاقتصاد الوطني على المدى المتوسط و البعيد.
و لا أخفيكم سراً، أن هناك من يحقد و بشدة على حكومة السيد محلب بسبب كل تلك الشعبية الجارفة و الظهير الشعبي الضخم، اللذين لم يتوفرا لأي حكومة مثلما توافرت لهذه الحكومة منذ خمسينيات القرن الماضي حين أطاح عبد الناصر و رفاقه بالفساد و الإقطاع و العمالة للإستعمار الأجنبي في يوليو 1952.

و إحقاقاً للحق، فالرجل مشهور بالنشاط و الحرفية و الدقة في تسيير الأمور، و هو ما لمسه كل المصريين في الشهور الأولى لتولي الحكومة لمقاليد الأمور، و هو ما دفع معظم المصريين للتفاؤل بما يمكن أن تقدمه حكومة محلب لهم، بعد إعادة تكليفها عقب تنصيب السيسي، على المدى القصير حتى تولي حكومة جديدة من الأغلبية المنتخبة في البرلمان للأمور من بعدها.

لكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، فالنشاط و الديناميكة، و الدقة في تنفيذ الجداول الزمنية، لم يقترنوا بمدخلات جديدة تخرج صورة حكومة محلب عن الإطار التقليدي للحكومات السابقة في التعامل مع الأزمات الراهنة، و معالجة عجز الموازنة، و إعادة هيكلة منظومة الإيرادات و المصروفات العامة، و الإحساس بنبض الشارع.

و اتجهت الحكومة للحلول التقليدية بخفض عجز الموازنة عن طريق  تخفيض نسب الدعم السلعي التي تؤثر بشكل مباشر و لحظي على محدودي الدخل، دون النظر إلى ما كان يمكن تخفيضه من دعم أكبر بكثير يوجه لوقود المصانع الاستثمارية التي تحصل على الكهرباء و المحروقات بالسعر المدعوم من قوت الشعب و موارده، لتبيع منتجاتها لنفس الشعب بالسعر العالمي و بجودة أقل في كثير من الأحيان.
و ليت محلب و رفاقه استغلوا الفارق في تخفيض الدعم على المواد البترولية و الذي جاوز الأربعين مليار جنيها ليصبوا الفارق في بنود أخرى تخفف من وطاة الصدمة ، بل على العكس فقد قاموا أيضا بتخفيض الدعم الموجه للسلع التموينية بدعوى إصلاحها و توجيه الدعم لمستحقيه فقط، و هو ما أثار حفيظة معظم المصريين من ذوي الدخل المحدود.

لا أستطيع أن أنكر بالرغم مما اقوله هنا قناعتي بأن رفع الدعم و تحرير أسعار المواد البترولية لتساوي الأسعار العالمية هو عامل أساسي لإصلاح خلل الموازنة و النهوض بالاقتصاد، و توجيه مخصصات الدعم لبنود أخرى أكثر منفعة ، و أكثر تأثيراً على رفع سقف دخل الفرد في مصر، و لكن ذلك كان يجب أن يكون مقترنأ بحزمة الإجراءات الإصلاحية الأخرى مثل تطبيق منظومة البطاقات الذكية للبنزين و السولار، و تطبيق منظومة البطاقات التموينية الذكية، و كذلك رفع كفاءة الشبكة القومية للطاقة حتى يمكنها دعم إنشاء الصناعات الثقيلة و المتوسطة التي يطمح السيسي أن تخفض من نسب البطالة و ترفع من "البروفايل" الاقتصادي و الاستثماري لمصر في الأسواق العالمية.
 
و لم يكد الشعب يستفيق من تقليدية حلول حكومة محلب، حتى صفعته الأخيرة بإعلان مواجهتها لصعوبات متعددة في تطبيق الحد الأقصى للأجور بدعوى حساسية موقف بعض الهيئات الاقتصادية، و القطاعات المصرفية، و الهيئات القضائية، و التي تحكمها لوائح خاصة و كوادر استثنائية، و كأن السيد محلب و رفاقه قد فوجئوا بوجود مثل هذه الهيئات و اللوائح بعد أن أعلنوا عن تطبيق قانونهم، ليجد الموظف محدود الدخل نفسه في النهاية عاجزاً عن رؤية أحلامه برفع حده الأدنى  تتحقق بسبب فشل الحكومة في إصلاح المنظومة برمتها.

لقد تخلت حكومة محلب عن الصدام مع أباطرة الاستثمار، و كبار رجال الصناعة، و مراكز القوى في الهيئات الاقتصادية، و القطاعات الاستثمارية، و تركت عبء تطبيق المنظومات الذكية للتموين و البنزين و الطاقة لمن يأتي من بعدها، و  آثرت أن يتحمل محدود الدخل أعباء رفع الدعم وحده، و ليتحمل اعباء إصلاح منظومة الأجور وحده .

باختصار، فحكومة محلب حاولت و تحاول بشتى الطرق أن تغطي على تقليديتها و فشلها في إيجاد حلول خارج الصندوق ، مستندة في ذلك على رصيد السيسي الشعبي  لتمرر ما تريد من قرارات و قوانين "قبل ما يخلص الرصيد  يا جدعان"  !!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز