عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سياسة قطع اللسان للمدعو أردوغان

سياسة قطع اللسان للمدعو أردوغان

بقلم : إيهاب الشيمي

"قطع لسانك .. أنا بنتي أشرف من الشرف"



جملة لن يتذكرها إلا من هم في مثل سني ممن كانوا يتابعون أفلام الأبيض و الأسود للرائعة  "ميمي شكيب" على شاشات التليفزيون المصري في ثمانينيات القرن الماضي قبل أن يبتلينا الله بوباء الفضائيات اللعين !
 
و لكن يبدو أيضاً أن تلك الجملة  قد تم اعتمادها منذ تفوهت بها شكيب و حتى الآن، كأساس للتعامل مع الكثير من المواقف داخل وزارة الخارجية و دوائر صنع القرار الديبلوماسي  حين يتعلق  الأمر بالرد على هجوم أطراف خارجية على مصر، و سياستها، و حكامها، و شعبها.
و ليس أدل على ذلك من البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الخارجية المصرية في الأيام القليلة الماضية رداً على التجاوزات في حق ثورة الشعب في الثلاثين من يونيو، من قبل الرئيس التركي المنتخب حديثاً في أنقرة بعد أن غير الدستور خصيصاً في البرلمان التركي "الملاكي" ليمكنه اعتلاء كرسي الرئاسة.
 
كنت أتمنى أن تقطع البيانات الصادرة عن الخارجية المصرية الطريق على ادعاءات أردوغان ببيان أن تلك البيانات تنال من قيمة منصب الرئاسة في مصر الذي تولاه السيسي بعد انتخابات نزيهة شهد بحياديتها و قبل بنتائجها و أكد نسب حضورها كل من اشترك فيها و راقبها من الجمعيات الأهلية أو  المنظمات الدولية التي شاركت في مراقبة سير العملية الانتخابية، و بالتالي أن تعتبر تلك التصريحات اعتداء صريح على سيادة مصر و إرادة شعبها و استقلالها، و هو ما يتيح التحرك دولياً لإدانة أردوغان و من يدعمونه و يوالونه، و لكنني فوجئت بأن البيان تحول من أداة لردع أردوغان، طبقاً للقانون الدولي و الأعراف الدبلوماسية، إلى نوع آخر من الردع الفولكلوري الشعبي ليبدأ من صاغ البيان في "فرش الملاية" لأردوغان و بيان انتهاكاته لحقوق الانسان و حرية التعبير و قمع المظاهرات و تفصيل القوانين المقيدة للحريات في انزلاق صريح منا إلى قاع نفس البئر التي نشجب انزلاق اردوغان إليها.
 
و بدلاً من ان تستغل الخارجية المصرية إذعان العالم لثورة الشعب في الثلاثين من يونيو، و التي ساندها و دعمها الجيش لاسقاط دولة تجارة الدين و أحلام استعادة الخلافة، و بدلاً من أن توظف الدبلوماسية المصرية اعتراف الجميع بشرعية السلطة في مصر، و الذي تمثل في تسابق الزعماء من جميع انحاء العالم لحجز مقعد على طاولة اجتماعات الوفد المصري في مقر الرئيس السيسي بنيويورك، وجدنا من صاغ البيان و قد أهدر كل ذلك الزخم الذي كان يمكن أن يحول الموقف لصالحنا، بأن خرج علينا  بتلك الردود المتخاذلة و غير المدروسة التي حولت المشهد الى مجرد "خناقة في حارة" تفتقد أبسط قواعد الدبلوماسية، و لا يمكن لمن يتابعها من بعيد إلا أن يتهم طرفيها باللاموضوعية و التعصب، و لا يميز فيها سوى سباباً من جهة و سباباً في المقابل من الجهة الأخرى.
 
و حتى يأتي الوقت الذي تتخلص فيه الخارجية من عقدة ميمي شكيب، فعلى المصريين جميعاً أن يردوا على كل اتهامات أردوغان و أمثاله حول الديمقراطية في مصر.. ليس بالبيانات الجوفاء، و الكلمات الرنانة، و لكن بالفعل الحقيقي على أرض الواقع، بما يجعل فرص هؤلاء في التطاول على مصر و شعبها تتناقص، لتنعدم في النهاية.
و لن استثني أحداً من المسئولية في وجوب الرد على أرض الواقع، و لن أطالب أحداً كذلك بأن يخدع نفسه ليظن أننا بلا عيوب، فلا بد أن يدرك الجميع أن إسقاط الأنظمة الديكتاتورية و الفاشية لن يمنعِ استمرار المشاكل التي نعاني منها، فالفقر والجريمة وعدم الفاعلية البيروقراطية وتخريب البيئة، و فساد عقيدة الأجهزة الأمنية التي اعتادت تقديم حماية النظام على حماية المواطن كلها أمور تخلِّفها تلك الأنظمة، و هي أمور لا بد لنا من علاجها.
 
على السلطة أن  ترد على أردوغان بأن توفر الحد الأدنى من تخفيف معاناة ضحايا القمع، وفتح الطريق أمام إعادة بناء المجتمع من خلال ضمان الحريات السياسية و الممارسة الديمقراطية الجمعية و الشخصية، والسعي لتطبيق روح و نص الدستور في ضرورة تحقق العدالة الاجتماعية، و أن توفر فرصاً للجميع رغم اختلاف آرائهم ليكملوا العمل البناء والتطوير السياسي لمعالجة المشاكل، و المشاركة في صياغة المستقبل من خلال إعادة بناء الاقتصاد الوطني القومي، و هو ما بدأنا في رؤية أولى إرهاصاته من خلال مشروع قناة السويس.
 
و على من قاموا بالثورة في يناير ضد الفساد و الدكتاتورية و توريث الحكم أن يردوا على أردوغان بألا يتوهموا أن مجتمعاً مثالياً سيظهر فور سقوط النظام الذي خرجوا ضده، فهذا السقوط هو فقط نقطة البداية التي احتاجت إليها مصر لتتيح لها ظروفاً أفضل لبذل جهود طويلة الأمد لتطوير المجتمع وتلبية حاجاته الإنسانية بشكل أفضل، و هو ما يعني أن المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستستمر لسنوات عليهم خلالها أن يكونوا مستعدين للتحوُّل المنظَّم إلى الديمقراطية، من خلال تنظيم صفوفهم في كيانات سياسية حقيقية يمكنها التواصل مع الشعب و الفوز بثقته  التي خسروا الكثير منها، و أن يسعوا لنيل شرف تمثيله في البرلمان جنباً إلى جنب مع من يختلفون معهم في رؤية التطبيق و لكنهم يتفقون معهم حتماً في السعي من أجل مصلحة الوطن. و لن يتحقق لهم ذلك إلا شريطة أن يقترن بتطهير أنفسهم ممن اندسوا بينهم طوال السنوات الثلاث الماضية من أصحاب المصلحة، و منفذي الأجندات الخارجية، و الساعين نحو الأضواء، و مدمني الأدرينالين الذي لا يجدونه في الحوار الهادئ العقلاني مع الآخر، و لكن يجدونه فقط وسط الضجيج و الدخان و الدماء و الهتاف ضد السلطة دون طرح بديل يقبله الشعب و يضمن سلامة الوطن و وحدته و تقدمه.
 
و على النخب السياسية و الحزبية ان ترد على أردوغان بأن تعمل على تفكيك الهيكلية العقيمة لتنظيماتها التي لا تضمن إلا سيطرة قلة مختارة على لجان الأحزاب المركزية و قيادة تحالفاتهم الهشة دون وجود أدنى قدر محسوس من التواصل مع القواعد الشعبية، و هو ما يحتم عليهم إعادة التفكير في طريقة بناء الأسس الدستورية والقانونية لمصر التي نحلم بها، و كذلك إعادة تقييمهم و صياغتهم لمعايير السلوك الديمقراطي الحقيقي التي تضمن أن يصل صوت كل مصري من خلالهم إلى صانعي القرار سواء كان ذلك المصري ممن انتخبوا الحاكم، أو ممن انضموا  لصفوف المعارضة الوطنية المخلصة التي لا تسعى لفشل الحاكم بقدر ما تسعى لتقويم سلوكه و خططه و أدائه التنفيذي و السياسي من أجل وطن أفضل لنا جميعاً.
 
حين نمتلك جميعا الشجاعة لفعل ذلك و تقبله و ادراك تبعاته، لن نكون قد امتلكنا أسس المستقبل المشرق لمصر و فقط، بل و كذلك الأداة الفاعلة لقطع كل لسان قد يتفوه بما قاله أردوغان.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز