عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
بص العصفورة .. و طلاب المحظورة

بص العصفورة .. و طلاب المحظورة

بقلم : إيهاب الشيمي
"ادخل من البلكونة دي يا ابني و شوف مذاكرتك .. ثواني يا بابا عشان العصفورة الصفرا دي حلوة أوي .. بس دي حمرا يا ابني .. طيب ثواني أنادي ماما و هي تحكم بيننا"


مشهد يكاد يتكرر يومياً في كل بيت مصري .. قد تختلف بالتأكيد بعض التفاصيل من آن لآخر، فقد يختلف المكان، أو علاقات الأشخاص ببعضهم البعض، أو ماهية الشئ الذي يختلفون عليه، و لكن المضمون في مصر دائماً ما كان ثابتاً و لعقود مضت، و هو أننا ندمن و بشكل غريب و غير منطقي منح كل اهتمامنا و حواسنا لمتابعة ما هو غير مؤثر، و أننا نسمح بأن يتم استفزاز مشاعرنا لنسمح للآخرين بالاستحواذ على جزءٍ كبيرٍ من وقتنا المغتصب مسبقاً بمشاكل حياتنا اليومية، لنصل في النهاية إلى حقيقة اننا أضعنا وقتاً ثميناً كان يمكن استثماره فيما كان يمكن أن يثري حاضرنا و مستقبلنا، و لتنطلي علينا في النهاية حيلة الإبن في الهروب من المذاكرة و الدخول في جدل سفسطائي لن يسفر في النهاية إلا عن إثبات صحة رأي طرف في لون العصفورة، و نجاح الطرف الآخر في مسعاه بالبقاء في البلكونة.


و يبدو أن من تعاقبوا على كرسي السلطة في مصر قد درسوا جيداً ذلك الجزء المميز من شخصية الشعب المصري، فاصبح شغلهم الشاغل هو البحث عما يمكن أن يشغل ذهن المواطن لأكبر فترة ممكنة، بحيث يغفل عما هو أهم مثل متابعة أداء السلطة السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الأمني، و التحقق من مدى مصداقيتها في تنفيذ ما وعدت به، وصولاً إلى اعترافه في النهاية بأحقيتها في القيادة و قدرتها على مواجهة التحديات المطروحة داخلياً و خارجياً.


و منذ منح الشعب الثقة لشبابه المخلص الذي أصر في يونيو على استرداد ثورة يناير التي اختطفتها الجماعة المحظورة و من وراءها، و هو ما سانده فيه قواته المسلحة الوطنية الموحدة، لم يساورني الشك لحظة واحدة أن تلك الجماعة ستكون "العصفورة الذهبية" التي ستستخدمها السلطة في الفترة الحالية لتنفيذ نفس الحيلة، تماماً كما استخدمت السلطة التي سبقتها عصافير أخرى بألوان مختلفة في فترات سابقة.


ففي بادئ الأمر خرجت علينا الحكومة و إعلامها بفكرة ان التنظيم الدولي للإخوان المسلمين هو من يتسبب في تشويه صورة مصر في العالم أجمع و ينشر فكرة أن ما حدث هو انقلاب عسكري ضد سلطة شرعية منتخبة، و لم يكن ذلك الادعاء إلا لإخفاء فشل خطاب وزارة الخارجية حينها، و فشل مسئولي مكاتب الهيئة العامة للاستعلامات المنتشرة في أنحاء العالم، و فشل الملحقين الإعلاميين المصريين في الخارج، في طرح استراتيجية و تنفيذ خطة تظهر حقيقة الأوضاع، و تقنع الجميع بشعبية التحرك في يونيو.


ثم خرج علينا رئيس الوزراء بعد أسابيع من انتخاب الرئيس السيسي ليعلن أن أزمة الكهرباء في مصر سببها تفجير الإخوان لأبراج الكهرباء و سيطرتهم على مفاصل قطاع الكهرباء ليكسب بذلك تعاطفنا، و يوجه غضب الجميع بعيداً عن فشله و فشل حكومته في وضع تصور كامل لحل مشكلة انهيار منظومة الطاقة بكل ما تشمله من توفير مصادر للوقود، و إنشاء محطات جديدة للتوليد، و تفعيل خطط للصيانة، و استغلال مصادر الطاقة المتجددة، و سد العجز في القدرة مقارنة بالطلب المتزايد.


و لن أخفيكم سراً أنه و بالرغم من تعاطفي الشديد و ألمي البالغ لفقد خيرة شبابنا في العمليات الإرهابية التي نفذهتها ضدهم  عناصر جماعة الإخوان المسلمين، و ميليشياتها، و المتحالفين معها من الجماعات التكفيرية في سيناء، إلا أن إلقاء الحكومة باللوم على جماعة الإخوان لم يزدني غضباً و حنقاً إلا على تلك القيادات الأمنية التي تسعى و بجد لاستدرار حب الشعب لجيشه و شرطته، و استغلال غضبه لفقد الجنود و الضباط الواحد تلو الآخر في مسلسل لا ينتهي، لتواري خلف كل ذلك فشلها الذريع و المخزي في وقف نزيف الدماء، و قطع رؤوس الإرهاب ممن يمولون، و يخططون، و ينسقون، و ينظمون، بينما تهدر في مسلسل اسبوعي موارد لا محدودة من القوات و العتاد و القدرات في مطاردة أذيال لا تأثير فعلي لها في مسيرات الشرعية المزعومة التي تنشر الخوف و القلق في نفوس الجميع.


و طالما أدركت عزيزي القارئ أن العصافير لا هدف منها سوى إلهائك عما يجب أن تلتفت إليه حقاً، فدعني أذكر لك بعضاً منها مما شغلك في الفترة الماضية، و ليكن مثلاً عصفورة جدلية وجود عذاب القبر من عدمه، و عصفورة لغز حصول بعض المذيعين على تسجيلات هاتفية و أخرى مصورة و عرضها على الفضائيات دون أدنى احترام للدستور و القانون، و دون اي ردة فعل من الجهات الأمنية التي كان يجب أن تحقق في تسرب مثل هذه التسجيلات! و عصفورة جدلية الإبقاء على برنامج باسم يوسف أو منع عرضه و كأنه حصن المعارضة الوطنية الحصين بينما تغط الأحزاب في نوم عميق، و كذلك عصفورة المطالبة بضرورة إدانة و سجن المطالبين بتعديل نصوص قانون التظاهر و اعتبارهم من المارقين عن نهج يونيو أو الموافقة على ما ذهب إليه الرئيس من ضرورة مراجعة تلك النصوص و الخروج بتوصيات ترضي الجميع..


و لن أحرمك عزيزي القارئ من متعة اكتشاف ما تخفيه العصفورة الأخيرة و التي تستفز و بشكل مباشر كل مشاعر الغضب لدى الآباء و الأمهات بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، و المتمثلة في اشتباكات طلبة المحظورة في الجامعات المصرية، و كأنه علينا أن نصدق أن الأجهزة الأمنية قد اكتشفت فجأة أن شركة الأمن الموكل إليها الأمر غير مسلحة، و انها تؤمن المداخل فقط، أو أن تلك الأجهزة الأمنية تفاجئت بأن طلاب المحظورة يستخدمون المولوتوف و الأسلحة البيضاء و ليس الطرق السلمية التي كان ينتهجها الطلاب المستقلون و الليبراليون بل و اليساريون إبان معارضتهم لحكم مرسي، أو أنها تجهل رؤوس العنف و المحرضين عليه منذ العام الماضي!
 
و قد يذهب بعضكم تلقائياً لفكرة أن تعتمد حيلة العصفورة هنا على تعمد الأجهزة الأمنية بقاء قادة طلاب المحظورة طلقاء ليفعلوا ما يفعلون من تدمير و حرق و تخريب، لتكون عودة الحرس الجامعي و الرقابة على النشاط الطلابي و تقييد الحريات، مطالب شعبية ملحة تضطر أجهزة الأمن للاستجابة إليها في النهاية لوقف العنف، حتى و إن كانت معظم الأنشطة الطلابية بعيدة عن عنف هؤلاء و في إطار أعراف و تقاليد الجامعة المصرية العريقة، و في سياق ما يمكن قبوله من نقد بناء و معارضة ديمقراطية من شباب مصر الذي لا يجد السيسي مناسبة إلا و أشاد به و دعا لاندماجه في بناء المستقبل.


و لكني أرى أن تلك الخطة "مكشوفة زيادة عن اللزوم"، ففي رأيي أن المقصود هو أن نغفل جميعاً عما هو أهم بكثير، و لكي تعرف ما هو ذلك الأهم، دعني أسالك بعض الأسئلة:
.. هل تعلم متى سيصدر قانون الاتتخابات أو كيف سيتم تقسيم الدوائر الانتخابية؟!
.. كيف سيمكن للأحزاب تعديل قوائمها و تسمية مرشحيها و إطلاق حملاتها الدعائية التي ستضمن تمثيل البرلمان للشعب بصورة صحيحة في ظل إعادة التوزيع و التقسيم الجغرافي الجديد للمحافظات الذي اعلنه السيسي و الذي يتم صياغته رسميا من الحكومة حتى الآن؟!
.. هل تعلم المواد المعيبة في القانون التي أدت لحل مجلس شعب الكتاتني و لا نريدها أن تظهر من جديد لتهدد المجلس القادم؟!
.. هل تعلم كيف سيتم تفعيل قانون العزل السياسي على الانتخابات القادمة لضمان عدم عودة برلمان شبيهاً بذلك الذي مثل الشعب في 2010؟!
.. هل تعلم شيئاً عن خطة الحكومة للتنمية خلال السنوات الخمس القادمة في إطار رؤية الرئيس السيسي لها، و في إطار استراتيجيته للاستفادة من خبرات العلماء الذين اجتمع بهم منذ فترة و طلب مساعدتهم في رسم مستقبل مصر ؟!
.. هل تعلم إلام انتهى الجدل حول تنفيذ منظومة إصلاحات الأجور و إعادة هيكلة النظام الإداري للدولة ؟!
.. هل تعلم كيف سيتم توزيع الموارد التي تم ضخها في الموازنة العامة نتيجة رفع أسعار الوقود في الشهور القليلة الماضية و تحملت أنت أعباءه، بينما بقي كبار المستثمرين يستمتعون بكل مميزات دعم الطاقة ليبيعوا منتجاتهم لك في النهاية بالسعر العالمي؟!
.. هل تعلم إلام انتهت جهود إعادة مليارات الدولارات التي تم تهريبها للخارج إبان فترة حكم انظام السابق و يمكنها ان تسهم بشكل كبير في سد عجز الموازنة؟!
.. هل تعلم لماذا، وبالرغم من تأكيدات السيسي أن المنصب سيكون للكفاءات فقط و أن من سيخطئ سيتم استبعاده، بقي وزيرا الداخلية و الكهرباء في منصبيهما بالرغم من كل تلك التفجيرات التي طالت المنشآت الأكثر تأميناً في مصر، و كل تلك الاغتيالات التي قتلت الضباط الأكثر أهمية في قضايا التخابر و قتل المتظاهرين، و كل ذلك الظلام الذي غلف مصر طوال الشهور الماضية؟!


فقط حين تجد إجاباتٍ تقبلها أنت قبل غيرك لكل هذه الأسئلة، سيمكنك أن تقنع ابنك أن يكف عن متابعة العصفورة، و أن يدخل من البلكونة و "يشوف المذاكرة اللي وراه" ليتفرغ لبناء مصر المستقبل.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز