عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصــــر .. بين "الحداد" و "التحدي"

مصــــر .. بين "الحداد" و "التحدي"

بقلم : إيهاب الشيمي

عقب الهجوم الجبان على جنودنا في العريش، خرجت علينا تلك المذيعة الحسناء التي اتشحت بالسواد بالرغم من اطنان الاون الزاهية التي تغطي وجهها، لتعلن أن مصر كلها اليوم في "حداد"، و ليعلن ضيفها "الخبير العسكري" في ثباتٍ و صرامة جرم من ارتكبوا تلك الفعلة الشنعاء قائلاً: " يا جماعة مصر مستهدفة .. إحنا في حالة حرب و لازم الكل يقف مع الجيش " !!!



 
لا أدري متى عاد ذلك الخبير و أشباهه من أدغال الساحل الإفريقي الغربي  ليكتشف فجاة و على الهواء حقيقة ما يحدث في مصر طوال العام الماضي منذ إطاحة الشعب المصري، مدعوماً بدرعه الحصين المتمثل في قواته المسلحة، بنظام "جماعة الإخوان المسلمين" و ممثلهم في قصر الاتحادية!  و لا أعلم من الذي منح هذه الفضائيات و من يديرونها الحق في إطلاق صفة "الخبير العسكري"  على كل من يستضيفونه من حاملي الرتب العسكرية السابقين، فيما يتشابه و بشكل كبير مع مصيبة إطلاق صفة "الشيخ" على كل من ارتدى "الجبة و القفطان"، أو لفظة "الداعية" على كل من تحدث في الشرع بكلام معسول يجتذب اكبر عدد من المشاهدين اكثر مما يوضح الفارق بين الحق و الباطل.
 
لقد انخرط الإعلام المصري عقب الحادث، و كما هي عادته في حوادث سابقة، في العمل على ثلاثة محاور:
أولها، هو محاولة الجميع نشرأية معلومة عن الحادث دون التأكد من صحتها، بل و من مدى خطر نشرها على الأمن القومي و أمن الموجودين بموقع الحادث، فالمهم هو السبق الصحفي و ليذهب كل ما سواه إلى الجحيم.
 
و ثانيها، و هو التباري في الوصول لأهالي الضحايا، و اقتحام خصوصيتهم، و استغلال مشاهد نحيبهم، أو عمق صمتهم اللانهائي من هول الصدمة، في إخراج تقرير مصور تتهادى في خلفيته تلك الموسيقى الحزينة في محاولة رخيصة لاجتذاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين واستغلال تعاطفهم، و غضبهم، و حزنهم، و لا مانع من وضع تلك الشريطة السوداء أعلى يسار الشاشة لتأكيد احترام قرار الرئيس بإعلان "الحداد الرسمي" ، بينما يتبع ذلك التقرير و على نفس القناة برنامج غنائي رقيع لاختيار أفضل الأصوات الشابة.
 
و المحور الثالث، و هو الأخطر في نظري، وهو محاولة إلقاء اللائمة في سقوط الشهداء و الضحايا الواحد تلو الآخر على أعداء الوطن، و جماعات الإرهاب التكفيرية، و القوى الخارجية كما فعل ذلك "الخبير العسكري" المزعوم في بداية حديثه، دون تحليل واقعي لمدى مسئوليتنا نحن عما حدث، و مدى استيعابنا لأخطاء الماضي.
و دعني أوفر عليك الكثير من الوقت عزيزي القارئ بأن أسألك إذا كنت ممن يحصرون حب الوطن و الإخلاص له، و احترام قواتنا المسلحة، و تقديس دماء شهداءنا، في تأييد كل ما يصدر من قرارات، أو الموافقة على كل ما يروج له من تبريرات عقب كل حادث إرهابي غادر ضد المدنيين، أو ضد رجال الجيش المصري العظيم؟ فلو كنت من هؤلاء، فلا داعي بك لإكمال السطور التالية، فهي على الأرجح لن تنال رضاك!
 
فبالرغم من كل ذلك الألم الذي يعتصر قلبي على كل روح فقدناها في ذلك الحادث الإرهابي، و تلك الدموع التي احتبست داخل عيني كلما تخيلت انكسار قلوب أمهات، و زوجات، و أبناء، و محبوبات الضحايا، إلا أنني أجد في الوقت ذاته الكثير من الغضب الجامح بداخلي لتكرار هذه العمليات دون تغيير واضح في استراتيجيات التعامل و الاستجابة، و تقنيات و أساليب جمع المعلومات المتعلقة بمثل تلك العمليات قبل و بعد حدوثها، بل و وسائل تأمين طرق انتقال القوات و أماكن تمركزها.
 
فلو أنكم راجعتم معي سيناريو الحادث فستجدون أن السيارة المفخخة عبرت الحواجز مرورا إلى نقطة المراقبة العسكرية المستهدفة دون أن يتم الكشف عن ما يقرب من الطن من المواد الشديدة الانفجار بها لتنفجر في النهاية في القوات المتمركزة بنقطة "كرم القواديس"، و ما يزيد الأمر غرابة، هو أن نفس ذلك الطريق المفترض أنه مؤمن بشكل كبير، تم تلغيمه بحيث تم تفجير المدرعات التي هرعت خلاله لإنقاذ الضحايا، و ما زاد الطين بلة، أنه و بعد كل ذلك تحركت سيارات الاسعاف لإجلاء المصابين، فتم استهدافها بالقذائف الصاروخية و القنابل التي تم تفجيرها عن بعد و التي تم زرعها غلى نفس الطرق المؤدية لموقع الحادث.
بالتأكيد يمكنك من هذا السرد للأحداث أن تدرك أنها لم تتم خلال لحظات أو ثوانٍٍ باغتت الجميع، بل خلال فترة زمنية طويلة غابت خلالها، على قدر رؤيتي المتواضعة، أسس الاستجابة السليمة، و عناصر التأمين الجوي للقوات المساندة، و سادت فيها الفوضى موقع الحادث مما زاد من أعداد الضحايا.
 
و لا أخفيكم سراً، أن نفس ذلك الغضب ينتابني كلما تم زرع عبوات ناسفة داخل المناطق المأهولة في القاهرة و المدن الكبرى، لنكتشف بعدها أن تلك العمليات لم يتم رصدها على الإطلاق بأي وسيلة، أو أي نظام مراقبة تليفزيونية، و هو ما تم تكراره في العديد من الانفجارات التي طالت أماكن حيوية و شديدة الحساسية مثل قصر الاتحادية، و وزارة الخارجية، و مديريتي الأمن بالقاهرة و الدقهلية، و أخيراً تكرار تفجير ميدان النهضة أمام جامعة القاهرة في أماكن تمركز قوات تأمين المنطقة بنفس الكيفية التي تم بها من قبل، و كأننا لا نتعلم من أخطائنا، فلا كاميرات يتم تثبيتها و ربطها مركزيا بغرفة عمليات خاصة، و لا دوريات للكلاب المدربة على كشف  المتفجرات تجوب محيط المباني الحيوية، و لا دوريات راجلة تتحرى وجود أي أجسام غريبة أو عبوات مشبوهة! هناك فقط و في كل الحوادث ذلك الفكر التقليدي الذي يعتمد على وضع حواجز طرق عقيمة، و قوات و ضباط داخل سياراتهم كالطيور المقيدة التي تنتظر من يقتنصها!
 
قد أبدو لكم متحاملاً على من يتولون زمام الأمور هنا، و لكني لا أرى نفسي بهذا المنظور، فحقيقة وجود تهديدات مستمرة من ميليشيات حماس الإخوانية في الشرق، و من نظام البشير الإخواني أيضاً في الجنوب و الذي يخرج علينا بين الفينة و الأخرى بمزاعم تبعية حلايب و شلاتين إليه، و وجود كل تلك الترسانة الضخمة من الأسلحة في أيادي ميليشيات فجر ليبيا و مجلس شورى ثوار بنغازي الموالي لتنظيم الإخوان أيضاً في الغرب، و وجود المؤيدين لإرهاب الإخوان المسلمين و شرعيتهم المزعومة في الداخل المصري، عمداً أو جهلاً أو عمالة، كل ذلك لا يؤكد إلا حقيقة واحدة، و هي أن مصر تواجه حرباً شرسة على كافة الجبهات تقتضي أن يكون من في موقع المسئولية على قدر التحديات المطروحة، و أن تكون الخطط الموضوعة، و التقنيات المستخدمة وسائل لمنع حدوث الكارثة، و ليس لتتبع خيوطها بعد أن تصيب الجميع.
 
لقد وضعت ثقتي في الرئيس السيسي حين دخلت إلى لجنة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية، ليس لتوهمي أنه يحمل عصا سحرية يستطيع بها ان يحل كل مشاكلنا في طرفة عين كما قد يتصور البعض، و ليس لأنه وضع روحه على كفه حين أخذ على عاتقه تخليص مصر من الفاشية و العمالة، فهذا عهدنا دائماً برجال القوات المسلحة المخلصين الأوفياء، و لكن لثقتي التي لا تتزعزع في أنه خير من يدرك حجم التهديدات المحيطة، و خير من يعي خطورة انهيار جبهة من جبهات المواجهة قد تجر معها جبهات أخرى، و خير من يستطيع إدارة المعركة المخابراتية و العسكرية في الداخل و الخارج.
 
لن تستطيع مصر الانتصار في حربها ضد الإرهاب، و لن تستطيع التقد خطوة واحدة نحو الاستقرار المنشود طالما ألقينا باللائمة على الأعداء، دون أن نمتلك الشجاعة لمواجهة أنفسنا بأخطائنا، و أن نضع ايدينا على نقاط ضعفنا أولاً.
فإما أن يكون قادة الجهات الأمنية و السيادية على مستوى الوعود التي قطعها الرئيس على نفسه، و على قدر المسئولية التي ألقاها على عاتقهم، أو أن يستبدلهم بمن يستطيعون طرح أفكار جديدة، و رؤى سليمة تنتقل معها مصر من مرحلة الحداد على أرواح أبنائها، إلى مرحلة تحديها لكل اعدائها في الداخل و الخارج أن تسول لهم أنفسهم أن يقوضوا أمنها، أو يعطلوا مسيرة تقدمها إلى مستقبل اكثر إشراقاً لكل أبنائها.
 
رحم الله شهداء الوطن، و حفظ من يسهرون منهم على أمنه و استقراره، و منحنا جميعا القدرة على منح مصر ما تستحقه من جهد، و عرق، و إيمان بقيمتها و قدرها بين الأمم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز