عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الأنفاق .. منجم الماس لمرتزقة حماس

الأنفاق .. منجم الماس لمرتزقة حماس

بقلم : إيهاب الشيمي

"أحـــرَامٌ على بَلابِلِهِ الدَّوْحُ ... حلالٌ للطَّيْرِ مِنْ كُلِّ جِــنْسِ ؟"



 

أبيات رائعة للعظيم "أحمد بك شوقي" جالت بخاطري حين كنت أتابع  في دهشة شديدة كل ذلك الهجوم على قرار مصر بانتشار الجيش لتدمير الأنفاق المنتشرة بطول الشريط الحدودي في رفح، و إقامة منطقة حدودية  عازلة و نقل كل من يسكن داخلها إلى ما وراء خط الخمسمائة متر من خط الحدود الدولية، و هي المسافة التي حددتها القوات المسلحة كعمق مناسب لهذه المنطقة لمنع اختراق الحدود عبر تلك الأنفاق، و ما يشكله من تهديد غير مسبوق للأمن القومي المصري.

 

و لم تكن دهشتي بدافع إنكاري على من يهاجموننا أن يتخذوا ذلك الموقف، بينما سيناء أرض مصرية خالصة، لا شأن لكائن من كان أن يملي علينا ما يجب أن نفعله بها من عدمه، و لكن كانت دهشتي  نتيجة ازدواجية مواقف هؤلاء أنفسهم و التي اختلفت تمام الاختلاف خلال أقل من عامين تجاه نفس القضية، و حيلا نفس الإجراءات!

 

ففي أغسطس من عام 2012، و عقب مرور أقل من شهرين على تولي محمد مرسي مقاليد الحكم في مصر، تم اغتيال ستة عشر جندياً من القوات المسلحة بدم بارد أثناء تناولهم الافطار في أحد أيام رمضان و خلال خدمتهم بأحد المواقع الحدودية في رفح، و إثر ذلك الحادث قامت قواتنا المسلحة بأكبر عملية انتشار في سيناء منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد بحثاً عن الجناة، و تصفية لبؤر الإرهاب، و تنفيذاً لاستراتيجية تهدف لرصد و تتبع و تدمير الأنفاق المنتشرة بطول الحدود مع غزة، و التي بلغ عددها في حينه، طبقا لتصريحات المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، ما يزيد على مائتي نفق.

 

و أستطيع و بسهولة شديدة استدعاء مشاهد و عناوين الأخبار في قناة الجزيرة حينها، و التي حرصت على إذاعة البيانات الصحفية للمتحدث العسكري على الهواء مباشرة، مصحوبة بتعليق القناة أن ما يحدث في سيناء من انتشار لقوات الجيش المصري ليس خرقاً للاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، بل هو بالتنسيق الكامل معها، و في إطار التأكيد على احترام النظام الجديد في مصر للاتفاقيات المبرمة معها!

و أستطيع كذلك تذكر ما خلص إليه محللي القناة من أن ما يحدث من تدمير للمنازل التي تم الكشف عن وجود فتحات أنفاق بها هو لتحييد خطر تهريب الأسلحة و السلع بين غزة و سيناء، و هو ما يعد تمهيداً لبدء اكبر عملية تنموية في سيناء في عهد مرسي، و ما سيمهد كذلك لانشاء منطقة تجارة حرة بين سيناء و غزة تضمن القضاء نهائياً على الأنفاق، و تعمل على تسهيل حركة السلع و المواد البترولية بصورة قانونية بين القطاع و سيناء.

 

و في ظل الازدواجية المعهودة و الانحطاط الأخلاقي و المهني لمثل هذه القنوات، فلن تجد عزيزي القارئ، أية صعوبة في فهم لماذا تبدل الحال بصورة جذرية الآن، و كيف أصبحت نفس الإجراءات التي يتخذها الجيش الآن خيانة عظمى للقضية الفلسطينية، و حصار خسيس لإخوتنا في غزة، و عمالة للصهيونية العالمية ضد المقاومة الوطنية المتمثلة في حركة حماس، بينما كانت في الماضي دليلاً على احترام أنظمة حكم الإسلام السياسي لتعهدات الدولة المدنية، و بداية لتنمية حقيقة في سيناء التي طالما عانت من التجاهل و الإقصاء!

 

و لكن ما ستواجه الكثير من الصعوبات في فهمه، هو لماذا تثور ثائرة هؤلاء  و قنواتهم و يخرج علينا قادتهم بالبيانات الحادة، كلما اقترنت الإجراءات المصرية بأي تحرك نحو الأنفاق، بينما يكون الهجوم أقل حدة، و أكثر دبلوماسية، و أكثر ميلاً نحو تحريك الشارع و ليس الإعلام و البيانات الرسمية إذا اقترن بإغلاق المعبر فقط كما حدث في اقتحام المعبر بأكثر من نصف مليون فلسطيني في عام 2008!

 

و لكي تقترب قليلاً من المشهد فعلينا ان نعود إلى فترة الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة عقب انقلاب حماس على سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية، ففي هذه الفترة و التي استمرت ما يقرب من الخمس سنوات و تخللها العديد من الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع، استغل قادة حماس الموقف تحت ستار مقاومة الاحتلال لإنشاء أكبر شبكة للتهريب عبر الأنفاق بين الأراضي المصرية و قطاع غزة، و هو ما فسروه حينها بأنه جاء تلبية لاحتياجات المقاومة و متطلبات أهالي القطاع من المواد التموينية و السلع و مواد البناء التي لم يعد بالإمكان مرورها من خلال المعابر مع إسرائيل.

 

و هنا يجب أن الفت انتباهك أن ذلك الادعاء قد يبدو منطقياً للوهلة الأولى، و لكنك تكتشف حين تدقق في الأمر أنه ليس صحيحاً لأن الاتفاق المبرم بين السلطة الفلسطينية و إسرائيل بإشراف الأمم المتحدة في عام 2005 يشمل خططاً لإقامة تجارة رسمية من خلال معبر رفح و هو ما جمدته حماس بعد سيطرتها على القطاع. فلماذا تلجأ الحركة لتشغيل المعبر طبقاً للاتفاق الدولي، و تحصل رسوماً جمركية بصورة رسمية يمكن تتبعها و حصرها، و معرفة قيمتها بدقة، و تتبع أوجه إنفاقها، بينما تدر الأتفاق دخلاً  قد يكون  أقل بكثير و لكنه يتوجه بالكامل لخزائن قادة الحركة، و يتم توزيعه بالصورة التي تضمن تسليح ميليشياتهم، و دفع المرتبات لمناصريهم، دون اعتبار لمعاناة سكان القطاع؟

 

و تنفيذاً لخططهم تلك، استطاع قادة حماس تكوين ثروات هائلة من تشغيل هذه الأنفاق و إدارتها تحت ستار المقاومة و بمباركة شيوخ الفتنة الذين تعرفونهم جميعاً، و برعاية الخطاب الإعلامي لقنوات العهر التابعة للأنظمة التي تمول الحركة و تستخدمها كرأس حربة لتنفيذ مخططاتها ضد الشعب المصري و شعوب المنطقة كافة، و يكفي أن تعرف أنه طبقاً لدراسات معتمدة قام بها باحثين متخصصين و تم نشرها في صحف مستقلة مشهود بمهنيتها مثل الشرق الأوسط و الحياة اللندنية، و طبقاً لدراسة اجرتها صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية، و تأكيد الرئيس الفلسطيني نفسه للأمر، فإن عدد المليونيرات من كوادر حماس بلغ ما يزيد عن 2500 شخصاً داخل قطاع غزة وحده، في مجتمع لا يزيد تعداد سكانه عن المليونين و نصف المليون شخص يرزحون جميعاً تحت خط الفقر و الألم و المعاناة من الاعتداءات الإسرائيلية التي تأتي دائما رداً على استفزازت غير محسوبة من تجار المقاومة الآخذين بدفة النضال المزعوم.

 

و للتعمية على مصادر تمويلهم و لتسهيل عملية غسيل الأموال المرتبطة بإيجار الأنفاق و تحصيل الحركة لما يقارب نسبة 20% من قيمة كل ما يعبر من خلالها، قام هؤلاء  بافتتاح و تشغيل المراكز التجارية ، والاستراحات السياحية و المدن الترفيهية التي استغلوها كستار لتجارة العملة و المعادن النفيسة، و ما صاحب ذلك من مضاربة بأسعار الأراضي و العمارات السكنية في متاجرة صريحة بمعانة و مقدرات سكان القطاع، بل و ما يتعدى ذلك لدرجة انشاء مزارع للدواجن و الماشية و الخضروات تعمل على تزويد المشاريع الإسرائيلية السياحية، و المستوطنات في جنوب إسرائيل باحتياجاتها.

 

و لكي يمكن تخيل حجم عائد قادة الحركة و عائلاتهم من تجارة الأنفاق وحدها دون عائد المشروعات السابق ذكرها، فلك أن تعرف أن البيانات الرسمية الصادرة من مؤسسات الإغاثة و التنمية في القطاع قدرت ذلك العائد بمبلغ مليار دولار تقريبا في عام 2012 وحده، تضاعفت فيما بعد نتيجة التغير النوعي لما يتم تهريبه و تحوله من مجرد سلع تموينية و مواد بناء و سجائر يتم بيعها بأضعاف ثمنها الحقيقي، إلى مواد بترولية و وقود تحتاجه المصانع و قوارب الصيد في غزة، و سيارات مهربة و تجارة سلاح و ذخائر تخدم الجماعات التكفيرية في سيناء.

 

و هنا قد يتبادر إلى ذهنك سؤال آخر منطقي، و هو لماذا إذن كل ذلك الصراخ و المطالبة بفتح معبر رفح طالما تدر الأنفاق كل ذلك المال؟ و الإجابة بكل بساطة أن ذلك يخدم أهدافاً أخرى سياسية، فإظهار معبر رفح على الدوام أنه أساس المعاناة الفلسطينية، يمنح حماس صورة الضحية التي لا تقاوم الاحتلال فقط، بل تقاوم كذلك الأنظمة العربية المتحالفة مع الصهيونية العالمية التي تحاصر الفلسطينيين و تخنق جهود المقاومة، و ترسخ لتهويد القدس و احتلال الأقصى، و هو بالطبع ما يكسبها الكثير من الشعبية و التعاطف لدى الكثير من أبناء الشعوب العربية الذين انخدعوا بالشعارات و التحليلات الواهية للفضائيات العميلة، و الصحف المأجورة، و الفتاوى المشبوهة.

 كما أن فتح المعبر سيخدم هدفاً آخر اكثر فائدة، و هو عبور المواد التي لا تدر دخلاً يرضي من يديرون الأنفاق مثل الدقيق و الأرز و المواد الغذائية التي تنخفض عمولة مرورها و نسبة تحصيل الرسوم عليها مقارنة بوزنها الكبير و صعوبة تحميلها و نقلها عبر الأنفاق و منها إلى الأسواق. كما أن فتح المعبر للتجارة الرسمية لمثل هذه السلع سيعمل على جعل حماس أكثر استقلالية و أقل حاجة للمعابر التي تربطها بإسرائيل، و بالتالي أقل حاجة للتنسيق مع السلطة الفلسطينية برئاسة "فتح" التي تتولى مفاوضات إدارة هذه المعابر مع إسرائيل، و هو ما سيعمل على تحقيق هدفهم الأسمى بالانفصال الكامل بغزة تحت سيطرتهم دون تهديد تشكيل السلطة لحكومة لا تضمهم، و ضمان تدفق أموال إعادة الإعمار، التي يتلقونها عقب كل مغامرة صاروخية خرقاء مع إسرائيل، إلى خزائنهم فقط دون غيرهم.

 

ما أود أن أؤكد عليه هنا في النهاية، هو أن المعارضين لهدم الأنفاق و خطة إقامة المنطقة العازلة ليسوا حماس وحدهم، فهناك من المصريين من خان الوطن كذلك و وجب عقابه جزاء تعامله مع هؤلاء و استباحته دماء جنود مصر الشرفاء مقابل بضعة ملايين يتلقاها من هؤلاء نظير توفير فتحة للأنفاق في منزله بل و أحياناً داخل غرفة نومه، كما أن هناك من المنظمات المشبوهة و التي لا تسعى إلا إلى ضمان استمرار تمويل الجهات المانحة لها، من يعارض التحرك المصري بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان و حقوق المواطنة، فيخلطون عمداً بين "الإخلاء القسري" الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بإخراجهم من ديارهم و منحها للمستوطنين اليهود، و بين "إعادة التوطين"، أو ما يعرف اصطلاحاً "بالتهجير الداخلي" الذي يهدف لضمان سلامة و أمن الوطن و المواطنين مع تعويضهم التعويض المناسب كما حدث من قبل في النوبة، و ما تلاه في مدن القنال أثناء الحرب مع إسرائيل، و كما يحدث الآن في رفح في إطار الحرب على الإرهاب. و لهؤلاء أقول انكم لا تقلون خسةً عن المتاجرين بشعارات المقاومة المزعومة، فكما تاجروا هم بدماء و معاناة شعوبهم، فإنكم تتاجرون بمبادئ الثورة، و بمبادئ الحرية الشخصية، و شعارات احترام حقوق الانسان، لتسهلوا استباحة الغير لدماء جنودنا، و حرمة اراضينا، و حق كل مصري في العيش الآمن و الكريم.

 

حمى الله مصر و شعبها ..

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز