عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أنا مش إخوان !

أنا مش إخوان !

بقلم : إيهاب الشيمي
تلقيت مكالمة هاتفية من خدمة العملاء بإحدى شركات التأمين تخبرني فيها بقدوم مندوبهم لمقر عملي لمعاينة سيارتي التي أردت التأمين عليها.
 
في الوقت المحدد نزلت لاستقبال ذلك المندوب .. رجل في أواخر العقد السادس من العمر .. متوسط الطول .. قمحي اللون .. ممتلئ القوام و له "كرش" لا يمكن إغفاله.. ذو لحية طويلة و يرتدي بنطال قصير بعض الشئ.
 
و ما أن رأيته حتى بدأت معه الحديث مازحاً بقولي: "عايزين نأمن على العربية يا مولانا قبل ما تتسرق زي الإخوان ما كانوا عايزين يسرقوا البلد"
 
و حينها تحولت ملامحه لتعبر عن الدهشة و الأسى في آن واحد، و سألني في استهجان: "الإخوان !!!"
 
فأجبته أنا بسؤال آخر أردت به استفزاز المزيد من مشاعره : " و هل أنت منهم؟"
 
فأجاب بسرعة و ارتباك واضحين: " لا ..لا..أنا لست إخوانياً" و لكنه سرعان ما أكمل إجابته بقوله: "و لكني كنت أتمنى أن أكون كذلك"!
 
و عندها سألته في دهشة شديدة: "و لماذا تتمنى ذلك يا رجل؟"
 
فبادرني بالرد قائلاً: "و كيف لا أفعل و هم يريدون إعلاء كلمة الله و إقامة شريعته و حدوده و لم شمل جماعة المسلمين؟"
 
لم أستطع تمالك أعصابي في هذه اللحظة، و لم يجد عقلي أية صعوبة في استدعاء مشاعر الغضب تجاه الأكاذيب التي يروجها هؤلاء و الإقصاء الذي يمارسونه ضد كل من يعارض فكرهم، و لم أجد نفسي إلا و قد سألته في غضب شديد: "و لكن الله لن يسألك عن عضوية الجماعة حين تقف أمامه للحساب ..و لن يعاقب عشرات الملايين من المسلمين خارج مصر بالخلود في الجحيم لأنهم لا يعرفون البنا و قطب و بديع و جماعتهم ممن حصروا الدين في أنفسهم فقط، المهم أن يؤدي الواحد منا ما عليه تجاه الله و تجاه أمته دون انتماء لجماعة بعينها"
 
و يبدو أن الرجل قد اشتم رائحة استشاطة أعصابي، فقرر، كعادة من هم على شاكلته، أن يتلذذ بذلك، فسألني بخبث شديد: "و ما الذي يجعلك تنتقدهم بهذا الشكل اللاذع يا سيدي، أو لست مؤمناً موحداً؟"
 
و هنا تنبهت أنا لحيلة الرجل التي يمارسونها جميعاً حين يتعلق الأمر بنقد فكرهم، فهم يجرون من يناقشهم إلى زاوية لا تجد فيها من مفر إلا الإذعان بصحيح توجههم، أو أن يتم اتهامك بمعاداة الدين، و الرغبة في تغليب مفاهيم الانحلال الأخلاقي.
 
تمالكت أعصابي من جديد و أجبته: " نعم..أنا مؤمن موحد، و لكني لا أستطيع إلا أن امقت رفضهم للآخر و حصرهم صحيح الدين و تمام الإيمان فيمن ينتمي إليهم دون غيرهم"
 
و حينها علت وجه الرجل تلك الابتسامة البلهاء التي يتميز بها قيادات الجماعة في كل حواراتهم، و قال و هو يتظاهر بالانهماك في معاينة السيارة دون النظر إلي: "هذا رأي و تحليل يجانبه الصواب يا سيدي، فهم لا ينفون صحيح الإيمان عن الفصائل الأخرى كما تدعي"
 
فقلت له : " و ما قولك لو أني من السلفيين أو حتى من الوسطيين الذين لا ينتمون لهذا أو ذاك و لكني أواظب على فروض ديني و طاعة ربي دون الانخراط في جماعتهم؟"
 
قال: "يا سيدي .. أهل السنة كلهم سلفيون، أما إن كنت تقصد من يصفون  أنفسهم بالسلفية في مصر من أعضاء حزب النور الذين ناصروا الإنقلاب على الرئيس مرسي، فهؤلاء ليسوا بسلفيين، بل هم حلفاء اليهود الذين اخترقوا المسلمين و دسهم أمن الدولة و عملاء النظام تحت غطاء اللحى و علامات الصلاة و حلو الكلام و جودة المنطق ليفرقوا المسلمين الى شيع و يصرفوا الناس عن دعوة الشيخ البنا رحمه الله " !!
 
قلت : " إذا كان هذا رأيك في السلفيين و الوسطيين، فما هو قولك فيمن هم دون هؤلاء و هؤلاء من المصريين؟"
 
قال : "هو إما علماني أو ليبرالي، مصيره إلى النار و العياذ بالله مع الشيعة و الرافضة و النصرانيين حلفاء الانجليز"
 
و حينها سألت الرجل في استغراب شديد: " الانجليز .. و ما دخل الانجليز فيما يحدث الآن في مصر؟!!"  
 
فقال متهكماً: " يبدو أنك لا تعلم الكثير من الأشياء يا سيدي.. ألم يكن الانجليز هم من اتفقوا مع الملك فاروق لقتل الشيخ البنا بعد أن توجه ليطلب منه تطبيق الشريعة وسط خمسة ملايين مصري مسلم وقفوا ساعتها في تظاهرة حاشدة أمام القصر؟ "
 
و في تلك اللحظة أعجبني ذلك الالتزام الملفت للنظر من الرجل بتعليمات الاشتباك المنطقي التي يلقنونها لهم، فلقد تحول بي فجأة من نقاش حول الوضع الراهن، و عاد بي ما يزيد على النصف قرن من الزمان، إلى نقطة يعلم أن غالبية المصريين ستفشل في نقاشه فيها لضحالة معلوماتهم عن تلك الفترة.
 
و لكن يبدو أن خطته فشلت حين بادرته بالسؤال قائلاً: "أو لم يكن أمير المؤمنين الملك فاروق، كما كان يسميه إمامكم حسن البنا، مجبراً على الامساك بالعصا من المنتصف، خاصة و هو يرزح تحت سلطة الاحتلال الانجليزي كما تقول، فكيف يطبق الشريعة ؟"
 
فرد بنفس الابتسامة البلهاء: " الضرورات الدنيوية لا تبيح المحظورات الشرعية يا سيدي"
 
و كانت إجابته تلك هي كلمة السرللبدء في تنفيذ الخطة المضادة الخاصة بي، فرددت عليه قائلاً:
 
"يبدو يا شيخنا أننا لن نتفق .. لنكتفي بالمعاينة و لتخبرني بميعاد إصدار الوثيقة و ليسامح الله كل منا على ما نرتكبه من معصية"
 
قال : "أية معصية تلك التي نرتكبها يا أخي لا سمح الله؟"
 
فقلت له: " أو ليس التأمين حراماً؟ .. و أنت من قلت منذ لحظات أن الضرورات الدنيوية لا تبيح المحظورات الشرعية"
 
و حينها اصطبغ وجه الرجل بكل ألوان الطيف، و استغرق الأمر منه بضع لحظات ليستطيع ترتيب الإجابة في ذهنه طبقاً لما تلقاه من تعليمات، ثم رسم تلك الابتسامة البلهاء من جديد و رد قائلاً : " يا سيدي .. هذا من الاضطرار المباح إن شاء الله .. تماماً كقرض صندوق النقد الذي أراد الرئيس مرسي، فك الله أسره، أن يحصل عليه، فهو كإباحة شربك للخمر إذا لم تجد غيره في الصحراء و أنت على حافة الهلاك"
 
كانت إجابة الرجل الأخيرة هي كل ما أريد الحصول عليه لأثبت صدق رؤيتي لإزدواجية هؤلاء و إنهاء الحوار مع الرجل، و لا أشك أن الرجل عاد لرفاقه في هذا اليوم ليحكي لهم عن انتصاره على أحد العلمانيين من مؤيدي الانقلاب، و كيف أنه أقنعني بثلاث حقائق:
 
..أولها: أن الرجل كما قال ليس إخوانياً !
 
..ثانيها:  أن الإخوان كما قال لا ينفون الإيمان عن غيرهم و خاصة السلفيين ! 
 
.. و ثالثها: أن الإخوان كما قال لا يبيحون المحظورات الشرعية من أجل مصالح دنيوية !
 
بقي لي في النهاية سؤال واحد عجزت عن الإجابة عليه، فإن كان ما يقول الرجل صحيحاً و أن البنا توجه لفاروق بصحبة خمسة ملايين مسلم ليطالبه بتطبيق الشريعة، و أن كل شخص من الخمسة ملايين وراءه أسرة مكونة من أربعة افراد فقط، أي أن أتباع البنا في مصر كان يجاوز العشرين مليوناً، فإذا كنا نعلم أن تعداد سكان مصر حينها من أعالي النيل جنوباً في أسوان، و حتى مصب النهر شمالاً في البحر المتوسط ، كان لا يتجاوز الإثنا عشر مليوناً، فمن أين أتى البنا بالثمانية ملايين الإضافية، و السؤال الأهم، لماذا و هو بكل تلك القوة و كل هذا العدد من الرجال، لم يعلن الجهاد ضد الإنجليز في مصر و إعلان دولة الخلافة و إقامة الشريعة كما يدعي، و اكتفت جماعته بقتل المصريين بتفجير دور السينما و المحاكم ؟
 
إذا أردت أن تعرف إجابة السؤال، فليس عليك إلا أن تتصل بشركة التأمين و تطلب معاينة سيارتك.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز