عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مصر ستنتصر

مصر ستنتصر

بقلم : إيهاب الشيمي

على مدى ستة عقود مما يفترض أنه نظام جمهوري تعلو فيه كلمة الشعب لاختيار من يحكمه على النظام الملكي الذي توارثت فيه أسرة محمد علي حكم البلاد، لم يسبق أن ثار مثل هذا الجدل حول هوية من يستحق أن يقبض على عصا قيادة الوطن وسط كل تلك السماوات الملبدة بالغيوم القاتمة التي لا تمثل صواعقها التي تضرب بين الفينة و الأخرى خطراً عليها، بقدر ما تمثله جبال الريبة و الشك و الخوف و انعدام الثقة التي تختفي خلف تلك الغيوم، و التي تهدد حال الارتطام بها بسقوط الجميع في هاوية سحيقة من الانقسام و العنف الذي لن يجد من يواجهه من بديل سوى العودة إلى أساليب القمع و فرض الطوارئ و تقليص الحريات في انتكاسة قد تعود بنا لما هو أسوأ من الأوضاع التي سبقت قيام ثورة الخامس و العشرين من يناير.



 

و لا يسعني هنا أن أستثني أحدا، فالكل مشمول بحالة الجدل و الانقسام في الرأي الذي وصل في بعض الأحيان لاتهام البعض للآخر بخيانة ثورة يناير و مبادئ الديمقراطية بالانقلاب على من يدعون أنه أول رئيس مدني منتخب ، أو بخيانة الوطن و خيار الشعب بالانسحاب من المشهد في الوقت الذي تطلب الأمر بشدة ضرورة تواجدهم فيه عقب ثورة الثلاثين من يونيو، أو بارتفاع البعض الآخر بسقف اتهاماته لكل معارضيه لتشمل خيانة الدين و نصرة أعداء الإسلام و تكفير الأمة لخروجها على ولاية من اعتبروه أميراً للمؤمنين، ليستبيحوا بذلك دماء و أرواح ابنائنا و جنودنا، بل و الدعوة إلى "ثورة إسلامية مسلحة" يوم الثامن و العشرين من نوفمبر القادم و كأن كل من هم دونهم قد أرتدوا عن الإسلام و وجب قتلهم أو استتابتهم بإعلانهم مبايعة خليفتهم المزعوم من جديد.

 

و لا يعنيني على الإطلاق هنا الحديث عن ذلك الصنف الأخير، فلقد اكتشف الجميع وجهه الحقيقي و صارت كيفية التعامل معه و استقراء خطره أكثر وضوحا من ذي قبل، فهم إما مجموعة من المغيبيبن الذين غرر بهم الخطاب الديني التكفيري و فقدوا تماماً المعنى الحقيقي للرسالة العظيمة التي يمثلها الدين الإسلامي من التسامح و حرية الاعتقاد و تقبل الآخر، و إما فئة من الموتورين ممن لا يعنيهم سوى تنفيذ خطط سادتهم و مموليهم للحصول على مكاسب سلطوية و مادية مستترين خلف عباءة الدين و أكذوبة إعلاء كلمة الله.

 

ما يعنيني هنا و بشدة هم أولئك الذين فقدوا صوابهم فلم يعودوا قادرين على التمييز بين مصلحة الوطن و بين مجرد التقيد بشعارات ثورية جوفاء، أو التبعية لأيقونات واهية لم تقدم شيئاً يذكر للمسيرة الوطنية سوى الصمت حين وجب الكلام، أو الصراخ حين انتظرنا منهم الفعل.

هؤلاء ممن يدعون الانتماء لتيارات ثورية مستقلة، أو ليبرالية، أو يسارية اشتراكية، أو لمنظمات حقوقية، ممن يمزجون السم بالعسل فيروجون لفكرة أنه من الصواب لاستكمال مسيرة الشعب المصري في يناير و يونيو و منح الشعب المزيد من الحريات المنصوص عليها في الدستور، أن ينضم الجميع لدعوات التظاهر يوم الثامن و العشرين من نوفمبر، متجاهلين بذلك عمداً أن من دعا لهذه التظاهرات هو من نعلم يقيناً عدم إيمانه بالأساس بتلك الحريات التي خرجنا من اجلها في يناير و يونيو، و من لا يعنيه على الإطلاق من منظومة التغيير سوى اعتلاء كرسي السلطة حتى و إن كان الطريق إليه مخضباً بدماء ملايين المصريين من معارضيه!

 

و لكل هؤلاء، ممن ظننت في إحدى مراحل العمل الوطني و الثوري أنهم يشاركونني إيماني بأن "وطناً بلا ثورة أفضل من ثورة بلا وطن"، و من ظننت أنهم يشاركونني يقيني بضرورة تقديم مصلحة الوطن و وحدته على تحقيق أهداف الثورة و لو بشكل مؤقت، و إلى كل من ذابت عنده الحدود بين الحق و الباطل، و بين الأبيض و الأسود، و تلبدت سماء فكره بغيوم الأيديولوجيات الجامدة، أود أن اقول لكم أن ما تدعون إليه هو الفتنة بعينها ..

 

فالموقف الآن ليس موقف من يترك جانب الدولة المدنية بكل تحفظاتكم عليها و كل ما بها من عيوب نعلمها جميعاً و نسعى لانتقادها و تداركها، لتقفوا في صف من تتفق مصالحه مؤقتاً مع مصالحكم بينما ستكونون أنتم أول ضحاياه حين يفلح في مسعاه و اشتعادة فاشيته الدينية..

 

الموقف الآن ليس موقف من يعمل على إظهار مصر أمام العالم و كأنها منقسمة على نفسها ليفتح الباب على مصراعيه من جديد لدعاوى إدماج هؤلاء في السلطة، و ليبرر بذلك كل جرائمهم التي ارتكبوها منذ الإطاحة بهم، و يخون دماء شهداء الاتحادية و رفح و العريش و الفرافرة و مئات آخرين ممن لا يعرفهم إلا أمهاتهم المكلومات على فقدهم ..

 

إن إيماني بيناير التي تدعون امتلاكها، و قناعتي بأنها ثورة الشعب المصري التي انقض عليها الخونة و العملاء، و يقيني بضرورة تحقيق قيم الحرية و المساواة و إقامة دولة القانون، لن يغير هدفي الأول و الأعظم أهمية في أن تظل مصر وطناً موحداً قوياً، و هو ما يتطلب في هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن وجود الاصطفاف الشعبي اللازم من مؤيدين و معارضين خلف قيادة تمتلك القدرة على تحييد خطر المخططات الخارجية، و القدرة على التحكم في موارد و أجهزة الدولة للاستجابة لمتطلبات التصدي للتهديدات الداخلية و كبح جماح من سولت لهم أنفسهم استباحة الدماء و الأعراض و الحرمات و الدعوة للثورة المسلحة المزعومة.

 

قد يتوهم البعض أني، و من يتوافقون مع رؤيتي للأمور، نعطي بذلك الضوء الأخضر لمن تولى مقاليد الحكم ليتخذ ما يسوله له هواه من إجراءات ضد الجميع بما فيهم المعارضة الوطنية المخلصة بحجة حماية الوطن، و لكني أؤكد لهؤلاء أن الشعب المصري و إن كان من بينه من أدمنوا تأليه الحاكم، إلا أن الغالبية منه صارت تمتلك اليقظة الكافية للحيلولة دون حدوث ذلك مرة اخرى، و أن هناك منه من لديهم الإصرار لمواصلة العمل على تنمية الوعي السياسي و الإجتماعي و الثقافي للأمة و تعريف الجميع بحقوقهم التي صوتوا لدستور يمنحهم إياها بدلاً من اللجوء للعنف الذي يدعوه إليهم هؤلاء، و الأهم من ذلك كله و هو ثقتي بأن يناير و يونيو و بالرغم من اتهامات التآمر و دعاوى الانقلاب التي تشوههما، ستظلان و بلا شك نقطة اللا عودة لما قبلهما من قبول الشعب للقمع تحت ستار حفظ الامن، أو تقليص الحريات بدعوى حماية الأمن القومي، أو تخوين المعارضة بحجة الحفاظ على وحدة الكلمة، أو المتاجرة بالدين للوصول للسلطة.

 

و لا يسعني في النهاية إلا أن أذكر كل مصري و مصرية ممن يقتلهم الخوف على مستقبل وطن يحلمون بأن ينهض من جديد، أن التاريخ يؤكد لي أنه مهما كانت التحديات و المصاعب و الآلام، فإن وطنكم هو "مصر"، و مصر دوماً و حتماً ستنتصر.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز