عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
بَلاها برلمان!

بَلاها برلمان!

بقلم : ابراهيم رمضان
الحق إننا لا بد وأن نتجرّع الدواء "المُرّ".. وأن نضحي بالاستحقاق الثالث من خارطة الطريق "انتخاب البرلمان" مؤقتا، من أجل بناء قاعدة تشريعية تفسر بنود دستور 2014، وترسم ملامح الـ50 عاما المقبلة.
 
لكن قبل أن تطلقوا سهام أقلامكم صَوْب طرحي المتواضع، اقرءوا فقط -ولمدة دقائق- بعضا من مبرراتي التي أسوقها لطلب تأجيل انتخاب البرلمان، فقد سبقني في هذا الطرح المستشار نبيل صليب، الرئيس السابق للجنة العليا للانتخابات، في حوار نُشر مؤخرا بجريدة "الوطن المصرية"، ولكن الرجل ساق مبررات صادمة للبعض، وغير منطقية لدى آخرين، إلا أنني بعيدا عن مبررات السيد المستشار؛ فإن لديَّ العديد من المبررات التي تدفعني لِأَن أطالب بتأجيل انتخاب مجلس النواب لمدة لا تقل عن 4 سنوات! 
 
 إذا كانت الحكومة واللجنة التشريعية التابعة لها بما تضمهم من قامات قانونية، احتاجت لـ131 يوما "4 أشهر و9 أيام" للانتهاء من صياغة ملاحظات المحكمة الدستورية على 3 قوانين؛ هي "قانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون تقسيم الدوائر، وقانون مجلس النواب" دون أن تكون هذه القوانين بمنأًى عن الطعن بعدم الدستورية؛ لعدم توافق هذه القوانين مع صحيح بنود الدستور، ومن ثم يصبح البرلمان مهددا بالحل، في أي وقت وتحت أي ظرف، فكيف سيكون حال برلمانٍ غالبية أعضائه منتخبين من غير المتمرسين في الشق القانوني والتشريعي؟! لذا سيصبح هذا البرلمان عائقا في عملية إصدار القوانين المختلفة من الناحية الوقتية، ومن ناحية سلامة ودقة هذه القوانين التي ستصبح محلا للطعن أمام الدستورية .
 
وفي حال انتخاب برلمان -بهذا المستوى- ليست لديه القدرة على سنّ وإصدار القوانين التي نحتاجها، لخلاف في وجهات النظر فيما بين النواب، أو لتعثّر حسم القانون في جلسات التصويت، فسيصبح لدينا برلمان صوري، لا قيمة له، ولا وزن.
 
البرلمان المقبل "إذا قُدِّر له الوجود"، سيأتي مُثقَلا بتركة ثقيلة، فهو مَعنِي بإصدار القوانين المكملة والمفسرة للدستور كافة، والمكون من "247 مادة"، بالإضافة إلى مراجعة وتنقيح القوانين التي أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسي ومن قَبله المستشار عدلي منصور، والتي تفوق الـ300 مرسوم بقانون، بالإضافة إلى القوانين التي سنحتاجها لمواكبة الظروف المستجدّة خلال فترة انعقاد البرلمان، ومن ثم سيصبح الأمر بمنزلة مهمة انتحارية تحتاج لـ3 دورات برلمانية على الأقل، أي 12 عاما!
 
على الجانب الآخر؛ فإن تكلِفة انتخاب البرلمان وتكلفة استمراره لدورة تشريعية كاملة لمدة 4 سنوات، لن تقل -في أقل التقديرات الحسابية- عن 4 مليارات جنيه "تكلفة إجراء العملية الانتخابية 2 مليار جنيه، وتكلفة بدلات ومرتبات أعضاء مجلس الشعب البالغ عددهم 596 عضوا"، في ظل دولة تعاني من عجز في الموازنة يصل لـ251 مليار جنيه بنسبة 8.9% من إجمالي الدخل القومي.
 
ومن الناحية الأمنية؛ فهناك التخوّف الماثل أمامنا من استغلال بعض المأجورين من الجماعات الإرهابية الموتورة لعُرس الانتخابات، لتنفذ بعضا من جرائمها التي تنفذها من وقت لآخر، مستغلةً حالات التشاحن والتنافس في بعض الدوائر المعروفة في الوجهين القبلي والبحري، وانتشار السلاح لدى العائلات الكبرى المعروف عنها وجودها الدائم بالبرلمان، والتكلفة المادية والبشرية التي ستتحملها الدولة جرّاء عملية التأمين المطلوبة، بنشر قوات من الجيش "120 ألف ضابط وجندي في الاستفتاء على الدستور في 2012، و160 ألفا في الاستفتاء على الدستور في 2014".
ولا يعني كل ما سبق من مبررات أن يبقي عبء إصدار التشريعات سلطة مطلقة للرئيس، فالأمر لا يمكن أن يستمر على هذا الحال، ولا بد من وجود بديلين على الأقل؛ الأول هو بديل لتشريعِ وسنِّ القوانين، والبديل الثاني لرقابة أداء الحكومة، ومدى تقديمِها للخدمات المختلفة للمواطنين، حتى لا تتمادَى في إخفاقاتها دون رقيب.
 
ويبقى السؤال المطروح: ما البدائل اللازمة للتشريع والرقابة؟.. وهنا أقول: إن البديل الأول، والمَعنِي بعملية تشريع  وسنّ هذه القوانين، هو مجلس استشاري من 100 عضو يصدر به قرار من رئيس الجمهورية،  على أن يضم أساتذة قانونٍ من مختلف التخصصات، بالإضافة إلى ممثلين عن النقابات، وعدد من القضاة والفقهاء الدستوريين.
 
اختيار مجلس المائة سيتم وفقا لترشيح الجامعات لأساتذة القانون، وترشيح النقابات لممثليها بصفتهم وليس بأشخاصهم، بما يحقق توازنا في هذه اللجنة، بشرط أن يكون العمل بهذه اللجنة عملا تطوّعيا دون أي مقابل مادي.
 
مهمة هذه اللجنة هي إنجاز القوانين المفسرة لمواد القانون، وتأسيس البِنية التشريعية المطلوبة والضامنة لمدنية الدولة خلال الـ50 عاما المقبلة، ومراجعة وتنقيح القوانين كافة، التي عَفَا عليها الزمن، وأصبحت لا تتوافق ومعطيات العصر، ومع التطور الحادث في مجالات الحياة كافة.
ربما يرى البعض أن هذا الطرح منافٍ لقيم الديمقراطية، التي تؤكد مبدأ الفصل بين السلطات، وانتخاب برلمان يمثل الشعب لسن القوانين، بعيدا عن تحكّم السلطة التنفيذية، ولكن كل هذه النماذج في الدول جميعا التي لديها تجارب تدّعي أنها "ديمقراطية" سعت إلى تجاربها الخاصة، فلماذا لا تصبح لدينا تجربتنا الخاصة؟ لماذا لا يصبح لدينا نموذج نطبّقه فيقتدي به الآخرون؟ لماذا نبقى دائما رهنَ تجارب الآخرين وهي في النهاية تجارب لها إيجابياتها وسلبياتها؟!
 
في أعقاب اختيار لجنة المائة وتحديد مَهامها، على الرئيس أن يكلفها بإعداد قانون لانتخاب المجالس الشعبية المحلية، التي تضم 55 ألف عضو بها على مستوى الجمهورية، لتقوم بدورها في الجانبين: توفير الخدمات للمواطنين، ومراقبة الأداء الحكومي، شريطةَ أن يتم منح هذه المجالس صلاحيات أوسع تُتيح لها القيام بالمهام الموكّلة لها، لحين انتخاب مجلس النواب المقبل فورَ انتهاء لجنة المائة من بناء القاعدة التشريعية المطلوبة لمصر.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز