لوتس عبد الكريم
الكوافير
بقلم : لوتس عبد الكريم
مات الفنان علي حسنين ، وهو سكندري مثلي .
ونعته الصحف المصرية والعربية باهتمامٍ بالغ ، فلقد كان معروفًا وشهيرًا ومحبوبًا من الجميع .
ورحيله جعلني أشرد مع الذكريات ، وأتذكَّر علي حسنين الذي عمل مع كبار المخرجين مثل محمد خان وخيري بشارة وداوود عبد السيد في أفلام تُعدُّ علامات بارزة في السينما المصرية مثل : البحث عن سيد مرزوق ، والكيت كات ، والحرِّيف ،وآيس كريم في جليم.
فحين قدمتُ إلى مصر من اليابان ، منذ أعوامٍ بعيدةٍ ، اخترتُ أن أسكن في حي المعادي الهادىء ، في أول عمارة تمليك لصاحبها الفنان حسين صدقي ، وكنت وقتها أعيش في طوكيو ، وأحضر إلى القاهرة من وقتٍ إلى آخر ، إذْ كان زوجي وقتذاك سفيرا لبلده الكويت .
طفقتُ أسير في الشوارع الجميلة المُظللة بالأشجار والرياحين ، أبحثُ عن " كوافير " لأصفِّف شعري لديه ، وعثرتُ عليه في محل صغير بميدان هادىء ، هو الوحيد - تقريبا - آنذاك في المعادي ، وقصدته على الفور ، وصرتُ من رواد محله القليلين ، يصبغ لي شعري باللون الأسود المائل إلى الزرقة الغامقة على الموضة السائدة في تلك الأيام ، ليبرز بياض الوجه ونصاعته ، ثم يُصفِّفه بطريقة فنيةٍ .
وأحببتُ المحل الصغير ، وأصبح علي حسنين «١٩٣٩ ــ ٢٠١٥» الكوافير من أصدقائي ، يقص عليَّ الحكايات والنكات ، ويمزح ويمرح ، بصوته الخاص المميَّز ، وكانت لديه موهبة اكتساب صداقة الجميلات ، ككثيرٍ ممن يعملون في هذه المهنة ، لكنه امتاز بأن الفن كان ينخر في جمجمته ، وكان يعلم أنني كاتبة ، وعلى صلة بالكثيرين من أهل الفن خصوصًا يوسف وهبي ومحمد عبد الوهاب ومحمود مرسي وحسين صدقي وعزت العلايلي ومحمود ياسين ونور الشريف وسناء جميل ، فطلب مني بشدة أن أسهِّل لقاءه بسناء جميل ، لأنه يعشق المسرح ، وأمنيته أن يعمل به ممثلا ، فأنظر إليه متعجبة في شفقةٍ ورثاء ، وأنا أتساءل : كيف يحدث هذا مع شخصٍ متواضع التعليم والعمل ، لكنني أعده وأنصرف ضاحكةً .
وذات يوم زارني في منزلي ، واندفع متلهفا يقول : أريد منك طلبا ، قلت ما هو ؟ قال : تشترين لي بدلة سوداء ، وتعطينني بعض النقود لأشتري ملابس ، لأنني سأعمل في المسرح ، ودهشت وضحكت ، ولكنني أعطيته ما طلب ، وغاب طويلا ، وأغلق المحل ، ثم فجأة كنت أطالع إحدى الصحف ، فقرأت عنوانا " غاب البطل في المسرحية فتألَّق الكوافير " ، فعرفت أنه في إحدى المسرحيات المهمة " الملك هو الملك " ، قد مرض الفنان الذي يقوم بدور البطولة ، ولم يحضر ، فتقدَّم بسرعة علي حسنين ، وكان لا يحفظ دوره فقط بل نص المسرحية كلها عن ظهر قلب ، وأخذ مكانه ، ولعب الدور .
وهكذا تنتصر الموهبة مع الطموح والإرادة ، ويصل الإنسان إلى المستحيل ، ويكون الإصرار والطموح اللذان يدفعان إلى التثقيف والتعلُّم والحضور والمغامرة والجرأة .
لقد تألق علي حسنين في كل ما قام به من أدوار ، وصار شهيرا ، كأنه يسن سنَّةً وهي أن الأشياء الجميلة يمكن أيضا أن تأتي متأخرة ، لكنها ستأتي بالحلم والعزيمة والجلد والبحث والسعي .