عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
قلبى المقسم على الخريطة

قلبى المقسم على الخريطة

بقلم : غادة كريم

عندما نسافر لقضاء أجازة فى بلد جديد، تسكن قلوبنا الفرحة بالهواء المنعش والوجوه الغير مألوفة، ربما نشتهى أصناف الطعام التى لم نجربها من قبل واللغة التى لا نتكلمها، تحاصرنا البهجة من كل الاتجاهات، ونشتاق للعودة بالكثير من الحكايات عن البلد البعيد.



 

لكن هناك بشر تسافر من أجل العمل، التعليم أوالهجرة .. يرحلون عن تلك الارض الملغمة بالتلوث البشرى والفوضى، يبحثون عن الراحة ويتركون لنا الكثير من اللاراحة الممزوجة مع الحنين. أنجبت جدتى خمسة أطفال، رحل منهم مبكرا فى سن الثالثة صبى إلى السماء، أولى صفعات الرحيل !! ..

 

ثم رحل جدى تاركا جدتى فى العشرينات من العمر وأربعة اطفال وحدها، وكانت شجاعة فى مواجهة الدنيا وأحسنت تربيتهم جميعا، تزوجت خالتى وسافرت منذ زمن، ثم سافر خالى الاكبرمن أجل الدراسة وأستقر هناك واخيرا سافر خالى الاصغرأيضا، ثلاثة من أولادها يعيشون فى ثلاثة بلاد مختلفة ولم تبقى هنا الا أمى، أسخر كثيرا ممن ينجبون المزيد من الأطفال من أجل العزوة. ظلت جدتى تسافر إليهم وتحتضن أحفادها الجدد بين ذراعيها ثم مع الزمن زادت مشقة السفر، وبعد اختراع الايباد، هذا الجهاز السحرى بضغطة واحدة تتصل بأحدهم وتستطيع أن تشاهده وتتكلم معه كيفما شاءت، تتنقل جدتى به من غرفة إلى غرفة خشية أن يتصل أحد ولا تسمعه، تجلس على سفرتها الطويلة وحدها وبجانبها الايباد، حتى وأن جاءت لزيارتنا تأتى به، وكأنها تحملهم معها دائما بداخله. منذ سنوات سافرأخى للعمل فى بلد عربى، ترك دولابه لأمى فارغا وأخد ملابسه وقطعة من قلبها وسافر، ظللت لسنوات استيقظ فى منتصف الليل أبحث عنه ثم أنام فى سريره لأشعر بالامان.

 

كم أتمنى الا تقرأ أمى هذا المقال !! لست كجدتى، لا احترف صناعة الونس، لا أصدق أننى لا استطيع أن أحتضن أبنة أخى التى تحمل ملامحى، تقودنى الفكرة إلى الاحباط. احيانا أفكر فى الرحيل عن هذا البلد المزعج، سأستمع إلى زوجى ونذهب إلى بلد اخر، سأجمع ملابسى وقطعة أخرى من قلب أمى وارحل وسأصنع معها الذكريات الالكترونية وربما فى عيد ميلادها سأهيدها ايباد أحدث مما تملك جدتى. تمطرالسماء الان بينما أنا أكتب، أفكرهل نامت جدتى أم صوت المطر يخيفها، تنام وحدها فى بيت شاسع ولكنها شجاعة بينما أمى لم تقضى ليلة فى العمر فى بيت فارغ، لا تنام حتى الصباح. أكره المطارات كثيرا، تلك الوداعات الطويلة المبللة بالدموع، يحملون دموعى على أكتافهم، وجزء من أحلامى ومستقبلى بين أغراضهم ويعانون هناك أيضا من الوحدة فالغربة تعطيهم ربع الفرحة بينما تضاعف عليهم الحزن دائما. سألنى زوجى منذ فترة ماذا أريد لنا من الحياة ؟ ..

 

تنهدت عميقا وأجبته، لا تجعلنى ابدا عجوز وحيدة، يكفينى فى المساء أن تهمس لى أننى سأصبح على خير وفى الصباح يوم جديد تتمنى لى به الخير، أحتضن صغارى بشدة وأدعو الله دائما الا يسافرون، أصبحت أخشى كثيرا كربة الغربة لهم ومرض الوحدة لذاتى. وستبقى قلوبنا جميعا مقسمة على الخريطة مع من رحلوا بأجزاء منها شرقا وغربا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز