عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المتغيرات الدولية وتأثيرها ـ 30

المتغيرات الدولية وتأثيرها ـ 30

بقلم : لواء/ مصطفى كامل

تناولت فى المقال السابق تأثير المتغـيرات الدولية والإقليمية لتوضيح  التحديات والتهديدات المؤكدة والمحتملـة ذات التأثير المباشرالموجهـة ضد "العالم العربى"، وأشرت إلى أن نقطة الإنطلاق السليمة لبلوغ مستقبل أفضل يُمكن أن يصبو إليه "الوطن العـربى" هى حتمية بناء إستراتيجية عربية موحدة قادرة على مواجهة هذه التحديات والمخاطر، ويتطلب بناء مثل هذه الإستراتيجية إعـداد دراسة شاملة عن الموقف الإستراتيجى، تتناول المحددات التى تقف حائلا دون بنائها، وتضع تصورا لرؤية إستراتيجية ورسالة واضحة ، وتحلل المقدرات العـربية التى يُمكن أن يرتكز عليها بنيانها تحليلا واقعـيا ، وتنتهى بتحديد الأهداف الإستراتيجية وأدوات ومراحل وتوقيتات تحقيقها، وسأتناول اليوم التحديات النابعة من داخل العالم العربى التى تحد بناءها ، ومن الطبيعى البدء بالمحددات السياسية والأمنية والعسكرية ، حيث يكمن أبرزها فى الآتى



 
 
أولا: لم تٌحقق دول "العالم العربى" منذ إستقلالها قدرا ما من الإعتماد المتبادل، فلم تـحقق حتى الآن الحـد الأدنى من التكامل والتنسيق فى جميع المجالات، الأمر الذى يُشير إلى أنها لم تُدرك أهمية المنطقة العربية، فبالرغـم من إمتدادها وتواصلها الجغـرافى الذى يجعـل منها وحدة جغـرافية واحدة لتُشكل نمطا إقـليمـيا مميزا دون وجودعائق واحد يفصل بين دولها، وبالرغم من أنها تحتل موقعا جيوإستراتيجيا بالغ الأهميه، إلا أن العرب جعـلوه مطمعا لإستراتيجيات القوى العـظمى والكبرى على مر العـصور ، فتعاظمت فيها مصالح هذه القوى إلى الحد الذى أصبح تدخلها أمرا مقضيا للمشاركة فى إدارة شئونها حماية لمصالحها، هذا التدخل هو النتيجة الطبيعـية لعجز العالم العربى عن بناء نظام موحد يستحق أن يُطلق عـليه "النظـام العـربى"، حتى أصبحت المنطقة نمطا إقليميا يموج بالمتناقضات ، تتوحد فيه أهداف القوى العـظمى والكبرى وتلتقى فيه مصالحها، وتتفرق فيه مصالح دولـه ، نمط تنعـم فيه هذه القوى بموقعه وثرواته وإمكاناته الإقتصادية الهائلة ، وتشقى فيه دوله لغـياب الإرادة القومية والإفتقار إلى تكنولوجيا التقـدم، فأصبح يموج بكثير من المشكلات حتى أصبح التوازن الإستراتيجى لصالح القـوى الإقليمية غـير العـربية خاصة فى بعـده القيمى والسلوكى ، حيث سيظل توازن سباق التسلح يُمثل الإشكالية الكبرى، وهو الأمر الذى يحمل فى طيـاته مخاطـر هائلة للمنطقة بأسرها، ويكمن جوهر هذه المخاطر فى عدم التحكم فى ذلك السباق المحموم للتسلح بجميع مستوياته (التقليدية وفـوق التقليـديـة وأسلحة الدمار الشامل) خاصة مع الإمتلاك المؤكد لإسرائيل للرادع النووى ، والإمتلاك المحتمل لإيران لهذا الرادع أو على الأقل إمتلاك تكنولوجيا تصنيعه
 
 
ثانيا:ما زالت مشروعات القوى العـظمى والكبرى، ومشروعات القوى الإقليمية غير العـربية تُمثل التهديـد الداهم للأمن القومى لدول "العالم العـربى" بأسره ، ودون إستثناء حتى تلك التى تعتقد أنها بمعـزل أو بمنآى عن هذا التهديد بإعتبارها تحت مظلة الحماية الأجنبية، فما زال مشروع إعادة هيكلة وتشكيل الشرق الأوسط الكبير الأمريكى قائما ، والقائم على أساس تفتيت الدول العربية المركزية إلى كنتونات صغـيـرة تستوطنها أقليات عرقية أو دينية أو مذهبية ، وما زالت إيران  تسعى حثـيثا لتحقـيق حلمها الدائـم لأحيـاء الإمبراطورية الفارسيـة تحت الراية الشيعـية ، وما زال العثمانيون الجدد يسعـون حثيثا لإحياء دولة الخلافة الإسلامية ، وما زالت إسرائيل تسعى إلى الإستحوازعلى أرض الميعاد التى وهبها الرب لإبراهام ، ولتحقيق ذلك تعاونت هذه القوى (العـظمى والكبرى، والقوى الإقليمية غير العـربية) فى جلب وتوطين وإستخدام الجماعات التكفيرية الإرهابية لإغراق دول "العالم العربى" فى الفوضى العارمة ، وجر شعـوبها إلى منزلقات التقاتل والتناحر ، حيث تقوم القوى الإقليمية غير العـربية بتوفير البيئة الحاضنة لهـذه الجماعات وتدريبها وتمويلها وتقديم التأمين اللوجستى الشامل لها ، لإحداث الإرباك العام وإنهاك وهدم أركان ومؤسسات الدولة لإسقاطها من الداخل ، أو تقسيمها وتفتيتها وفقا للمنظور الجيوبوليتيكى الأمريكى وبما يتسق مع مصلحة القوى الإقليمية غير العربية
 
ثالثا : لم تتمكن دول العالم العربى من إستيعاب دروس القرن العـشرين، خاصة ذلك الدرس الذى يمكن إيجازه فى ان قوة الدولة لا تـقاس بالقوة الإقتصادية أو الإجتماعية وحدها خاصة تلك القائمة على الفائض المالى أو الفائض البشرى الضخم ، وإنما تُقاس بالقوة الشاملة التى تُحقق توازنها الإستراتيجى مع الآخرين ، وأن عناصر القوة الشاملة لن يتم تنميتها تلقائيا أو بالإعـتماد على الآخرين ، بل يتم تنميتها فقط بالإعـتماد على القوة الذاتية للدول العربية مجتمعة ، وأن القوة العـربية المجتمعة هى السبيل الوحيد لحماية وصيانة الأمن الجماعى العربى بجميع عناصره (عـنصر الوجود والبقاء، عـنصر السيادة على الأقاليم البرية والبحرية والجوية والفضائية، وعنصر تحقيق التنمية الشاملة اللازمة للحفاظ على وتنمية القوة الشاملة)
 
            وفى الأسبوع القادم بإذن الله سأتناول المحددات الإقتصادية والإجتماعـية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز