عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحياة عجوة
بقلم
رشا بكر

الحياة عجوة

بقلم : رشا بكر

 



الحياة تلك الكلمة المطاطة التي تحمل كل معاني الحياة، قيل أنها ساحة كرٍ وفر، وقال أحدهم هي الحلوة المرة، قال آخر هي التعاسة بعينها، وقال آخر إنها لا تستحق كل هذا العناء.. وكذلك قيل أنها زفت وقطران وغيرها من ألفاظ الحنق والسخط، وجُمَلاً كُثُر تدل على رضا الإجباري وتحمل إحساس انعدام الرضا مثال أهي ماشية زَقّ وماشية بتُعرج.. أدينا عايشين.. وقليل قال مستورة ورضا الحمد لله وربما قالها أيضًا وفي قلبه غُصّة.

في فيلم رمضان فوق البركان الذى كتبه الاستاذ سمير عبد العظيم السيناريست القدير لوحة مكتوب بها "الحياة عجوة"، عندما قرر رمضان بطل الفيلم اختلاس العُهدة المقدرة بآلاف الجنيهات لكي يضمن لنفسه حياة كريمة وشجعه على ذلك اطّلاعه على المادة 112 الباب الرابع من قانون العقوبات، ووجد أن عقوبة سرقة جنيه كالمليون! وتجرنا الأحداث إلى شعاره الذي اتخذه مجتمعنا منهجًا في الحياة عندما سُرق منه المبلغ المختَلس بواسطة عصابة الهالوتى، "الحياة عجوة" تلك الجملة القصيرة التي جعلتني أضحك بمرارة مرتين؛ مرة لما انطوت عليه الحكمة من سخرية على واقع الحياة المرير، ومرة على تفوقه في اتخاذها شعارًا للفهلوة وأن اللي ماشى عدل قليل الحيلة وحجته ضعيفه..واللى يسرق من الحرامى ما يبقاش حرامى !

تلك الفهلوة التي صارت دليل ومنهج استرشادي منذ مطلع عقديّ بداية الألفية الثالثة، الطريق السهل والخبيث والملتوِ لنيل المطالب بالغش والخداع..

الحياة شقاء وتعب وكدّ وكدَر.. وجدّ وهزل.. وليست هذه بالطبع دعوة لكره العيشة واللي عايشنها، وكذلك هي ليست دعوة لسبر ضروب الفهلوة المختلفة، إنما الحياة هي الصفحة البيضاء التى ترسمها ويرسمها معك الاخرين، ثم تمحو الهوامش والرتوش لتلتمع الصورة.

أهيّ حلوة أم مرة؟!

تُذكرني مرارتها بأسطورة طريفة من التراث الشعبي العراقي تحكي "أن آدم (عليه السلام) بعد أن أخرجه الله مع زوجه حواء من الجنة وأنزله إلى الأرض، أرسل إليه جبرائيل لكي يعلمه زراعة الحنطة، ليأكل من قوت الأرض، بعد أن فقد دلال الجنة في القصة المعروفة. وهكذا زرع جدنا آدم الأرض فصارت سنابل فورًا، ثم حصدها ودرسها بسرعة، بمساعدة حواء، التي تولت بقية الأمر، أي الطحن والعجن ومن ثم الخبز، بعد أن أوقدت النار، وزوجها الجائع قربها بانتظار الرغيف، الذي خرج أخيرًا من التَنّور. وحالما وضعته حواء على الأرض، هبت الريح عاليًا فطار الرغيف، ولم يجد آدم غير أن يجري وراءه ليمسكه، لكنه كلما حط على الأرض واقترب هو منه ليمسكه طيّرته الريح مرة أخرى وأبعدته عنه. وهكذا صار جدنا آدم يجري وراء الرغيف الذي كان يطير حتى يحط، ويحط حتى يطير، وآدم وراءه، وليجري ذلك على ذريته من بعده، لأنه لم يسمع زوجته التي بُحّ صوتها وراءه كي يعود، لأنها خبزت أرغفة أخرى.. لكن أنّىَ يسمعها آدم وهو اللاهث وراء الرغيف!

إنها إحدى الحكايات الطريفة التي تجعلك تضحك حد البكاء، إذا تعمقتَ معناها.

ولكي تتجنب الإحساس بالإحباط وانعدام الثقة فيها واللامبالاة والتبلد فقط دون أن تجلد ذاتك اهدأ وفكِّر في العشر سنوات الماضية، ماذا جنت يداك؟ ثم استوقف نفسك لحظة عند الحاضر وواصل السير إلى الأمام إلى عشر سنوات في المستقبل.. والآن أخبرني هل أنت راض عن نفسك؟ عن أفعالك؟ هل العجوة والفهلوة أتت لك بكل شيء؟ المجد، الشهرة، المال، حب الناس...؟ فإن كانت كذلك فهل ضميرك مُرتاح؟

قال الموسيقار فريد الاطرش في إحدى أشهر أغانيه "الحياة حلوة" ولكنه لم يلبث أن أعقبها بجملة أخرى شرطية، فقال "بس نفهمها" إن معظمنا في الواقع لا يفهم معنى الحياة حتى الآن! البعض يرى أنها جهنم الصغرى، والبعض يرى أنها لحظات وينبغي أن تُنهل ويُتنعم بكل مُتعها، لأنك في النهاية ستموت وسيختفى أثرك وذكرك‼

إن الحياة كدٌّ وكَبَد، غير أنها تحتاج منك فقط بعض التنظيم بعض التفكير والتدبر وبعض المثابرة، فلا تنظر لها كأنها الغول المخيف شرهُ واقع ليس له من دافع، ولا تستخفن بها وكأنها حشرة لا مثقال لها، فرُب حشرة تافهة سُمُّها الناقع أرداك، ومن الممكن أن تودي بحياتك إلى التهلكة.

تفكر بالمُتع المتاحة، استشعر الرضا، قف أمام مرآتك المكسورة واعطِ لنفسك "البرستيج" واقنع ذات نفسك أنكَ من أهم رجال العالم، وتواضع مع البسطاء. انظر إلى عُمَّال البناء والفواعلية، كيف يغنون وتطربهم أغانيهم التي يعزفون أوتارها بالكدِّ والعرق فينشدون ويغنون ويشقون وينامون سعداء بإذن الله ليس لديهم كبير هَمّ، إن مشكلتنا الحقة في هذا العصر أننا دائما ننظر إلى ما يمتكله الغير.. نريد أن نشتري كذا مثل فلان وكذا مثل علان... وبعضها أشياء لا حاجة لنا بها إلا أنه انعدام القناعة والرضا الذي يجعلنا نهرب من واقع مأزوم لوضع متأزم أكثر، صنعناه بأنفسنا! لقد أصبحنا نجهل إمتاع أنفسنا، ونسعى سعيًا حثيثًا لشقوتنا، ونتسكع ونُلقِ باللائمة على القدر والنصيب ..

والآن هل الحياة عجوة؟

ربما، ولكن النخل عالٍ واللذة الحقيقية هي العيش في تعبه ولذة الحياة فى راحة بعد شقاء مُستحق.
لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله ,’، لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز