عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ورقة طلاق

ورقة طلاق

بقلم : غادة كريم

طلبت منه هذا الطلب وتركته ورحلت، بعد أن شعرت أنه ليس هناك خلية فى قلبها لم تحترق بعد.. اليوم رن جرس الباب وطلب منها موظف أن توقع على استلام ورقة، وقَّعت ثم نظرت إليها وكاد أن يتوقف قلبها ألمًا.. إنها "وثيقة طلاق"، أليس هذا ما طلبته بإلحاح ؟!!



تزوجته بعد أن حاربت طواحين الهواء لسنوات من أجله، وتوقعت أنها ستتزوج لتستقر وتبدأ فصل جديد من السعادة المنتظرة، أحبت هذا الرجل لتسكن داخل كف يده باحثة عن الأمان ربما تشعر بالدفء يومًا.
 
تذكرت الآن وثيقة زواجها عندما أمسكتها للمرة الأولى تتفحصها فى انبهار، وفى إصبعها تسكن دبلة ذهبية جديدة، مازالت تتذكر عيناها لمعانها البراق، ظنت أن تلك الوثيقة وعد بالسعادة، وعد بالاستقرار، وعد بالأمومة وعد بالاستمتاع الجسدى، وعد بالسلام النفسى، وعد بالاحترام ، وعد بالمشاركة حتى نهاية العمر فى الصحة والمرض، كانت مغفلة وتوهمت أنه سيرعاها حتى يفرَّق بينهما الموت.
 
مرت سنوات، والآن تقف متأملة وثيقة أخرى تحملها، وإصبعها رحلت عنه الدبلة الذهبية التى اختارتها يومًا بعناية لتليق بزوجة سعيدة، تبدو أصابعها وكأنها فى الستين حزينة مثلها، تحمل تلك الورقة التى حطمت كل الوعود وأعطتها وعد بالألم؛ وعد بتدخل المجتمع فى أدق تفاصيلها، وعد بالحيرة أين ذهب عمرها الذى مضى والحب الذى كان، وعد بتلقى التأنيب المستمر من الآخرين على رحيلها، ولماذا لم تتحمل فى صمت كالأخريات، وعد بأطفال ستكبر معهم المشاكل كل يوم وستتحملها وحدها بدون شريك، وإن حاولت أن تدفن الألم طوال النهار؛ ففى المساء يكفيها أن ترى اسم الأب الممدد على الكتب المدرسية وهى تذاكرلأطفالها الذى يُخزِّن مع كل حرف منه وجع.
 
فى بعض الزيجات، يبدو الطلاق كطاقة أمل بعيدًاعن رجل ظالم ونهاية لأيام بائسة، وإنقاذًا لأطفال أبرياء من وحش الذكريات المؤلمة التى لن تفارقهم أبدًا، وربما تكون المرأة هى الطرف الأبشع التى يجب إنقاذ الأطفال منها، وعلى الرجل أن يتكيف مع ندبات القلب التى ستتركها له حواء وكيف يمحو الذكريات.
 
وأحيانًا يملُّ الانسان من الطلاق الصامت، ويستيقظ بشجاعة لإنهاء زواج بلا روح سقط على قيد القلب، ويعيش على قيد السجل المدنى فقط.
 
وفى كل الأحوال، أنه وثيقة أعطت الألم تذكرة مفتوحة للسفر داخل القلوب كل صباح فمن منَّا ينسى ماضيه، حتى إن حاول التجاهل طوال اليوم؛ فالوحدة فى المساء تنعش الذاكرة، من منَّا يترك خلفه الماضى ولا يطارده؛ هذه الوثيقة ليست إلا شهادة ميلاد لألم من نوع جديد.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز