د. محمد فاروق
" مايصحش كده "
بقلم : د. محمد فاروق
المُشاهد والمُعاصر لهذه الحقبة العجيبة والفترة الأصعب في تاريخ العالم أجمع بكل بلدانه ، سيكون مجرد إضافة سلبية لعدد البشر على هذه الأرض إذا لم يُعمل عقله ، لينظر ، ويرى ، ويدقق ، ويُقارن ما بين الآونة الحالية وما سبقها !
وبحسب الجملة المصرية الشهيرة " تضرب تقلب " فإن الأرض من حولنا بالفعل " تضرب تقلب " .. تحديات تواجه دول العالم أجمع ، حروب عسكرية ، ومؤامرات سياسية عسكرية اقتصادية ، وذراع إرهابي يتم استخدامه كأداة لتنفيذ مصالح ومخططات صهيوأمريكية ، وحروب بالوكالة ، وجيل رابع من الحروب غير التقليدية ، ولا أبلغ من تفسير ما نمر به إلا الآية الكريمة " ظًلماتُُ بعضُها فوقَ بعض ، إذا أخرجَ يَدهُ لم يكد يراها " .. لا تستطيع التنبؤ بما سيحدث خلال الساعة القادمة ، والأمر يتطلب رجال وعقول تمتلك صفات استثنائية لقيادة المرحلة والتعامل مع مقتضياتها !
وهنا يبقى السؤال الذي يفرض نفسه علينا جميعاً " ماذا فعلنا في الفترة الباردة التي مضت " ؟!
إذا كنا تحت كل هذه الضوضاء والضغوط والمتغيرات والتحديات اليومية والحرب على الإرهاب والعمل على تحييد المؤامرات الخارجية و الحد من مظاهر الحراك الثوري وما يحمله من خيانة داخلية لأطراف عديدة تخدم مصالح وأجندات مختلفة " إخوانية أو غيرها " في ظل هذه الصراعات التي جعلت الحالة المصرية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً " تضرب تقلب " استطعنا أن نلتمس النور ونتحسس الطريق الصحيح حتى وضعنا أقدامنا على عتبات المستقبل بالرغم من السواد الحالك الذي نُسج من حولنا بفعل فاعل !
أعود و أسأل " ماذا فعلنا في الفترة الباردة " ؟!
أكثر من ثلاثة عقود من الرخاء السياسي والأمني عاشها الرئيس الأسبق وأنظمته المُتهالكة على مدار ثلاثون عاماً ، لم يجول بخاطره أن يتحرك خطوة واحدة إلى المستقبل ! كل برامجه وسياساته كانت تقف انتباه لتخدم فقط " البقاء الآمن " في السلطة ، سياسات اقتصادية لا تتعدى المعنى الحقيقي للجملة الشهيرة " الشئ لزوم الشئ وفقط " ! .. وإذا لم تستطع سياساته إنقاذ ذلك " الشئ " ووقعت أي كارثة ، خرج علينا بالجملة التي لم تُفارق حديثه طيلة فترة بقاءه " إنتوا كتير " ! نظرية جديدة في عالم السلطة " الشعب الذي يُعاني منه الرئيس " " شعب بيعكنن على الرئيس "
ماهي المشاريع الكبرى التي أدرت على موارد مصر شيئاً يُذكر طيلة ثلاثة عقود ؟! لا تتحدث عن قطاع السياحة أيها القارئ ، هذا ليس مشروعاً ، والعائد من هذا القطاع لا يرتقي أبداً بمقام دولة تمتلك آثاراً من بينها أحد عجائب الدنيا السبعة وغيرها ! ماهو سعر صرف الجنيه المصري في العام 1980م مقابل العملات الأجنبية والعربية ؟! وما هو الوضع عند تخليه عن منصب الرئيس في 2011م ؟! ماهي التحالفات الاستراتيجية السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي تمت وخدمت التوجهات المصرية في ثلاث عقود ؟! هذا بالإضافة إلى أن مصر خرجت من حرب الخليج في أول التسعينات " بلا مديونية خارجية " .. " صفر ديون خارجية " ناهيك عن حالة الرضا السياسية العالمية التي حازت عليها مصر لقاء مشاركتها في حرب التحرير ، فماذا فعلنا بهذه الجائزة ؟!
الكثير والكثير من الأمثلة التي تُتيح الفرصة لإثبات قناعاتي بمدى الجهد المبذول من الإدارة والنظام الحالي الذي تولى أمرنا في أحلك الفترات التي تمر بمصر ، والمنطقة العربية ، والعالم أجمع ! مقابل فترة باردة وطويلة كنا نستطيع خلالها القفز إلى مصاف الدول المتقدمة .
ما الذي منع النظام الأسبق من حفر قناة السويس الجديدة طيلة ثلاثون عاماً من الفترة الباردة ؟! وكيف استطاع النظام الحالي تحقيق هذا الحلم في ظل هذه الفترة شديدة السواد ؟! لم تكن الحدود مُشتعلة ، لم تكن سوريا والعراق وليبيا في خبر كان ! لم تكن هناك حرباً شرسة تضرب سيناء ضد الإرهاب وتستنزف جهداً ووقتاً ومالاً من ميزانية الدولة والمؤسسة العسكرية ! ومع ذلك فإن مشاركة هذه المؤسسة العظيمة في الحياة المدنية أصبحت درعاً اقتصادياً واقياً يحمي بقدر استطاعته حياة الشعب المصري واحتياجاته اليومية ، لم يقتصر دورها على أمن الحدود أو الأمن الداخلي القومي ، بل امتد أثره إلى المساهمة في كَبح جِماح المُستغلين والفاسدين من تُجار القوت اليومي للسلع الاستراتيجية ! فمن أين تأتي هذه العزيمة ؟! ولماذا كانت غائبة ومستكينة طيلة الفترة الباردة ؟!
ما الذي منع النظام الأسبق من البحث عن سياسات اقتصادية تؤدي بالضرورة إلى الاكتفاء الذاتي من القمح على سبيل المثال ؟! لماذا نرى الآن مشاريع الصوامع والغلال التي جاءت لتكون أحد أهم أدوات الاكتفاء الذاتي من لقمة العيش ؟! وكيف استطاع النظام الحالي في هذه الفترة الوجيزة والمُلتهبة والمزدحمة بالملفات الخطيرة أن يضع أولوياته في شتى مناحي الأمن القومي !
كيف لهذا النظام الحالي في ظل هذه الضربات المتلاحقة " من كل اتجاه – لكل اتجاه " أن يتفق و يُنهي التعاقد والبدء في مشروع بناء المفاعلات النووية المصرية ؟! كيف ننتقل ونُحدث هذه الطفرة في ظل الفترة المُلتهبة في الوقت الذي لم نُعيرها اهتماماً طيلة ثلاثون عاماً ! علماً بأننا لم ندفع دولاراً أو جنيهاً مصرياً ، ولن ندفع ، إلا من أرباح وعائدات تلك المفاعلات ، وعلى أقساط تصل إلى خمسة وثلاثون عاماً ! ما الذي منع مبارك ونظامه من ذلك ؟! وما هو الدافع والمحرك للنظام الحالي في تحقيق ذلك ؟!
الكثير من المقارنات الفاضحة لا يتسع المقام لذكرها ، لكنها مقارنات لا تقتصر على الفارق بين النظامين على الإطلاق ! وإلا سيكون المقال مجرد " عايط في الفايت "
هذه المقارنات تأتي رداً على جهات متعددة أعماها قلبها في أن تُبصر وتتحسس مايقوم به النظام الحالي وما يحمله على أكتافه من صراعات وتحديات قرر أن يخوضها حباً في مصر وشعبها ، هذه المقارنات تأتي لترد على أبناء مبارك تارة ، ثم على جهل الإعلام الفضائي والمقروء تارة ، ثم على الفصيل الهائج الثوري تارة أخرى ! الأمر الذي أدى إلى خروج أمثال عبد المنعم أبو الفتوح طالباً بانتخابات رئاسية مبكرة ! وجميعهم لا يألون جهداً في التقليل والتشويه لكل شئ ، فقناة السويس مشروعاً فاشلاً ، والمفاعلات النووية مشروعاً كارثياً ، والحد الأدنى للأجور في ظل هذه الظروف السوداء لم ينلّ حظه من الإعجاب ، والتسليح العسكري الذي لم تشهده مصر طيلة ثلاثون عاماً أصبح من وجهة نظرهم " تَرَف ، ورفاهية " في غير وقتها !
أعلم تماماً أن مبارك قائد الضربة الجوبة في أكتوبر العظيم ، ولا يغيب عن ذاكرتي أنه " طيلة ثلاثون عاماً " مع وضع ثلاثون خطاً تحت هذه العبارة .. نجح في تشييد مدينة شرم الشيخ ومترو الأنفاق " وشوية حاجات فوق البيعة "
مايصحش كده .