عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حلم قوس «قزح» وعبث «الأقذار»

حلم قوس «قزح» وعبث «الأقذار»

بقلم : محمد مصطفى أبو شامة

هل تدرك أنه عندما تصل بك الدنيا إلى ذروة اليأس، فإنك أصبحت على شفا أمل وفرحة وتفاؤل؟



وهل تؤمن حقا أن بعد العسر.. يسرا، وأن بعد الضيق فرجا، وأن بعد الليل الطويل حتما سيشرق فجر جديد؟

أم إنك تتعامل مع هذه الأقوال على أنها كلام.. لا يداوي الآلام؟

لا يخفى على أحد أننا جميعا نعيش أصعب أيام حياتنا.. أعلم أنك تواجه تلالا من المشاكل لا تنتهي، وأن الإحباطات تطاردك في كل درب، وأن خلف كل باب ينتظرك غدر، وبين كل خطوة وتاليتها ربما تختطفك «حفرة ملعونة» تجعل مصيرك ينتهي بين أيدي أطباء العظام في مصر، كفانا الله وإياكم جبسهم ومساميرهم وجشع بعضهم وجهلهم.

أكتب وأنا أعلم بحالك، لأنه هو حالي وحال معظم من أقابلهم من أصدقاء وأقارب ومعارف وزملاء.. حال غالبية المصريين، نحن حقا «المعذبون في الأرض»، كما وصفنا عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين قبل زماننا.. بزمان، ورغم أن عذاب «أربعينات» القرن العشرين؛ زمن «معذبون» صاحب «الأيام»، يختلف في ألوانه وصنوفه عن عذاب القرن الحادي والعشرين، ورغم اختلاف الزمان، فإن ألم العذاب واحد. لكني أبشر كل رفقاء العذاب، ومن كلمات العميد أيضا وفي كتابه السابق ذاته، عندما يختطف عقولنا قائلا: «إذا أسرف الشيء في الوجود، فهو غير موجود، سواء رضيت الفلسفة عن هذا الكلام أم لم ترض». وهو معنى مواز لما بدأت به مقالي.

لم أقصد أن يكون مقالي باللون الأسود رغم أنه مقال احتفالي بذكرى الثورة، لكني أعلم أن «عمى الألوان» قد طغى في بلادي، حتى أحال كل شيء في نظرنا إلى حالة حداد. لقد تجرعنا نحن المصريين كل صنوف العذاب، وتحملنا كل ألوان المشقة، واستبد بنا حكامنا سنوات طويلة، وحانت لحظة ميلاد الأمل مع نسائم الخامس والعشرين من يناير عام 2011، اللحظة التي ظهر فيها «قوس قزح» يتراقص بألوانه المختلفة مع شباب مصر في كل ميادينها، مستعيدا معهم وبهم بصرهم وقدرتهم على أن يروا الدنيا بألوانها الجميلة المبهجة، ومبشرا كل المصريين بالفجر الذي طال انتظاره.

أعلم أيضا، أنك ربما تكون قد تبدلت مشاعرك تجاه هذا اليوم، وفقدت حماسك للمعنى الذي خلده في وجداننا، وربما تكون انقسامات كثيرة وصراعات مريرة ودماء غزيرة، هي الحصاد الظاهر لحلم الثورة الجميل، لكن ما يجب أن يدركه هذا الجيل من شباب مصر الذي كان نواة هذا الحراك السياسي الملهم، هو أن الأحلام لا تموت، مثلها مثل الشهداء، أبدا لا يموتون. وغدا إن شاء الله ستمحو الأيام «عبث الأقذار» - أقصدها بالذال حقا وصدقا، والمعنى يستقيم أكثر مع خالص اعتذاري لأديبنا شيخ الرواية العربية وسيدها نجيب محفوظ - ليبقى أثر «25 يناير» خالدا في تاريخ شعب مصر، بمعناه الصحيح ورسالته الواضحة.

اختلف ما شئت، معبرا عن آرائك أو حتى مصالحك الضيقة والخاصة أو مصالح جماعاتك أو حزبك، لكن لا تحرم أمة بأكملها من حقها في أن تحترم أحلامها، ولا تلوث جيلا شريفا من شعب مصر خرج يبحث عن أمل، جيلا أخرج مصر كلها من سرداب مظلم عاشت فيه لسنوات، يحاول البعض الآن أن يعيدها إليه من جديد.. يحاولون ذلك عندما يفسدوا كل أحلامنا الجميلة، وقيمنا النبيلة.. يجتهدون في أن يعبثوا بتاريخنا وحضارتنا وفننا وثقافتنا.

إن عملية «مسخ مصر» تجري على قدم وساق، ولا نملك في مواجهتها إلا أن ندعو ونحن نحتفل بذكرى ثورة يناير، أن نتذكر دائما «الشخصية المصرية»، ونجتهد لنؤصل ملامحها ونحافظ عليها في إطارها الديني المعتدل الوسطي، كما خلقها الله وميزها عبر سنوات طويلة وجعلها في مركز العالم، لتبقى مستقرة آمنة إلى يوم الدين.

وأختتم مقالي بمقتطفات معبرة من الديباجة الخالدة للدستور المصري الحالي «دستور 2014»، أضعها في وجه من تسول له نفسه أن يحرمنا من حقنا في أن نحتفل بذكرى ميلاد الحلم.. أو يحاول تشويهه أو تحقيره..

«جاهدنا - نحن المصريين - للحاق بركب التقدم، وقدمنا الشهداء والتضحيات، في العديد من الهبّات والانتفاضات والثورات، حتى انتصر جيشنا الوطني للإرادة الشعبية الجارفة في ثورة (25 يناير – 30 يونية) التي دعت إلى العيش بحرية وكرامة إنسانية تحت ظلال العدالة الاجتماعية، واستعادت للوطن إرادته المستقلة».

«هذه الثورة امتداد لمسيرة نضال وطني كان من أبرز رموزه أحمد عرابي، ومصطفى كامل، ومحمد فريد، وتتويج لثورتين عظيمتين في تاريخنا الحديث: ثورة 1919، وثورة 23 يولية 1952».

«وثورة 25 يناير- 30 يونية، فريدة بين الثورات الكبرى في تاريخ الإنسانية، بكثافة المشاركة الشعبية التي قُدرت بعشرات الملايين، وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وبتجاوز الجماهير للطبقات والآيديولوجيات نحو آفاق وطنية وإنسانية أكثر رحابة، وبحماية جيش الشعب للإرادة الشعبية، وبمباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لها، وهى أيضا فريدة بسلميتها وبطموحها أن تحقق الحرية والعدالة الاجتماعية معا».

«هذه الثورة إشارة وبشارة، إشارة إلى ماض ما زال حاضرا، وبشارة بمستقبل تتطلع إليه الإنسانية كلها. ونحن - المصريين - نرى في ثورتنا عودة لإسهامنا في كتابة تاريخ جديد للإنسانية. نحن نؤمن أننا قادرون أن نستلهم الماضي وأن نستنهض الحاضر، وأن نشق الطريق إلى المستقبل.. قادرون أن ننهض بالوطن وينهض بنا».

«هذه إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا.. هذا دستورنا». وتحيا مصر.

* نشر هذا المقال قبل عام تحت عنوان "في ذكرى ميلاد الحلم" ووجدته أكثر صلاحية للنشر هذه الأيام.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز