عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
التنين الصيني و«حدارجة».. «بدارجة»

التنين الصيني و«حدارجة».. «بدارجة»

بقلم : محمد مصطفى أبو شامة

عندما هبطَت الطائرة التي كانت تحملُني إلى العاصمة الصينية بكين، في فبراير عام 2001، ومع ما سبق عملية الهبوط من «مخمضة» مرعبة استمرت لأكثر من ساعتين، كانتا الجزء الأخير من رحلتي الطويلة التي تجاوزت العشرين ساعة، شعرتُ بأن زلزالاً كبيرًا سيجتاحُ حياتي وأنَّ ما سبق هذا التاريخ سيكونُ ماضيًا بلا رجعة، وأن القادم هو ميلادٌ جديد، ووصفتُ الزيارةَ - مازحًا - بعد يومين من وصولي إلى بكين، في رسالة إلكترونية لصديق عمري، بأنها أشبه بزيارة «السادات» إلى القدس، وأنها ربما تغيِّر التاريخ، تاريخي الشخصي بالطبع، وقد كنتُ، وما زلتُ، أذكر عنوان رسالتي هذه، الذي كان قاسيًا وفجًّا، كتبته بإحباط وقرف ورفض لما وصل إليه حالُنا في مصر.. كتبته ناقمًا على الشعب المصري وخنوعه في تحمُّلَ الذل والهوان وعدم رغبته في أي فعل حقيقي، مما جعل صورة المستقبل مظلمةً أمامي وأمام جيلي وأجيالٍ أخرى تالية؛ حيث عنونتُ رسالتي بـ«الخروج من صفيحة الزبالة»، وكنت – بالطبع - أقصد أن مصر هي «الصفيحة»، ويمكن أن يُفهم بسهولة المقصود بـ«الزبالة»!!



تذكرتُ رسالتي هذه قبل أيام وأنا أتابع واحدًا من أشهر إعلاميي الـ«توك شو» في العالم العربي، في برنامجه اليومي، وهو يهيل التراب على المصريين ويصفهم بالكسالى والمتراخين وأن عليهم أن يتحركوا ويعملوا بذمة وضمير وأن يكفوا عن انتظار البطل الذي سينقذهم؛ لأنه لا أحد يملك عصا سحرية لحل كل المشكلات المزمنة التي يعانيها البلد، ويبدو أن حديثه هذا متَّفَق عليه مع «جوقة» الطبل والزمر الإعلامي في فضائنا المصري، وبإيعازٍ ربما يكونُ من جهات عالِمة ببواطن الأمور، فقد اتفق أغلبهم على أنه علينا كمصريين أن نتغيَّر، وذهب كل منهم في تفنيد مساوئ هذا الشعب المسكين من وجهة نظره، ليعرض - بمنطق العالِم - وسائلَه لكي يتغير هذا الشعب «البليد» كي يكون جديرًا بمن سيأتي ليحكمه!!

وأعود مرة أخرى إلى الصين وحديث لم يتكرر في السياسة مع المترجم الذي رافقني في زيارة تالية إليها؛ فقد دفعني انبهاري بما رأيته وقرأته عن المعجزة الصينية أن أسأله عن رأيه في سر قفزة بلاده إلى القمة وأسباب وأسرار تقدمها الذي أبهر العالم بسرعته، فأجابني باقتضاب شديد: «لقد أسعدنا الحظ وصعد إلى قمة السلطة شخصٌ أحبَّ الصين بصدق، وأدرك أنَّ البشر هم ثروتُها الحقيقية وكنزها الخالد، وفورًا وضع قوانين جديدة ورتَّب الدولة لكي يستخرجَ هذه الثروة ويفجِّرَها، فانطلق التنين الصيني».. وقتها تساقطت دموعي أمام الفتى «شياو» من فرط الضحك؛ فقد تذكرتُ كيف يعايرنا «الريس» مبارك - ربنا يشفيه من مرضه العضال ويفرَّحه ببراءة العيال - ففي كل خطاب له، طوال فترة حكمه المديدة، كانت له فقرة ثابتة يتحدث فيها عن الزيادة السكانية الرهيبة ويختمها بابتسامة ذات مغزى، طالبًا من المصريين أن «يبطلوا خلفة؛ لأنه مش عارف يجيب لهم أكل منين».. وكأنه كان يخشى أن يتكاثروا عليه بالملايين وينفجروا!!

وقد كان.. فهؤلاء هم الملايين الذين تجلت فيهم العبقرية المصرية في مشهد سيخلِّده التاريخ، مشهد التحرير / يناير 2011 - أيًّا ما كان اسمُ الحدث ومهما كان رأيك في ما تلاه من أحداث - فلقد كانت ملحمة مُدهشة عكست تحضُّر هذا الشعب العظيم ورقيَّه، وردت على عنوان رسالتي التي سبقت «ثورة يناير» بعشر سنوات، وترد أيضًا على إعلاميي «اليوم» في حملتهم التي تمهِّد الطريق لما هو قادم، ذلك على الرغم من مرور ثلاث سنوات على هذا المشهد الفريد، الذي أكد - بما لا يدع مجالاً للشك - أن الشعب المصري قادر على صنع المعجزات عندما توجد الأسباب، لكن يبدو أنه لا أحد يفهم أو يدرك هذه المعلومة.

وعلى ذكر الثورة وما حدث لنا كمصريين بعدها، من تطاحن وفرقة وصراع فجٍّ على السلطة، كنتُ بميدان التحرير في إحدى التظاهرات التي تفجَّرت بعد إعلان «مرسي» الدستوري في نوفمبر 2012، ولفت نظري رجلٌ يحمل مبخرةً ويلف بها الميدان وأثارني بجديته وصوته العالي، اقتربت منه فسمعته يرتل قائلاً: «حدارجة بدارجة.. من كل عين زارجة.. يا شجرة بلا ورق.. الغم والحزن والحسد عنك يتفرق.. أم النبي رقت النبي بالصلاة على النبي اللهم صلِّ عليه».. ويكرر ما يقوله بحماس وانفعال وصدق، وتوقفت سيدة عجوز بيننا تستمع بتأثر، ثم ابتسمت وقالت: «عليه الصلاة والسلام.. تصدق والنبي معاك حق.. مصر شكلها اتحسدت.. بس إن شاء الله نرجع زي ما كنا في يناير مع بعض إيد واحدة (ونظرت إليَّ) والله يا ابني شكلها محسودة عشان كده كلنا لازم نرقيها». وارتفع صوت السيدة مع الرجل تردد ما يقوله.. ووجدتني أبتعد وأردد هامسًا: «حدارجة.. بدراجة.. من كل عين.. سارجة»!!

*من كتابي القادم (حكايات زوربا.. من شبرا)

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز