عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الـ«توبس» في الـ«بوكس» .. ومصر على الترعة

الـ«توبس» في الـ«بوكس» .. ومصر على الترعة

بقلم : محمد مصطفي أبوشامة

أصبح 25 يناير همًّا سنويًّا، رغم أنه مناسبة وطنية «دوبل»، يتزامن فيه حدثان فارقان في تاريخ مصر؛ عيد الشرطة وعيد الثورة المصرية، لكنها حماقة البشر التي جعلت من الحدثين ضدين لا يلتقيان، ولا يتصافحان، بل إن الفجوة تزداد بينهما كل عام عن سابقه.



ورغم شعبيته الجارفة، لم ينجح الرئيس عبد الفتاح السيسي في أن يحتفل بالحدثين معًا، واضطر إلى أن يحيي كلًّا منهما بشكل مختلف وفي يومين متتاليين، كلًّا منهما على «انفراد».

كرَّم شهداء الشرطة في اليوم الأول بحضور رموز الدولة، واحتشد بجوار أبنائهم «اليتامى»، وخطب في المصريين وعيناه تلمعان بالدمع الصادق، وهو يواسي شرطة مصر في شهدائها الأبرار من الرجال الأطهار، ويحفِّز رجالها في عيدهم على القيام بدورهم لحفظ أمن الوطن.

وفي اليوم التالي لم ينسَ الرئيس ثورة 25 يناير التي تمثل «نصف» شرعية نظامه السياسي، فخصها بخطاب تلفزيوني خالٍ من الحرارة، لكنه كان حتميًّا لينزع «فتيل» قنبلة كادت تنفجر بسبب تصاعد أصوات المزايدين من فلول و«هطول» وطننا، ممن أضرت الثورة بمصالحهم وواجهتهم بحقيقة أنفسهم، ولم يجدوا أمامهم إلا تشويهها وتحقيرها بكيل الاتهامات لها ولمن شاركوا فيها، لاغتيالها معنويًّا وفكريًّا، ولكن الرئيس بذكائه وفطنته أكّد للجميع أنها كانت ثورة حقيقية.. أشاد بها وترحّم على شهدائها.

وكانت بوادر الانقسام قد بدأت قبل أيام من حلول 25 يناير هذا العام، وتصاعدت فجأة نبرة الهجوم على الثورة ومن شاركوا فيها في وسائل الإعلام، وتسرَّب شعور بأننا نقترب من حالة تصبح المشاركة في الثورة وأيامها الـ18 الأطهر والأروع في تاريخ مصر، جريمة تستحق العقاب، مما دفع بعضًا ممن شاركوا فيها وارتبطوا بحلمها ومشروعها الذي لم ينضج ويكتمل، إلى أن يطلقوا «هاشتاج» (#أنا_شاركت_في_ثورة_يناير) على مواقع التواصل الاجتماعي، ليظهر في مواجهته وبشكل فوري «هاشتاج» (#أنا_ماشاركتش_في_ثورة_يناير) وينافسه على الصدارة، وهو ما جسَّد ملامح انقسام واضح بين المصريين.

ورغم أن يوم 25 يناير 2016 قد مرّ بسلام في الشوارع والميادين، فإنه على «السوشيال ميديا» كان عاصفًا، ويبدو أن برودة الطقس الشديدة «سخّنت» أجواء «البوستات» و«التغريدات» بين الفريقين؛ المؤيد والرافض، من يراها ثورة ومن يؤكد أنها مؤامرة.

ولأنه يوم تاريخي، فقد قرر ألا يمر دون ذكرى.. وربما اثنتين؛ أولهما: انتشار فيديو «ساخر» على «اليوتيوب» لأمين شرطة (نفت الداخلية لاحقًا صفته)، أبدع فيه مواطن مصري بأدائه «التمثيلي» حول ما يفعله أمناء الشرطة مع المواطنين من تعذيب وترهيب، ولأن فقرة المواطن «الأمين» كانت من أنواع الكوميديا السوداء البريئة، فقد ضحك مشاهدوه حتى استلقوا على قفاهم دون أن يعاقبه أحد، ورغم أن الأمين «المزعوم» قد اتهم الشرطة والداخلية صراحة بقتل وتعذيب المواطنين، وهو ما يمثل جريمة (على ما أظن)، فإن الداخلية لم تكلِّف نفسها البحث عن هذا المواطن والقبض عليه!!

أما ثانيهما، فقد كانت مسك ختام اليوم التي أرى أنها ثمرة كل ما سبق، أضف إليه أن بطل واقعة «التوبس» قد فاجأنا بصورٍ نشَرها عبر حسابه على الـ«فيسبوك» توضح ما حدث له بسبب مشاركته في فعاليات ثورية أيام حكم المجلس العسكري و«الإخوان» عامي 2011 و2012، وهي صور تؤكد أن ما أقدم عليه شادي حسين وصاحبه يعكس عمق علاقته بالشرطة المصرية، ويؤكد أن ما قام به لم يكن عفويًّا، بل مع سبق الإصرار، وربما عبَّر بفعلته عن رأيه ورأي جيله ممن شاركوا في الثورة، واستُشهد وأُصيب بعضهم وأُحبط الباقون منهم، وهديته مقصودة، ومعناها واضح وصريح، ولا يخلو من إيحاء فجّ.

هل تنتظر لتعرف حكمي على فعلة «شادي» الشائنة؟

صدقني لم أتوقف كثيرًا مع الأشخاص، ولن ترهبني هذه المحاكمة الهزلية التي نصبتها دكاكين الإعلام لمحاسبة فتى «فاهيتا» الثوري، وصديقه الممثل الموهوب أحمد مالك، والرغبة المحمومة في إراقة دمائهما على مذبح شرطي.

فما رصدته حول واقعة «الكاندم» أكثر تعقيدًا من أن يناقشه الجهلاء. فعندما تصبح هدية مواطن مصري لأفراد شرطة بلاده في عيدهم هي «واقٍ ذكري».. ثق بأننا مقبلون على كارثة كبرى تحتاج إلى علماء لمنعها. وللأسف أقولها حزينًا: إننا أمة ينتظرها مستقبل بلا أخلاق. وكلنا شركاء في ذلك.

ثق أيضًا بأنه رغم الهدوء الظاهر على العلاقة بين الشعب والشرطة، فإن المنطق الثأري ما زال يلقي بظلاله عليها. والثأر لن يسقط بالأمنيات، ولن يخرسه كتم الصرخات، ولن يضمن الترهيب أو التعذيب أمن وأمان المواطن أو الشرطي. ولن تكفي مواءمة رئاسية لجعل هذا اليوم مناسبة وطنية حقيقية.

واعلم أخيرًا أنه لا منطق لدهشتك وصدمتك من أن ابنك أصبح يسبّك، فقد ضحكت كثيرًا عليه وله وأنت مستمتع بشتمه للآخرين، واعلم أيضًا أن كثرة «النفخ» والتدليل لابن "ضابط" من أبنائك ستلهب نار الغيرة في نفوس أشقائه.. ونار الغيرة ستحرق الجميع.

وإذا كان «التوبس» قد دخل «البوكس»، فإن هذا هو ثمرة تجارب العصا من «ورا» التي حولت المشهد  كلّه إلى «مسخرة».

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز