عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عالم غنيّ.. بالفقراء

عالم غنيّ.. بالفقراء

بقلم : أسامة إفراح

"نحن نعيش في عالم غير مجزأ حيث الأغنياء لم يعودوا قادرين على تجاهل الفقراء"..



آمارتيا سن (نوبل في الاقتصاد 1998)

كثيرون هم علماء الاقتصاد الذين خصصوا أبحاثهم لظاهرة الفقر والتوزيع غير العادل للثروة، وأحرزوا جوائز نوبل لذلك، كالهندي آمارتيا سن والأمريكي جزيف ستيغليتز، وكان آخرهم البريطاني آنغس ديتون الحائز على نوبل 2015.

ومع ذلك، فإن المتصفح لتقرير "كريدي سويس" الأخير، يجده متفائلا بتواصل نمو الثروة العالمية، رغم أنه يشير إلى التفاوت الصارخ في توزيع هذه الثروة، ما جعل من الأمريكي أغنى 75 مرة من الأفريقي.. فكيف يمكن للعالم أن يزداد غنى وفقرا في الوقت ذاته؟

الأمريكي أغنى 75 مرة من الأفريقي

على الرغم من أن موارد الكوكب تكفي البشرية جمعاء، إلا أن الفوارق الاجتماعية والاقتصادية تبقى تميّز عالمنا المعيش، لأسباب يعود بعضها إلى بنية النظام المالي الدولي، وبعضها الآخر إلى علاقات الهيمنة بين الفواعل الدولية، دون إغفال العوامل الداخلية من نزاعات وحروب أهلية، وفساد وتبعية، وما إلى ذلك من مقوضات الإقلاع الاقتصادي في دول قد تملك من المقومات ما يسدّ حاجياتها القومية ويزيد.

ومن التقارير التي أكدت هذا التفاوت في توزّع الثروات على الأمم، تقرير "كريدي سويس" الأخير، الذي يفيد بأن متوسط ​​ثروة شخص بالغ في أمريكا الشمالية يعادل حوالي 75 ضعفا متوسط ​​الثروة في أفريقيا والهند مجتمعتين، وأكثر من 15 مرة من متوسط الثروة في الصين وأمريكا اللاتينية. كما أن ثلاثة أرباع ثروة العالم مركزة في 15 دولة.

ومن المتوقع أن تواصل الثروة العالمية نموها بمعدل سنوي يصل 6.5٪ في السنوات القادمة، ليبلغ 345 ألف مليار دولار أمريكي سنة 2020، أي بنسبة 38٪ فوق المستوى الحالي للثروة العالمية.

وستبقى الولايات المتحدة الأمريكية بشكل لا يرقى إليه الشك في المقام الأول مع ما يقرب من ثلث التراث العالمي. مثلا، يعيش الولايات المتحدة الأمريكية 20680000 ثري (بزيادة تقارب 15٪ مقارنة بـ2014).

ويعتمد التقرير على تعريف لمفهوم الثروة على أنها "قيمة جميع السلع والمدخرات والعقارات، بعد انتقاص جميع الديون". وحسب "كريدي سويس" فإنه لكي يصبح المرء جزءً من النصف الأغنى من السكان البالغين في العالم، فإنه يحتاج إلى 3210 دولار بعد خصم الديون. وللوصول إلى فئة الـ 10٪ من أغنى الناس في العالم، يحتاج إلى 68800 دولار، أما للانتماء إلى الأكثر غنى فيجب بلوغ معدل 759900 دولار.

الصين تحقق في 15 سنة ما حققته أمريكا في 33 سنة

يلاحظ التقرير أن الدول النامية هي التي تملك العوامل الرئيسية التي تحفّز الزيادة المطّردة للثروة. ومن المتوقع أن نرى حصة هذه الدول من التراث العالمي ترتفع  من 17٪ كما هي الحال اليوم إلى 19٪ بحلول عام 2020.

ونجد أن الصين والهند قد ضاعفتا حصتهما من الثروة العالمية إلى 10.5٪ على مدى السنوات الـ15 الماضية.

وقد سجلت الصين نموا قويا بشكل خاص: ففي عام 2000، كان حجم ثروتها مماثلا لتلك التي في الولايات المتحدة سنة 1939. وخلال خمسة عشر عاما التالية، وصل إلى مستوى بلغته الولايات المتحدة في عام 1972 (أي بعد 33 سنة) وثروة الأسر في البلاد يمكن أن تستمر في النمو بمعدل أعلى مما كان عليه الأمر في البلدان المتقدمة. ولذلك، يتوقع أن يصل عدد المليونيرات الصينيين إلى 2.3 مليون بحلول عام 2020، أي بزيادة قدرها 74٪ مقارنة مع عددهم الحالي.

على الصعيد العالمي، يتوقع أن يرتفع عدد المليونيرات بنسبة 46٪ خلال السنوات الخمس المقبلة، ليبلغ 49.3 مليونا من الأشخاص البالغين، بما في ذلك 22 مليون في أمريكا الشمالية، 15.5 مليون في أوروبا و8 ملايين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (باستثناء الصين والهند)، بمعنى زيادة بـ15.5 مليون مليونير في خمس سنوات فقط. ويلاحظ بأن هذه المجموعة من أصحاب الملايين لا تمثل سوى 0.7٪ فقط من مجموع السكان البالغين في العالم.

ثمن اللا مساواة

ولكن كيف يمكن قراءة هذه الأرقام بطريقة أكثر واقعية؟ مثلا، هل يدلّ وجود أكثر من 20 مليون شخص فاحش الثراء في الولايات المتحدة الأمريكية على صحة جيدة يعيشها المجتمع الأمريكي؟ في هذا الصدد، يمكن أن نستشهد برأي البروفسور جوزيف ستيغليتز، الأستاذ في جامعة كولومبيا في نيويورك وصاحب جائزة نوبل للاقتصاد 2001 ورئيس قسم اقتصادي في البنك الدولي، حيث يقول في تقديمه لكتابه الشهير "ثمن اللا مساواة":

"سننتهي حتما في مجتمع منقسم. في كتابي، أقدم تصورا كيف يمكن لمجتمع أن ينقسم كما أقدم شرحا كيف يمكن لاقتصاد غير منتج أن ينهض في ظل عدم المساواة في الولايات المتحدة، هذا يعني أن الشباب الذين ولدوا من آباء فقراء لن تكون أمامهم فرصة للعيش الكريم إذ من الممكن أن يفقدوا الكثير". ويضيف: "عندما يكون هناك مجتمع منقسم كما هو الحال في الولايات المتحدة يصعب وضع سياسة جيدة في نظام ديمقراطي".

أما الأمريكي البريطاني آنغس ديتون الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد السنة الماضية، تقديرا لبحوثه حول تحليل الاستهلاك والفقر والرفاه، فقد أشار إلى أن تدفق اللاجئين والمهاجرين الذي تشهده أوروبا "هو نتيجة التنمية غير المتكافئة بين دول العالم على مر مئات السنين"، وأن الحد من معدلات الفقر في الدول الفقيرة هو أساس للحد من أزمة الهجرة الحالية.

فقراء.. من ذهب

إن رؤية الثروة تتنامى في العالم ككل، أو في دول بعينها مثل الهند والصين، أو حتى الولايات المتحدة الأمريكية، لا يعني بالضرورة أن الفقراء في تناقص، لأن مقياس ثروة الدولة لا يعني بالضرورة أن هذه الثروة موزعة بطريقة متكافئة على جميع مواطني الدولة. هذا ما جعل "مبادرة أكسفورد للفقر والتنمية البشرية" تعتمد على أكثر من معيار في إنجاز "المؤشر متعدد الأبعاد للفقر".

ولعل الملاحظ هو ازدياد ثروة الأقلية على حساب الأغلبية، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاقتصاد الوطني والعالمي. إن الاعتقاد بأن الفقر يتعلق بالمال فقط، اعتقاد لا يرقى إلى مفهوم الكرامة البشرية، فالفقر ذو علاقة وطيدة بالصحة والتعليم ومستوى المعيشة، وهي قضايا في صلب الإنسان. فكيف يمكن لدول ترافع من أجل حماية الحقوق السياسية للشعوب أن تتغاضى عن حقوقها التنموية؟ أم أن فقراء العالم هم الدجاجة التي تبيض ذهبا ولا يمكن للأثرياء الاستغناء عن وجودهم؟

 

*باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية بجامعة الجزائر

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز