عاجل
السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
الحرب الباردة في الشرق الأوسط.

الحرب الباردة في الشرق الأوسط.

بقلم : د. صلاح الدين محمد

واقع الأمر أن هناك تحرك عسكري غير منتظم وغير مُحدد الوجهة سواء من جيوش عربية أم جيوش غربية منتظرة، كما أن هناك بؤر توتر في الشرق الأوسط وكأننا على أعتاب حرب قادمة تنساق إليها الدول الكبرى في منطقتنا العربية وكأننا نتحدث عن شرارة حرب عالمية يستعد لها العالم طوعاً أو كرهاً، لكن من منظور شخصي، فإن كل ما يحدث الآن على الساحة العربية هي سايكس بيكو جديد وبعد أن ينتهي الغليان على الأرض وتنتهي موجات الصدام والمشاحنات، سنصحو على واقع جديد في أغلب الظن لنرى أمامنا أحدث خرائط للعالم العربي تُنشر بيننا ولنا الأجر.



أدوار تم توزيعها من الدول الكبرى على نفس الدول المرشحة لسيناريو المفعول به، وهي تدار بكفاءة واقتدار، وواقع الأمر يشير بالتجربة أنه إذا كانت الأمور ساخنة في الشرق الأوسط وإسرائيل ليس لها صوت، فانتظروا مفاجأت تاريخية، فالدول تُساق من خلال كواليس إسرائيل أحد أهم عناصر التخطيط فيها وغيرها يقوم بالتنفيذ ولو من أبنائنا بشكل غير مباشر.

تحرك الدول العربية في تكوين درع عسكري موحد يبدو خيالاً وأغلب الظن أن ظاهره واقع ولكن المشكلة تقع في تفصيلاته، فهو غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع لإعتبارات كثيرة لايتسع المجال لها الآن ولكن منها على سبيل المثال أن عقيدة دول العالم العربي القتالية تختلف كما أن المقاصد أيضا تختلف، وكل ما هو مُختلف في عالمنا العربي لايمكن البناء عليه، هي جينات غير قابلة للتغيير، ولهذا يصعب بل قد يندر تكوين موقف عربي مشترك في أي محفل، وقد يدَّعي البعض أن مكر الغرب يعرقل مسيرة العرب، وهذا رأي له وجاهته، ولكن الطبيعة العربية هي ما يفتح شهية الغرب للمكر بها واحتوائها على مسيرة تاريخها.

الحرب، ولو أن المرجح إطلاق اسم آخر عليها، تبدو مستعرة في اليمن ضد الحوثيين، كما أن طبولها تدق على البوابة الإيرانية العربية، وهذه في واقع الأمر ليست حرباً، وإن تجاوزنا ووصفناها بإنها كذلك، فهي حرب استنزاف ليس إلا، والمال فيها هو العنصر الأساس كمصدر وقودها ولب المستنزف فيها.

واقع الأمر والتجربة يشير إلى أن العالم العربي لم يخض حربا بعد، ولو خاضها لاختلف سائر بلاده في مقصدها والمرجو منها، لهذا لا نعول كثيراً عن أي نصر مرجو منها. الجيوش العربية تستهلكها عصابات داخلية ومآرب دولية ورغم تكدس السلاح ووفرة المال إلا أن حروبنا لانصر فيها ولا هدف.

في الجوار العربي جار عنيد مزعج بالفعل، ولكن لايمكن الخلاص منه. ففي علاقات الجوار ربما ترمي لك أقدارك جاراً مزعجاً عليك التعامل معه وخاصة أنك وهو على ملعب دولي لايمكنك أن تغلق بابك عليك. إذاً التعامل هو الأساس، وهذا تقريباً ما فشلت فيه الكثير من الدول العربية في احتواء جار مزعج. فالمشكلة التي لم يتدرب عليها العقل العربي بعد هي مشكلة الإحتواء، فمن الجلي أن أحد من دول العالم العربي استطاع على مر عقود من احتواء ازماته أو احتواء الآخر بشكل ناجع. المواجهة الفاشلة دائماً ما تبدأ من البوق الإعلامية في عالمنا العربي التي تصور الآخر على أنه شيطان عند الإختلاف، وتصور الذات على أنها رأس الحكمة. وبالتالي يتشكل وعي شعبي وهمي أن الآخر بالفعل شيطان ينبغي محوه من الوجود فقط على القنوات الإعلامية لأن للقنوات السياسية كواليس أخرى لايعلمها الوعي الشعبي!!

طبيعة الجار الإيراني طبيعة استفزازية ملتوية لايمكن أن تستقيم طالما يديرها ملالي كانوا بالأمس عناصر فرقة وفتنة لشعوب غضة لم يكن لديها الوعي الكاف لمعرفة ما تلعبه الملالي من وراء حجب. واستغلال الدين للحشد والتجييش بل وتكوين أذرع طويلة داخل بعض الدول العربية جعل من الدين المحرك الأساس لحالات عدم استقرار إقليمي استطاعت إيران فرض سياجه علينا فقط لغياب العقلية التي يمكنها التعامل مع جار كإيران. إيران ومنذ استقرار ثورتها الإسلامية، أصبحت خطراً "افتراضياً" أثار مخاوف الجيران العرب دون مبرر. فالعرب غالباً ما يلعبون دور الحكيم المظلوم الذي بحكمته يصبر على أذى الآخر لأنه سيدحره بحكمته في الوقت المناسب، وهذا الوقت المناسب في واقع الأمر ليس له وجود في عقلية عربية أصابتها تخمة الترف الذي بسببه تتحول من مدافع عن قضاياها إلى مستأجر لمن يدافع عنها، فتصبح عقلية رهينة لكل الأطراف، وبمنتهى الحكمة!

إذاً ما العمل في أجواء مشحونة داخل العالم العربي وعلى حدوده؟ الحل هو تغيير العقيدة العربية من جذورها، كما علينا دراسة فن الواقع في التعامل مع الغير، فيبدو أن العالم العربي بما له من مدخرات وما كدسه من سلاح لقادر على أن يقود حرباً عالمية يخرج منها سيداً جديدا للكون، لكن شيء من هذا لن يحدث لأن العقلية العربية هي العائق الأساس لأي تطور على الأقل في الجيل الحالي.

 في العلاقات العربية الإيرانية، نحتاج دائماً إلى الحكمة في واقع الأمر وليس الإدعاء بأننا نملكها. فلا ندعي الحكمة في محيط جله يدعيها. فإيران رأس الحكمة في عقيدة ملاليهم، والعرب حكماء "بالفطرة" على مر تاريخهم، ولكن كلا الطرفين يسفه الآخر بما ينسف نظرية حكمة أيهما، وهذا مضحك، ولكن مايميز إيران أنها دائمة الإستفزاز لجيرانها العرب وتلعب على البارد في حرب أكثر برودة إما معهم فرادى أو معهم جميعا، كما أنها تعلم كيف تُجند لنفسها أذرع داخل الكثير من الكيانات العربية إما في خفاء أو علن من خلال التجارة وبعض قنوات التعاون الإقتصادي. أما ما يخص العرب فمن العقل أن نترك الأمر لحكمتهم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز