عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الرئيس عبدالناصر كاتبًا

الرئيس عبدالناصر كاتبًا

بقلم : محسن عبد العزيز
 
لست أزعم أنني أعرف نفسي، فتلك منزلة في المعرفة لا يبلغها بشر، فإن الناس ليعرف بعضهم من حقائق بعض، أكثر مما يعرفون من حقائق أنفسهم، وذلك بعض فضل الله علينا وعلى الناس.
 
فلو أن إنسانا عرف نفسه العرفان الحق، لطاش وضل، أو لقعد به اليأس عن كل محاولة، ومن أجل كل ذلك أخفى الله عنا بعض حقائق نفوسنا.. هذا ما كتبه الرئيس جمال عبدالناصر في كتاب الهلال عام ١٩٥٥، الكتاب الذي أشرف عليه الدكتور طه حسين، حيث كان يقوم على سؤال: "ما مذهبك في الحياة!".
 
وصدر الكتاب بعنوان "هذا مذهبي"، وتم طرح السؤال على العديد من الشخصيات السياسية والإبداعية في مصر والعالم، مثل أحمد لطفي السيد أستاذ الجيل، وطه حسين عميد الأدب العربي، والدكتور رالف بونش -الحاصل على جائزة نوبل للسلام- ونحو أربعين شخصية أخرى، منهم الرئيس جمال عبدالناصر الذي ظهر في المقال فيلسوفًا يغوص داخل نفسه، لكنه لا يشبع نهمنا؛ لما نود أن نعرف عنه بقلمه يقول: "كم مرة خلوت إلى نفسي أفكر في شأن من الشئون، ويذهب بي الفكر مذاهبه من قريب ومن بعيد، حتى انتهى من التفكير إلى رأي، ثم ينتهي الرأي إلى إرادة وخطة، ولكني انتظر برهة لأسأل نفسي: "لماذا أردت هذا؟ ما هي أسبابه ودوافعه؟ فلا يلبث الجواب أن يأتيني بغير ما كنت أظن، أو بعكس ما كنت أظن، ذلك لأننا نعرف على وجه اليقين ما نريد لكننا لا نعرف في كل وقت أسباب هذه الإرادة؛ لأن أسبابها الحقيقية وراء النفس، ووراء الزمن، ووراء المادة، بل قد تكون أسبابها الحقيقية ضاربة في جذور الزمن إلى آماد سحيقة في القدم، قبل أن نولد، أو يكون لنا وجود مادي على هذه الأرض. إن بعض إرادتنا هي مواريث أجيال عريقة في القدم، تحدرت من أصلاب آبائنا جيلًا بعد جيل حتى انتهت إلينا، فاتحدت منها في نفوسنا عناصر من الماضي البعيد، بعناصر من الحاضر الماثل، وتفاعل بعضها مع بعض تفاعل المادة في المعمل الكيميائي، فكان من تفاعلها إرادة، بعض أسبابها في أيدينا وفي محيط إدراكنا الواقع، وبعضها من البعيد البعيد وراء الزمان والمكان والمادة والحاضر الملموس.
 
تلك هي الحقيقة الأولى التي آمنت بها، وثمة حقيقة أخرى جعلتها دستور حياتي هي أن أفرق بين الإرادة الإيجابية والإرادة الحالمة…
 
وقد بدا لي في بعض ما مر بي من صور الحياة المصرية ظاهرة خطيرة، هي أن الأخلاق والمثل العليا ليست هي دائما الطريق إلى النجاح، بل لقد بدا لي أن أهل الفساد في أحوال كثيرة أقرب إلى النجاح في الحياة من أهل الخلق والفضيلة.
 
وقد آذتني هذه الظاهرة ايذاءً شديدًا، ولعلها كانت خليقة بأن تزلزل إيماني بالفضيلة والمثل العليا لولا عصمة الله، وكان الجواب الذي ردني إلى الحق هو: أن نجاح الفرد في الجماعة غير نجاح الفرد للجماعة، فالنجاح الأول زيف والنجاح الحق هو نجاح الفرد للجماعة.
 
ومن هنا أخذت الحقيقة الثالثة التي أومن بها وهي أن الغلبة دائما لا تكون إلا للعمل الخالص للخير، ويختتم مقاله: بأن هذه الحقائق هي دستور حياتي وأرجو أن أعيش على هداها ما حييت.
 
ونلاحظ على مقال الرئيس عبدالناصر أنه أقرب إلى أسلوب طه حسين منه لإسلوب هيكل، الشيء الغريب أن الدكتور طه حسين لم يكتب ولو إشارة بسيطة - في المقدمة- عن كيفية عرض الفكرة على الرئيس عبدالناصر، ولا عن رد فعله، ولا المدة التي استغرقها الرئيس في كتابة المقال ولا كيفية إرساله، لكن الشيء الجميل أن الدكتور طه حسين تعامل مع مقال الرئيس كأي مقال داخل الكتاب، فلم تتم أي إشارة له على الغلاف، وحتى المقدمة خلت من أي إشادة أو إشارة للمقال، المجاملة الوحيدة للرئيس كانت في ترتيب المقال ليكون الأول في الكتاب، وهي ليست مجاملة وإنما مهنية.
 
كما جاء مقال الدكتور طه حسين رقم ٨ في الكتاب، لم يتصدر ولم يضع صورته وهو يسلم على الرئيس، برغم أنه طه حسين، ولو فعل ذلك لقبلنا منه.
 
 
من الممكن أن نختلف في أشياء كثيرة مع الرئيس عبدالناصر، لكن لا شك أنه كان كبيرًا يحيط نفسه بالكبار، بينما نظرة واحدة على المتحدثين باسم الرئيس في "برامج التوك شو"، تقول إننا انحدرنا إلى آخر مدى. رحمتك يا رب.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز