عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
دولة «خرقة» المطبخ

دولة «خرقة» المطبخ

بقلم : محمد مصطفي أبوشامة

ندرك جميعًا دورها المهم والحيوي في نظافة الأسطح والموائد وجمع ما تيسر من قاذورات منزلية سائلة أو صلبة، ورغم أن المناديل الورقية تستنزف جزءًا معتبرًا من ميزانية كل أسرة بعد انتشارها وكثرت استخداماتها وتعدد أنواعها، فإن «الخِرقة» أو كما يسميها العامة «شرموطة» المطبخ لا تزال تلعب دورًا مؤثرًا في الحياة المصرية، ينافسها في ذلك الممسحة أو «الخيشة» التي لم تقدر «الشرشوبة» و«الجردل أبو معصرة» على أن يزحزحاها عن عرشها كملكة متوجة لنظافة الأرضيات.



وعندما أطلق المصريون لفظ الـ«شرموطة» على هذه القطعة القماشية القديمة التي استغنت الأسرة عنها، فأعادت تدويرها وتوظيفها باستخدامها في عملية التنظيف المنزلي، لم يكن في نيتهم السب أو اللمز أو الإيحاء، بل أعتقد أنهم منحوا هذه «القماشة» تقديرًا خاصًا بهذا اللفظ، الذي يبدو محببًا، وخصوصا في بعض المناطق الشعبية، ويتبادله الجميع إناثًا وذكورًا (بعد حذف تاء التأنيث) وهم مبتسمين، أما ذكره في الأوساط الراقية فيكون مرتبطًا بالجنس اللطيف، ولا يجد البعض من علية القوم غضاضة في الارتباط بصاحبة الوصف المعتبر، بل والزواج منها، والتاريخ القريب والبعيد شاهد على ذلك بقصصه الملتهبة.

لهذا لم يكن غريبًا أن يتعايش المجتمع مع «خرق» بشرية، ظهرت على استحياء على هامش الدولة في كل عصر، قبل أن يصبح وجودهم وانتشارهم في سنواتنا الخمس الأخيرة مميزًا وواضحًا في شتى المجالات، حتى بلغ استخدامهم في أدوار عظيمة وكبيرة فتصدروا مراكز البطولة في أكبر المناصب وأشهر المنابر، بارزين في أعمالهم متصالحين مع أنفسهم فخورين بأدوارهم.

لا يجرؤ أحد على انتقاص قدر أي «خرقة» في أي موقع، ومثلما أدركت الشعوب قديمًا دور «شرموطة» المطبخ في التلميع وإزالة الأوساخ، استسلم الناس حديثًا لأدوار «خرق» المجتمع، بل شعروا بالشفقة عليهم لإدراكهم بوجود أيدٍ تمسك بتلابيبهم وتحركهم على الأسطح كيفما تشاء، وهم صاغرون ومستسلمون.

لا أقصد أبدًا إساءة لأي ما كان.. سواء دكتور أو إعلامي أو مستشار أو حرامي، لا فرق في المهن أو الأسامي، دعونا فقط نتأمل في المعاني، لندرك حجم الكارثة.

لقد نسينا (أو تناسينا) مناشف المنزل النظيفة.. الطاهرة.. المحترمة، وأصبحنا نجفف وجوهنا بـ«خرق» المطبخ العطنة، والمثير للسخرية هو أن البعض أسقط تاريخ «الخرقة» وتناساه، وتجده (يولول) ويصدعنا بقرفه منها عندما يقربها من أنفه ويكتشف «نتانة» رائحتها، بعد أن يكون قد مسح بها وجهه ونقل كل «وساختها» إلى نفسه.

وأخيرًا، لا أملك إلا أن أذكركم بالعبارة الشهيرة التي تعلمناها في الصغر: «النظافة من الإيمان»، متمنيًا أن نستعيد علاقاتنا مع المناشف النظيفة أو المناديل الورقية (مضمونة التصنيع)، ليكن ذلك جزءًا من حملة وطنية لمقاطعة «الخرق»، والقضاء على دورها في حياتنا.. حتى في المطبخ. فلقد أكدت الدراسات السياسية خطورتها على الصحة وأنها تسبب العقم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز