عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
«الكواكبى» قلم ضد رصاص السلطان!

«الكواكبى» قلم ضد رصاص السلطان!

بقلم : رشاد كامل

أصبح السلطان التركى الجديد «أردوغان» عدو الصحافة الأول بشهادة الصحفيين الأتراك ومنظمات الصحافة العالمية.



الصحافة التركية والمحطات التليفزيونية تعيش أسوأ مرحلة تشهدها تركيا منذ عهد السلطان «عبدالحميد» أشهر سلاطين الدولة العثمانية.

لا فرق كبيرا بين السلطان عبدالحميد والسلطان أردوغان، كلاهما كان يكره ويمقت ولا يطيق سماع كلمة «لا».. كلاهما كان يتفنن فى عقاب الأقلام الحرة والأصوات الجريئة التى انحازت لحرية الرأى والاعتراض على الاستبداد.

وأظن أن أحد دواعى إعجاب «أردوغان» بالسلطان «عبدالحميد» هو ما كان يفعله مع أصحاب الرأى، وكما طارد السلطان «عبدالحميد» الصحف وكتابها يفعل «أردوغان» نفس الشىء بامتياز!!

فى زمن السلطان «عبدالحميد» شاهنشاه ملك الملوك أو السلطان الأعظم والذات المقدسة وخليفة المسلمين وسلطان البرين وخاقان البحرين، وهذه كلها كانت ألقابه الرسمية، رغم أن الواقع كان يقول إن امبراطوريته العثمانية قد أصبحت «الرجل المريض»!!

وفى زمن الخوف والرعب حيث انتشر جواسيس السلطان بطول البلاد وعرضها، بل خارج البلاد ظهر المفكر الكبير «عبدالرحمن الكواكبى» الذى كان يتكلم الفارسية والتركية والعربية، وقارئا ممتازا.. كانت البداية عندما عمل بجريدة «الفرات» وكانت جريدة رسمية تصدر فى حلب، وسرعان ما تركها ليؤسس مع زميله «السيد هشام العطار» جريدة الشهباء، لم يصدر منها سوى خمسة عشر عددا ثم أغلقتها السلطات العثمانية بسبب مقالات «الكواكبى» الساخرة والمدافعة عن الحرية التى تندد بالاستبداد!! ثم جريدة «الاعتدال»!!

تعددت مقالات الكواكبى فهو يكتب مثلا: «الاستبداد والطغيان فى كل مكان، إنهم يستعبدون الناس ويخرقون القانون ويدوسون العدالة ويراقبون الصحف ويحجبون الحرية».

باختصار شديد كان «الكواكبى» يرى أن الاستبداد هو أصل كل الشرور، الشرور السياسية والاجتماعية والأخلاقية على وجه الخصوص!

الغريب أن والى حلب «جميل باشا» كان يظن أنه المقصود بهذه المقالات النارية، فقبض عليه بتهمة التآمر على الوالى لكن البراءة كانت فى انتظاره، ورغم ذلك تم وضعه تحت المراقبة ومنعه من السفر وتم نهب وسرقة أمواله.

وجاء وال جديد لحلب هو «عارف باشا» الذى اكتشف أن «الكواكبى» افتتح مكتبا للمحاماة للدفاع عن المظلومين والفقراء، فكان لابد من إسكات صوته إلى الأبد وتم تدبير مؤامرة بأنه يعمل على تكوين جمعية لمعاداة الدولة وأنه يحرض قناصل الدول الأجنبية على الدولة أيضا!!

وبعد محاكمة صورية صدر حكم «الإعدام» عليه وكان عمره وقتها لا يتجاوز الـ43 عاما!! ولم يقتنع بالحكم، بل صرح علانية بعدم ثقته بحكومة حلب وواليها، وقرر السفر إلى بيروت «متنكرا» تحت اسم مستعار.. وأمام محكمة التمييز فى بيروت صدر الحكم ببراءته!!

وبعيدا عن تفاصيل كثيرة فقد قرر الكواكبى الرحيل إلى مصر! لقد سبقه قبل سنوات مئات وآلاف الأحرار الذين طاردتهم عيون السلطان العثمانى وجواسيسه، فلجأوا إلى مصر لأنها تبعد عن السلطان بآلاف الكيلو مترات!!

وفى سرية تامة استقل الكواكبى الباخرة من بيروت إلى الإسكندرية ولم يصحبه سوى ابنه «كاظم» وحمل معه أوراقا كثيرة كان قد كتبها تحت عنوان «طبائع الاستبداد» سوف ينشرها فى الصحافة المصرية.

 

لكن لماذا مصر؟! ولماذا صحافة مصر؟!

الكاتب الكبير الأستاذ «محمود عوض- رحمه الله- فى كتابه «أفكار ضد الرصاص»، وفى فصل عنوانه «عبدالرحمن الكواكبى قلم ضد الرصاص» يقول:

«إنه سوف يقضى بقية حياته فى مصر، الحياة فى مصر.. مصر إن مجرد الاسم يؤدى إلى تدفق سلسلة كاملة من الأحلام فى خياله، إن مصر تحمل معانى كثيرة بالنسبة للكواكبى، مصر تعنى الفخامة، الهواء النقى الحرية، هكذا تبدو مصر من بعيد، فى مصر يستطيع «الكواكبى» أن يتكلم بصراحة، يعيش فى أمن، يتنفس بحرية، هذا يكفيه، أقل من هذا يكفيه، إن الكواكبى يكفيه أن تحتمله مصر، إنه لا يطلب من أحد التصفيق لآرائه، إن مجرد احتمال - مجرد الصبر عليه- يكفى!

بهذه المشاعر وصل إلى الكواكبى إلى المحروسة عام 1899 وسرعان ما توثقت علاقته بالشيخ «على يوسف» صاحب جريدة المؤيد بواسطة صديق مشترك هو المفكر السورى «الشيخ رشيد رضا» الذى كان قد هاجر من الشام إلى مصر طلبا للأمان.. وعلى صفحات المؤيد أكثر الصحف المصرية توزيعا فى ذلك الوقت، بدأ الكواكبى ينشر مقالاته النارية والملتهبة والجريئة بتوقيع «مجهول» وطوال شهور كان القراء يظنون أن كاتب هذه المقالات هو الشيخ «محمد عبده» ولكن مستحيل، لأن صحيفة «المؤيد» كانت لسان حال حاكم مصر الخديو عباس حلمى الثانى الذى كان على خلاف مع الشيخ «محمد عبده» وسرعان ما عرف الناس هذه المقالات كاملة عندما صدرت فى كتاب بعنوان غريب وطويل جدا، لقد كان العنوان يتكون من 19 كلمة، أما العنوان فهو «طبائع الاستبداد  ومصارع الاستعباد وهى كلمات حق وصيحة فى واد، إن ذهبت اليوم مع الريح، قد تذهب غدا بالأوتاد» محررها هو الرحالة «ك»!!

 

• ماهو الاستبداد؟!

كان السطر الأول فى الكتاب هو: ما هو الاستبداد؟! وهكذا راح الكواكبى يصول ويجول ويكتب مفسرا ومحللا فى كل ما يتعلق بالاستبداد: الاستبداد باسم الدين، الاستبداد باسم العلم، الاستبداد باسم المال، الاستبداد والأخلاق!!

لقد حرص الكواكبى على أن يكتب عن الاستبداد بشكل عام بل إنه يحرص على التأكيد بأنه لا يقصد مستبدا بعينه ولا حكومة بعينها، ورغم ذلك فقد فات على «الكواكبى» أمر فى غاية الأهمية، وهو أن عيون وجواسيس السلطان عبدالحميد كانوا يعرفون أن المقصود بهذه الكتابات هو السلطان نفسه ولا أحد سواه!!

وسرعان ما صدر أمر سلطانى تم تبليغه إلى جميع الولايات العثمانية بمنع كتاب الكواكبى من التداول، ولم يكتف السلطان عبدالحميد بمصادرة الكتاب، بل قرر مصادرة حياة «الكواكبى» نفسه والتخلص منه، بعد أن دعا صراحة العرب إلى الثورة على الأتراك!!

كان الكواكبى قد اعتاد الجلوس فى مقهى «يلدز» بحديقة الأزبكية وذات مساء وكان يصحبه ابنه «كاظم» أحس بتعب مفاجئ وطلب من ابنه أن يحضر له كوبا من الماء، وطلب حنطورا أسرع به إلى بيته فى الأزهر.

وفى الطريق كان الابن قلقا والأب يفكر كثيرا: ماذا جرى لك يا كواكبى لقد اعتدت أن تجلس فى هذا المقهى منذ سنتين؟! واعتدت أن تشرب فيه القهوة السادة كل مرة!! لماذا كانت القهوة غريبة المذاق هذه المرة؟! إن الفنجان كان طعمه غريبا، وهذه الآلام حلت بك بعد فنجان القهوة بنصف ساعة.. ماذاجرى اللهم اجعله خير؟!

وفى البيت بدأت الآلام تطارد جسد الكواكبى من الأمعاء إلى القلب إلى الصدر.. وبات واضحا أن هناك من وضع السم للكواكبى فى فنجان القهوة!! ولابد أن ذلك كله جرى بتدبير من السلطان عبدالحميد نفسه!!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز