عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الحكم في زمن الكوليرا

الحكم في زمن الكوليرا

بقلم : د. محمد فاروق

لا شك يُراودني في أن أسوأ حقبة يعتلي فيها الحاكم سُدة الحكم هي هذه الفترة الحالية التي تتسم  بالحرب الحقيقية المسلحة ضد الإرهاب ، والحرب المسلحة برؤوس الصواريخ المسمومة من الأفكار الراديكالية العفنة التي تستند وتتكئ دائماً وأبداً إلى أبيات الشعر للأدباء السابقين وترنيمات القهر من السلطة وارتداء ثوب المظلوم والغريب في بلده والمحروم من الرأي والممنوع من الكلام والحزن والابتسام ، إلى آخر تلك الصيغة القديمة التي يتم إسقاطها بهتاناً و زوراً على فترة غير ملائمة وغير مواكبة لهذه الآهات التي قيلت بصدق في زمن يستحق !



في ملف تيران وصنافير تجد المجتمع المصري منقسماً إلى ثلاثة أقسام ، مصري تتملكه العواطف تجاه أحقية مصر في الإبقاء على هاتين الجزيرتين ضمن السيادة المصرية ، وهذا القسم له كل الاحترام والتقدير ، فهو بالضرورة وطني مخلص لا يعيبه غياب التاريخ الذي كان مطروحاً داخل دواليب دولة مبارك ، أو قل " عزبة مبارك " . هذا القسم يرى دماء المصريين الذين جادوا بأنفاسهم الأخيرة في تلك المنطقة التي شهدت صراعاً حربياً عسكرياً في الفترة ما بعد الخمسينات ، مروراً بهزيمة 67 ، وصولاً إلى أكتوبر 73 ، وحتى يومنا هذا ، هذا القسم يعُز عليه العلم المصري المرفوع حتى وقتنا هذا على هاتين الجزيرتين ، كل التحية والتقدير لهذا الفريق الذي لا يحمل إلا العواطف ، وبكل أسف " الآنسة عواطف ليس لها محل من الإعراب في ديوان الحقوق " .

والقسم الثاني هو الفريق الذي استند إلى مجموعة وقائع ومستندات وافقت ثقته في الدولة الحاكمة ورئيسها ، فأقر بها ، وتجاوز الأزمة وراح يدقق فيما بعد انتقال السيادة لهذه الجزر ، وما هي المشاريع  التي ستعود بالنفع على بلاده جراء ترسيم الحدود و وضع نقاط الأساس وبناء الجسر ، وما يستتبع ذلك من مستقبل .

والقسم الثالث هو الفريق المحسوب على مصر بالخطأ ، وأرفض أن أترك العنان للقلم في وصف هذا الفريق ، فهو يقيناً أثبت للمصريين أنه رسول الكذب والتدليس واستغلال وانتهاز الفرص لخلق حالات الاحتقان ، وبشكل متتالي ومتتابع ، مستخدماً في ذلك أحقر الطرق ، ويدخل في هذا الفريق أنواعاً متعددة ، وصنوفاً متغايرة ومختلفة ، فمنهم الإخوان ، ومنهم الكارهين والمشككين في كل شيء طالما أنهم خارج اختيارات الدولة  بعيداً عن الترشيح  لدائرة المناصب والتكليفات الوزارية وغيرها ، وأصحاب الغرض ، والحالمين من الإعلاميين بأدوار أشبه بدور الراحل محمد حسنين هيكل في اللعبة السياسية ووجوده الساطع الدائم في بيوت السلطة والرئاسة العربية بشكل عام فضلاً عن المصرية بشكل خاص واستثنائي .

السيد إبراهيم عيسى يلعب دوراً يحتاج إلى إضاءة كاشفة وفاضحة لحجم الأكاذيب التي يسترسلها لسانُه ولُعابُه ، ويقوم ببرمجتها أكثر من مليون خلية دماغية ، لتظهر على شكل تشنجات وإشارات ساخرة تؤيد ما يقوله من أكاذيب بشكل بارع ! 

عيسى يبدأ حديثه منتقداً الدولة ، ويقول " نحن لن نتقدم بمستندات تُثبت صحة وجهة نظرنا ، ولكن يكفينا الطعن فيما قمتم بتقديمه لإثبات صحة وجهة نظرنا " .. ! و في الحقيقة عيسى دائماً يلعب تلك اللعبة ، في كل أطروحاته لا يقدم خطوة ، ولا يترك مجالاً لنقد فكرته بابتعاده عن تحديد الاستناد ، فقط يعمل على الطعن فيما يقدمه الطرف الآخر ، لعبة الأطفال في زمن تاه فيه الناس بين الحقيقة والنصب واللعب بالألفاظ !

في حديث عيسى يبدأ الخلط بالأوراق ، فلا تعلم ما إذا كان ينتقد الإعلام الذي انبرى في نشر عدد مهول من الوثائق التي تضمنت ما يمكن أن نعتبره وثائق ، وما لا يرقى إلا لكونه " شخبط شخابيط " ! ولا تعلم إن كان ينتقد الدولة وما قدمته من مستندات حتى موعد بث هذه الحلقة ! فيتحدث عن وثيقة موجهة من المملكة العربية السعودية للملك فاروق في الخمسينات ، ويقول " أين هذه الوثيقة والرد عليها يا كذابين يا مزورين " ؟! ... والحقيقة أن الدولة لم تتقدم ولم تذكر على إطلاق الكلمة وثيقة بهذا الشكل ! فإلى من كان حديث عيسى ؟ لا تعلم ولن تعلم عزيزي القارئ ! وما دخل الدولة في هرطقة الإعلام من هنا وهناك ؟! أم ستقولون أنه إعلام الدولة كما كنتم تقولون على توفيق عكاشة الذي أطاحت به الدولة من الدور العاشر ؟! أم ستقولون أن دوره انتهى والدولة أرادت أن تحرق هذا الكارت ؟! .. " ده انتوا حاجة صعبة جداً " !

ثم يعود عيسى ويقول " كل المستندات المقدمة تثير السخرية ، فهي خطابات صادرة من عفت ، إلى عصمت ، إلى مدحت " دونما رد أو شيء ملموس وقاطع ، فهل هذا ما تستندون عليه للتنازل عن الجزيرتين ؟ فالحمد لله أنكم لم تكونوا من الفريق الذي حرر أرض طابا من الإسرائيليين  ، وعندكم خطاب مبارك في 2010 الذي رد فيه على المملكة العربية السعودية برفض الطلب ! 

أولاً : عزيزي القارئ ، الحلقة موجوده ، وتستطيع أن تراجعها بنفسك ولا تعتمد على شخصي في تكوين قناعاتك ، بيني وبينك شريط الحلقة !

 ثانياً : كل الخطابات المرسلة من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية في ثمانينات القرن الماضي إلى الدكتور عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصري تم الرد عليها بما يفيد اعتراف مصر بأن السيادة للجزر سعودية ، ونرجو تعليق الأمر في نقل إدارتها لحين تصفية الأجواء والمناخ الأمني والسياسي  ! كل الخطابات الصادرة بهذا الصدد كان تحمل نفس الدلالة ، وعيسى لم يقرأها ولم يأت به إلى الاستوديو بالأصل ، ثم في تسعينات القرن خرج القرار الصادر من رئيس الجمهورية رقم 27 لعام 1990 بتحديد نقاط الأساس المصرية لقياس البحر الإقليمي والمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر، والذي أخرج بالفعل جزيرتي صنافير وتيران من البحر الإقليمي المصري ، وتم إيداعه الأمم المتحدة ! القرار تم إيداعه بالأمم المتحدة ، هل أقوم بتكرار الجملة السالفة مرة ثالثة ؟! القرار تم إيداعه بالأمم المتحدة ، فهل قامت السلطة المصرية والسعودية برشوة موظفي الأمم المتحدة حتى إذا ما قمنا بالاستفسار عن ذلك قالوا " بلى شهدنا " ؟!

ناهيك عن الخطأ الجسيم الذي يرتكبه " عيسى " عندما يتحدث عن ضرورة طرح الموضوع بالأصل على الشعب قبل إبرام اتفاق مع المملكة العربية السعودية ، وقبل  العرض على البرلمان ! وهذا الهياج والغباء ليس له محل من الإعراب إلا اللعب بعواطف القسم الأول الوارد في هذا المقال ! فالسلطة التنفيذية بموجب الخطاب رقم 27 لسنة 1990 لا تملك دستورياً إلا رفع الأمر للبرلمان المصري بعد إثبات صحة التوجه السعودي من خلال موافقتها المستندة للوثائق المتبادلة والمودعة بالأمم المتحدة ، الأمم المتحدة كالشهر العقاري ، وفي حال رفض البرلمان المصري هذه الاتفاقية أو وافق عليها ستعود السيادة بالتحكيم الدولي للملكة العربية السعودية ، ناهيك يا أستاذ عيسى عن أن مايسترو المفاوضات الخاصة باستعادة طابا الدكتور مفيد شهاب كان أحد اللاعبين الأساسيين في قرار الدولة المصرية الحالي ، فكيف تقول " الحمد لله أنكم لم تكونوا من الفريق الذي حرر أرض طابا من الإسرائيليين " ؟! وأين الخطاب الذي أشرت إليه في الحلقة ويتضمن رفض مبارك لإعادة السيادة للسعودية في 2010 ؟ أين هذا الخطاب ؟! أين يا رجل ؟ أخرج لنا به كي نمنع تلك المهزلة فوراً !

وعلى نفس المنوال يخرج علينا أكبر ناشر للفتنة في العصر الحديث " الدكتور نور فرحات " الذي قال عن مقتل الشاب الإيطالي ريجيني أنها حالة مصطنعة يراوده الشك فيها أنها من قبيل " بص العصفورة " !! فهل هذا عقل يؤخذ منه ويُرد ؟! ثم بصدد الاختلاف المجتمعي على موضوع الجزيرتين يقول : " الذين يدافعون بضراوة عن سَعوَدَة جُزر صنافير وتيران هم رجال الدولة وتابعيهم في البرلمان وإعلام الأمن والطامعين في مناصب من المفكرين والقانونيين وفلول نظام مبارك ، والذين يدافعون عن مصرية الأرض المصرية هم شباب الثورة والأحزاب الثورية والمثقفين والقانونيين الذين استعصوا دائما على الشراء " !! ثم اقترح جلالة الدكتور أن يتم عمل مناظرة بين مجموعة من أصحاب المصالح والطامعين في مناصب الدولة البائعين لأنفسهم كما وصفهم ، وبين الفريق الشريف المتمثل في شخصه وآخرين للوقوف على صحة أقوال أيُهما والاحتكام للشعب ! فهل ستقتنع برأي هؤلاء الطامعين الوصوليين ؟ أم أنها إعادة تدوير للفتنة ثم إعادة وصمهم وسبابهم مرة أخرى بعد المناظرة ؟! ثم أيها القانوني الجهبذ : ماذا ستفعل المناظرة في الإطار القانوني المُثبت داخل أروقة الأمم المتحدة ؟! أنتم تعلمون أنه لا طائل من كل ذلك إلا زعزعة العلاقات واضطراب الدولة وإثارة الفتن .

أنا أرى أن يتم تشكيل فريقين وإعدادهما إعداداً جيداً داخل معسكر مغلق لخوض الدورة الرمضانية التي ستكون جائزتها تلك الجُزر !! إنه الحُكم في زمن الكوليرا .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز