عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ديمقراطي والعياذ بالله !

ديمقراطي والعياذ بالله !

بقلم : عاطف حلمي

 
  هناك رواية ذات مغزى تحكى عن استاذ الجيل أحمد لطفي السيد، تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، أو ما نطلق عليها "الحقبة الليبرالية"، حيث كان أحمد لطفي السيد مرشحاً لعضوية البرلمان وعندما وجد منافسه أنه قاب قوسين أو أدنى من الفوز بالانتخابات، استغل بساطة الناخبين وقال في أحد لقاءاته الانتخابية إن "أحمد لطفي السيد ديمقراطي والعياذ بالله"، مما يعني أنه كافر، ولم يعلم أحمد لطفي السيد بما حدث حتى وقف أحد الناخبين في مؤتمر انتخابي للسيد وسأله "هل أنت ديمقراطي؟"، رد استاذ الجيل بكل تلقائية واعتزاز "نعم أنا ديمقراطي"، فأنفض الحضور وفاز الخصم بمقعد البرلمان لأن أحمد لطفي السيد "ديمقراطي والعياذ بالله".
 
تشويه
 

ما أشبه الليلة بالبارحة مع اختلاف التهم والمسميات، فأصبح الشائع لدينا الآن هذا "عميل"، وذاك "خائن"، وفلان يحصل على "تمويل أجنبي"، وعلان "مرتزق"، وترتان يأخذ أوامره من هذه السفارة أو تلك، وغيرها الكثير من التهم التي بلا بينة ولا دليل فالمهم التشويه لا لشيء سوى أن هذا الشخص أو ذاك اختلف معك في وجهة النظر، أو عارض فكرتك وانتقدها، أو انتقد الحكومة فوجدها مطبلاتي فرصة للتكسب والتسلق وما أكثر هؤلاء الذين يشبهون الدبة التي قتلت صاحبها من فرط نفاقهم.
 
تخوين

 
الأمر جد خطير ويهدد المجتمع بأكمله بالانهيار، ما لم يكن منهاراً أصلاً، فلم يعد لدينا القدرة على قبول الرأي الآخر من دون تخوين أو إساءة وسباب وشتائم.
 
تحضر
 
كل شعوب العالم تسير للأمام بينما نحن نسير للخلف، فالجيل الحالي الذي يفترض أنه في عصر الفضاءات المفتوحة وتدفق المعلومات، أصبح متخلفاً عن جيل الثلاثينات والاربعينات من القرن العشرين، عندما كانت اكشاك باعة الصحف والمكتبات تعرض كتاب "لماذا أنا ملحد؟"، وبجواره كتاب "لماذا أنا مؤمن؟"، ولم يسب أحد الآخر ولم يلق عليه قنبلة أو يغتاله بسيارة مفخخة أو يتهمه بأفظع الألفاظ، ولم يؤد كتاب "لماذا أنا ملحد؟" إلى إلحاد المجتمع، ولم يكن وجود كتاب "لماذا أنا مؤمن؟"، سبباً في أننا أصبحنا شعباً معصوماً من الخطأ، لكن المؤكد أننا كنا شعباً أكثر تحضراً واستنارة مما نحن عليه الآن.
 
كارثة

 
الكارثة أن البعض يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة وحدهم،  يمنحون بموجبها صكوك الوطنية، ويصدرون اتهامات التكفير ويعلقون مشانق التخوين، لتسود نزعة الإقصاء والفرز، فلم تعد الأفكار والرؤى تقبل القسمة على اثنين، فضاعت التعددية وساد شعار "إما معي أو لاشيء".
 
مصيبة

 
والمؤسف أن من يفترض فيهم أن يكونوا النخبة وقاطرة المجتمع هم أول من يمارس تلك التصرفات الاقصائية، ولعل ما نراه على بعض الفضائيات من صراخ وشتائم وسباب وطعن في الأعراض أبرز دليل على حالة الانحطاط الفكري التي نعيشها، والمصيبة أن من يعتمد على السباب والتسجيلات والتنصت والتخوين بمناسبة ودون مناسبة هم نجوم الشباك الذين يتصدرون هذا المشهد الكئيب.
 
ارهاب فكري
 
والآن نعيش مرحلة الإرهاب الفكري والقمع المعنوي، بل والعنف البدني والإيذاء الجسدي، وما نراه من حالات بلطجة وغياب لسيادة القانون ليست وليدة الصدفة وليست زرعاً شيطانياً، بل هي ثمار مرة ونتائج طبيعية لثقافة مجتمعية ترفض الآخر إلى حد التكفير والتخوين، وتجاهلنا أن الحياة لن تستقيم ولن تسير ما لم يكن التواصل بين مختلف فئات المجتمع في الاتجاهين، وأن يصبح الحوار المجتمعي وسيلة راقية لحل قضايانا، فالحياة "هات وخد"، وإلا اصيب المجتمع بالكبت والاختناق والنتيجة الحتمية هي الانفجار وساعتها لن يجدي البكاء على اللبن المسكوب.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز