عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
احذروا مُسيلمة وأبناء عزازيل في ملف التعليم

احذروا مُسيلمة وأبناء عزازيل في ملف التعليم

بقلم : د. عصمت نصار

تعد عقيدة التناسخ والخلاص من عجلة الميلاد من الأفكار الرئيسة التي شغلت الفلسفة الهندية. وخلاصة هاتين الفكرتين: أن الإنسان يولد مُحمل بميراث الأجداد وأفعالهم التي حالت بينهم والرجوع ثانية لأصلهم المجرد، حيث المنشأ الإلهي النوراني الخير. وتتفاوت أحمال المستنسخين- اللذين يخضعون إلى تكرار عجلة الميلاد- تبعاً بثقالها فبمقدار ذنوبهم تتحدد طبائعهم وصورهم في كل مرة، وعلى الإنسان الذي يريد الخلاص أن يتطهر من ذلك الموروث.                                                    



والغريب أن شخصية مُسيلمة الكذوب نجدها شاخصة أمامنا في كل العصور، متمسكة بكل ما تحمله من كذب وخسة ونفاق وفحش وحمق، ومن الطبيعي أن نجد في صحبته أبناء عزازيل- اللذين استحالوا من تيس للخلاص في الأساطير القديمة والعبرية إلى رؤوس الضلال في الثقافة العربية- وهم عصبة الخوارج بتمردهم وحقدهم وتأمرهم وتعصبهم ونرجسيتهم وتعالمهم وكيدهم للأغيار، واستحلالهم كل الموبقات والرسائل الدنيئة لتنفيذ أغراضهم ومأربهم.

  ومن المؤلم وجود هذين النموذجين في جل مؤسساتنا، ولاسيما المعنية بالعلم والتعليم. وعلى الرغم من تحذير الأنبياء والفلاسفة والحكماء من شرهم (لا تعلموا أبناء السفلة- أي شرار الطبائع والفعال- العلم حتى لا يفسدوه بطبائعهم الخسيسة، ويضلوا من يجلسون لهم بآرائهم الخبيثة ويفشون الشر بأعمالهم النجسة). إلا أن المعنيين بإصلاح التعليم لم يفطنوا إلى ذلك، فنجد مُسيلمة في صورة الجالس في حلقات العلم ليفسدها، فهو الغشاش والمدلس والسارق والمنافق المتملق لأساتذته شأن الأفاعى، حتى يصعد على أكتافهم، ثم يحتال عليهم ويلتف حول أعناقهم ليقسط نواصيهم. ومنهم ذلك المتاجر في المعارف دون أن يتمكن العلم من سريرته فيطهرها، فيجلس على كراسي العلم المزورة ويعتلى المنابر دون استحقاق، ويقضي في أمور هو أجهل الناس بها، ولا غاية عنده إلا المنفعة المباشرة، دون تقدير لعواقب ما يفعل وأثر ذلك على الأغيار.                                                                                           

ومن المؤسف أيضاً أن نجد مُسيلمة وعصبة عزازيل في طليعة الصفوف يعصفون بكل من يحاول فض أمرهم أو تخليص الناس من شرورهم وكف أذاهم- فالمعلم الكسول والخائن لشرف مهنته والمتاجر بحرفته والجاحد لأستاذته والعاقر لمعلميه، وكذا الجالس على منصة النقد ليحكم ويقيم ويمنح الشهادات والإجازات والمناصب والترقيات دون حيدة ولا موضوعية مغلباً الهوى والصحبة والعشيرة- فهو بلا شك فيهم.                                                        

 ومن الأمور المثبطة للإصلاح أن نجد عشرات الأصوات تنادي بميثاق الشرف وتعلي من أخلاقيات المهنة وآداب المعلم والمتعلم دون جدوى، وقد فاتهم أن مُسيلمة وعصبة عزازيل غير مبدعين، ومن ثم يمكن التعرف عليهم رغم تخفيهم، فالعالم الحق هو الورع الحيي العادل الذي احتلت العفة كيانه وشغلت الحكمة عقله وحياته، وتتعدد النماذج تبعاً لقربها أو بعدها عن ذلك المثال، أي أن العلماء يدورون في فلك تلك الفضائل حتى يبلغونها.                          

لذا أحذر من التراخي أو المحاباة أو المجاملة في اختيار صناع القرار في ميدان العلم، ونرجو ألا يكون فيهم من هو على شاكلة (عبده زلط أو الصلت ابن الصلت)، فما أقبح أن يجتمع الكذب والتعصب والهوى والمحاباة، فضلاً عن الجهل فيمن نبتغي منهم العلم ونتخير منهم القدوة، وعلينا أن نتوخى الحذر من عصابات الشر التي تعيد تنظيم صفوفها لتندس في الجموع وبين الشقوق، لتثب ثانية على الرأس بعد إفسادها للقلب وشلها للعصب، فليس هناك أخطر من مزيفي الوعي والمتلاعبين بالعقول، والمتاجرين للدين.                                              

فإذا كان التاريخ لا يعيد نفسه، فإن الوقائع تتشابه والشخوص تتماثل في خصالها وفعالها. وإذا كنا نبتغي الإصلاح: فعلينا أن نحرث الأرض للقضاء على الديدان العالقة بالطمي، وأن ننظف سطح المرآة حتى لا تخدع حواسنا فنعتقد في صحة الوهم، وأن ننقي أذهاننا من جراثيم الفساد التي تسفع بالمبدعين وتنحي الأكفاء من العلماء بُغية الإفساد والتخريب.           

والتلميح أبلغ من التصريح، ومن أراد الإفصاح فعليه بابن جني فهو في علم المعاني وفك الرموز أحرف مني.                                                                              

ولا أريد من ذلك التحذير البكاء على اللبن المسكوب أو رثاء مجد تليد أو ترديد ترانيم التوبة والغفران من أجل الخلاص، بل الحث على تفعيل دستور بوذا (فالعمل الصالح والعلم المستنير هما المطهر والمخلص فخير الناس أنفعهم للناس). لذا جعل الله العلماء ورثة الأنبياء وهو دون غيرهم، أجدر بالاحترام وهم وحدهم أعرف بالله من سواهم. وإذا كان قد مضي عصر الأنبياء فهل لنا أن نأمل في ورثتهم، فنورث الفضيلة وننعم بالصدقة الجارية.      

أكرر ثانية أن من لم يستوعب درس الماضي فلن يفلح في اجتياز اختبار الحاضر، ولن ينجح في امتحان المستقبل، فطريق الخلاص من هنا.                                               

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز