عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هاحبك في الوقت الضايع..

هاحبك في الوقت الضايع..

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

في بعض الأحيان حين تطير عصافير الحديقة (كما يقول الأستاذ فاروق جويدة) يصادفك الغناء. وترى تلك الخميلة الجميلة التي قضيت عمرك تحلم بالمبيت في خلاياها ليلة واحدة. لكن القضية هنا أنك لم تعد تملك صلاحية الدخول، وأنك صرت موسومًا بأختام ملكية أشخاص وظروف لم تخترها ولن تذهب إليها. حلمت طويلًا أن تقع في الحب. وهاهو الحبيب الذي حلمت به يظهر أمامك بكل تألق وجاذبية حلمك. والأخطر أنه يقترب منك وبقوة. لأنك حلمه أيضًا. تفتّش في قلبك عن مكان فتجد الأماكن الخالية كثيرة ولكنها مملوكة لزوجة أخرى أو ربما عمل أو ربما سن عجوز تلازم شخصًأ ليس بعجوز. فتقف فترة لا تعرف هل تقبل على الحلم وتأكل من فاكهة الكرز الفتية حتى تتحول في أوردتك لخمر ينسيك الحيرة؟ أم ترحل مكتفيًا بأنك تحققت من أن الحلم ليس مجرد حلم بل حقيقة لكنك لا تستحقه؟



(كفاية إنه موجود.. حتى لو مش موجود عشاني)

وتكفي هذه الجملة حتى تقترب أكثر وتنغرس في علاقة جميلة معه تختاران لها شكلًا لا يعيبه أحد. كصداقة أو زمالة عمل أو حتى مجرد لقاء يومي في (الأسانسير) تتعمدان فيه انتظار بعضكما البعض كل يوم دون التصريح بذلك. ورويدًا رويدًا تشعر أنك تصغر حين تكبر. وأنك تعود لأيام مراهقتك التي تشكل فيها حلمك. وتستعد لبدء مغامرة جميلة لم تفقد جمالها حين تأخر ميلادها. إلا أنها إن ولدت لن تجد ما يطعمها.

(وفيها إيه لو أحس بوجوده أكتر مادام مش هأحبه؟ أنا أستحق مكافأة).

وبالفعل ستحتاج للمزيد من القرب، لأن البعد عنه لن يحل القضية، فالتجربة تثبت أنك تستطيع البعد بسهول عن الاشياء التي لا تعرفها، لكنك في الوقت الذي تعرفها فيه تحمل تجربتك معها أينما ذهبت، وهذه التجربة توجع في البعد عنها وجعًا يجعل وجع القرب منها رفاهية. أنت الآن تعرف أنه موجود بل ومتجاوب معك. كيف يمكن أن تقنعك مبادئك أن العالم ينتقم منك بحجة ظروفك؟ وإن كان ينتقم منك لماذا حقق حلمك؟ الأحلام لا تنتقم من أصحابها أبدًا. لأن كل الأحلام جميلة حين تولد.

(هأقابله مرة.. مرة بألف مرة)

وتتجاوبان للقاءات تصرحان لبعضكما أنها ليست بريئة.. تجتازان حاجز الخوف من الظروف والتقاليد والقلق. والغريب أن الأمور تسير عكس ما تظنان. تشعران بارتياح شديد وتبدآن في النوم بسعادة بدلًا عن الأرق والقلق الذي احتل المرحلة السابقة، بل والأغرب أنكما تكونان ألطف في معاملة كل من حولكما حتى زوجة أو زوج كل منكما إن وُجد. فالأمر ببساطة أنكما وجدتما ذلك التوازن الذي ضل الطريق إليكما أعوامًا وأعوامًا.

(خايف أحب.. ما اتعودتش أحب)..

عبارة تترجم شعوركما بعد فترة من اللقاءات المنتظمة المبهجة. لا يحتمل أي إنسان علاقة مزدوجة دون قلق. وتبدأ علاقتكما العلنية بالحياة تسوء وتضطرب. تطول فترة لجوئكما السياسي جدًّا لبعضكما. وتكثر وتطول لقاءاتكما. والحقيقة أنكما تحاولان البحث عن تلك الحياة الجميلة بينكما لأن حياتيكما الأخريتان لم تعودا جميلتان. أفسدتما الماضي بحاضر جميل. وأصبح كل منكما يطالب الآخر بحاضر يحقق مطالبه. لكن لن يقولها أبدًا. ومن ثم دون اتفاق تبدأ لقاءاتكما في التناقص عددًا ومدة. لكنكما تزدادان حبًا وشوقًا. لكنه شوق متكيف وصل لمرحلة من النضج تتفق مع تجارب خضتماها معًا. شوق لا يطلب الرؤية بقدر ما يطلب الشعور بوجود إنسان قريب جدًّا من القلب. وتخدعان نفسيكما بأنه الخوف من الحب.

(هأحبك في الوقت الضايع.. عشان مش عايزة أي وقت من عمري يضيع)

ويصبح أفضل الحلول أن تكونا قريبين لكن بما لا يخلع كل منكما من واقعه بصيغة (استئصال الجذور). داخل كل منكما حب كبير للآخر يمنعه من البعد ولكنه حب يعرف حدوده التي لن تتجاوز لقاء أو مكالمة هاتفية كل شهر أو عودة للقاءت (الأسانسير) اليومية السريعة. فهذه القلوب العطشى تريد أن تُروى لكنها تعقد هدنة مع العقل كي لا تفقد كل الماء مرة واحدة بكسر أوانيه.

(قلبك قوي طول ما هو بعيد.. خليك بعيد)

مهما حاولت البعد ستعود. لذا لا تقترب منذ البداية ولا تبحث عن حلمك حتى لو رأيته. فهذا الحلم حين يكسرك لن تستطيع البقاء حيًا بدونه.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز