عاجل
الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
الصعود المخيف لليمين المتطرف في النمسا

الصعود المخيف لليمين المتطرف في النمسا

بقلم : بهجت العبيدي البيبة


ساعات حاسمة هي تلك التي مرت على الشعب النمساوي ما بين الرابعة بعد ظهر الأحد الثاني والعشرين من مايو وحتى الخامسة من بعد ظهر أمس الاثنين، حُبِسَتْ فيها الأنفاس، انتظارا لإعلان الفائز بمنصب رئيس الجمهورية في جولة الإعادة من  الانتخابات التي تنافس فيها مرشح اليمين المتطرف نوربرت هوفر، ومرشح حزب الخضر إلكسندر فان در بللن، والتي كانت مؤشرات الجولة الأولى تدفع في اتجاه مرشح اليمين المتطرف.




بعد فرز أصوات الداخل أُعْلِن أن النتيجة تتراوح حول خمسين في المائة لكل من المرشحين، وإن زاد مرشح اليمين المتطرف بفارق 144 ألف صوت عن إلكسندر، وكان الأمل يراود أنصار المرشح المتأخر في أن تأتي البشرى السعيدة؛ لهم وللنمسا، في قناعاتهم، من خارج النمسا حيث 700 ألف صوتا، سيتم فرزهم، كَفِلِين، بالذهاب بمرشحهم إلى قصر الرئاسة النمساوية، وعَضَّدَ هذا الأمل، أن نمساويي الخارج، قد منحوا مرشحهم ثلثي الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، ما جعل المراقبون يتوقعون أن يحظى بللن بغالبية تلك الأصوات ومن ثم يُجَنِّب النمسا وصول رئيس يميني متطرف في تجربة عاشتها النمسا عام 2000 مع سلفه يورج هيدر، تلك التجربة التي هددت بعزل النمسا دوليا، فما كان من الأخير إلا أن استقال.


وليس كما يشاع أن منصب رئيس الجمهورية بالنمسا مجرد منصب شرفي، بل أن الرئيس له صلاحيات كبيرة وواسعة ومن هنا كان الرؤساء الاتحاديين للجمهورية الثانية حريصين دائماً على ألاّ يراعوا سوى مصلحة الدولة ككل، ولأنّ مناصبهم تسمو فوق الحزبية، فهم يستقيلون من الأحزاب التي ترشحوا عنها للمنصب.


ويتولى الرئيس الاتحادي تمثيل الجمهورية في الخارج، وهو الذي يدعو المجلس الوطني لعقد دوراته، وينهي دورات الانعقاد. ويمكن للرئيس، في ظروف معينة، أن يحل المجلس الوطني، على ألاّ يحدث ذلك سوى مرة واحدة للسبب ذاته. ويقوم الرئيس بتعيين المستشار الاتحادي - الذي يكون عادة زعيم أقوى حزب في البلاد - كما يعين بقية أعضاء الحكومة بناء على اقتراح المستشار. ولا يمكن أن يشترك في الحكومة أي مرشح لا يوافق عليه الرئيس الاتحادي.


ومن واجبات رئيس الجمهورية إبرام المعاهدات الدولية، كما يؤدي محافظو المقاطعات الاتحادية اليمين القانونية أمامه عند تعيينهم. وهو الذي يصادق على توافق القوانين الاتحادية مع أحكام الدستور. وهو القائد الأعلى للجيش الاتحادي. والرئيس الاتحادي مسؤول قانونياً عن أي انتهاك لحرمة الدستور الاتحادي، ويمكن أن ينحى من منصبه باستفتاء شعبي.


ولكل هذه الصالحيات فضلا عن رمزية المنصب الرفيع حُبِسَت الأنفاس في النمسا انتظارا لفرز السبعمائة ألف صوت لنمساويي الخارج والتي جاءت كما توقع المحللون رافعة لعدد أصوات مرشح حزب الخضر ليفوز بالانتخابات بنسبة 50.3 في المائة، متفوقا على منافسه بفارق ستة من عشرة في المائة، وهي النتيجة التي عكست أكثر من دلالة، يأتي على رأسها أن الشعب النمساوي، بفارق قليل، استمر على مزاجه العام الرافض للتطرف، والمرحب بالتعايش الذي يظهر جلية واضحا على أرض دولة النمسا.


 إن هذه النتيجة تعتبر تتويجا لمعركة كبيرة خاضتها قوى الاعتدال في المجتمع النمساوي، حفاظا على سمات وصفات هذا المجتمع التعددي، كما أكدت النتيجة ثقل العنصر الأجنبي في المجتمع النمساوي والذي استشعر القلق من تصريحات وقناعات مرشح اليمين المتطرف، فتكاتفوا دفاعا عن القيم النمساوية مرة، وعن وجودهم مرة أخرى، ومستقبل أبنائهم مرة ثالثة، وهو ما أكده القدرة الفاعلة لهذه الشريحة في النمسا.


ومن ناحية أخرى أكدت هذه النتيجة صعود مخيف لليمين المتطرف في النمسا، والذي كان بين قوسين أو أدنى من الصعود لكرسي الرئيس، وعلى الرئيس المنتخب، أن يقوم بتوحيد النمسا ليُعيد نصف الشعب، تقريبا، الذي فضل التطرف إلى طبيعة المجتمع النمساوي المتعايش المسالم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز