عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الإستراتيجية ... وتطور المفاهيم

الإستراتيجية ... وتطور المفاهيم

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

الإستراتيجية .. هي مصطلح لغوي ذو أصل عسكري تاريخيا  وكانت تعني فن توزيع واستخدام الإمكانات والوسائل العسكرية المختلفة لتحقيق الأهداف السياسية بالطريقة المثلى التي تضمن التوائم بين الإمكانات والهدف وتحقيق اقل قدر من الخسائر في أقل وقت ممكن ، وتطورت دلالاتها حتى أصبحت تعني فن القيادة العسكرية في مواجهة الظروف الصعبة وحساب الاحتمالات المختلفة فيها واختيار الوسائل الرئيسة المناسبة لها ، ويرى كثير من العلماء وأساتذة السياسة أن الإستراتيجية هي "مجموعة الأفكار والمبادئ التي تتناول ميدانا من ميادين النشاط الإنساني بصورة شاملة متكاملة ، وتكون ذات دلالة على وسائل العمل ومتطلباته واتجاهات مساراته بقصد إحداث تغييرات فيه وصولا إلي أهداف محدده ، كما أنها أفعال أو مجموعة من الأفعال التي تهدف إلي تحقيق الأهداف المرسومة ، وحيث إن الإستراتيجية معنية بالمستقبل فإنها تأخذ بعين الاعتبار احتمالات متعددة لإحداثه وتكون قابلة للتعديل وفقا للمستجدات ، كما تحتل الإستراتيجية موقعا وسطا بين السياسة والخطة وتستخدم الإستراتيجية في الدراسات المعنية بأساليب التخطيط والتدبير والتنظيم



وخلاصة القول أن .. الإستراتيجية عامة .. يجب أن تعرف الآن بأنها .. فن التخطيط الشامل والمتكامل في إطار فكر ومبادئ وقيم محددة للوصول لأهداف مستقبلية منشودة ، باستخدام الأساليب والوسائل المثلى  لتنفيذ سباعية المهام ( التخطيط - التدبير - التنظيم - الإدارة - المتابعة - التقييم - التقويم ) للقدرات والإمكانات والوسائل والأساليب المتاحة والمنتظرة والمحتملة ، مع الحفاظ على إمكانيات المناورة والمواءمة والتعديل وفقا للمستجدات ، لتحقيق الأهداف المحددة في أقل وقت ممكن وبأقل تكلفة أو خسائر ممكنة .

وتعد المهام السباعية ( التخطيط - التدبير - التنظيم - الإدارة - التنسيق والمتابعة - التقييم - التقويم ) هي مجموعة الوظائف المتكاملة للقائد وهيئة قيادته على المستوى العسكري والتي يتم توزيعها ويتضخم معها هرم الإدارة في المستوى المدني بمختلف صوره وتنوعاته ، ولذلك يميل علماء وأساتذة الإستراتيجية من المدنيين بالتورط في تعدد وظائف المهمة الواحدة من سباعية المهام مع التركيز على مهام بنوعها والتداخل بين المهام وهو ما لا يسمح بتواجده في المستوى العسكري الذي تتضمن كل مهمة رئيسية فيه مجموعة من المهام الفرعية مثل (التخطيط) والذي يبدأ بمهمة فرعية إجبارية هي (تقدير الموقف) والتي يقسمونها لوظائف تتضمن (تشخيص الوضع الراهن وتحديد عناصره وعوامله الإيجابية والسلبية والعلاقات المباشرة وغير المباشرة بين هذه العوامل إيجابا وسلبا - تحديد القوى والوسائل المتاحة - تحديد الإيجابيات والسلبيات وإمكانيات استغلالها وتقويمها) ، ثم يلي تقدير الموقف كمهمة فرعية من التخطيط في المستوى العسكري المهمة الفرعية الثانية والأخطر وهي وضع المخططات الرئيسية التي تلتقي في نهاية كل منها لتصب في مسار تنفيذ وتدعيم وضمان تحقيق الهدف أو الأهداف الرئيسية المحددة بدقة ، وتتضمن بالقطع هذه المهمة الفرعية مخططات الانتقاء والاختيار والاستخدام للقوى والإمكانيات والتعبئة والحشد للموارد والقوى واستغلال الإيجابيات وتلافي السلبيات بالإضافة لمخططات توفير وتدبير القدرات اللازمة زمنيا ومكانيا ، ثم يليها المهمة الفرعية التالية في التخطيط وهي عرض ومناقشة وتدقيق التخطيط كاملا بواسطة القيادات المتنوعة المشتركة وهيئات قياداتها والمقرر اشتراكها أو استخدام قدراتها وإمكانياتها حتى لا يكون هناك احتمال لتخطيط ما لا يمكن تنفيذه على أرض الواقع ، وبالتصديق (الموافقة) عليه يصبح المخطط ملزما وواجب التنفيذ ، لينتقل هذا التخطيط الرئيسي لمرحلة التخطيطات الفرعية حيث تقوم كل هيئة أو قيادة أو قوة مشتركة بالتخطيط الفرعي لقدراتها وإمكانياتها التفصيلية لتحدد مطالبها التي تكفل نجاح التنفيذ ، ثم تعرض المخططات الفرعية المتنوعة كاملة على جميع هيئات القيادة المعنية لمناقشتها وتقييمها وتدقيقها والتصديق عليها ، لتنتهي مرحلة التخطيط المتكاملة بوضع مخطط متكامل وشامل متضمنا جميع برامج التنفيذ اللازمة .

ثم تبدأ المراحل التالية لعملية التخطيط تباعا وفي انتظام ودقة تتميز بها المستويات العسكرية كثيرا عن المستويات المدنية وهو ما يدفع الدول والأمم للجوء للقيادات والأساليب العسكرية عند تعرضها للخطر وفي حالات الأزمات المؤثرة على الأمن القومي ، نظرا لفاعلية أساليب توليها وإدارتها للأمور وارتفاع نسب النجاح المنتظرة والمتوقعة للأساليب العسكرية خاصة عندما تتطلب المواقف مزيدا من سرعة حسم الأمور ، وربما هذا ما لم تستطع كثيرا من مؤسسات الدولة في مصر استيعابه وفهم أبعاده من تولي القيادات العسكرية لعمليات الإنقاذ الحالية خاصة على الصعيد الاقتصادي والعمراني في أعقاب الثورة في 30 يونيو 2013م ، بل وما زال البعض من حسني النوايا يشاركون أصحاب الأجندات المشبوهة بالرفض والاعتراض ، رغم ما يرونه من حجم إنجازات غير مسبوق في زمن قياسي بكل المقاييس العالمية والدولية أبهرت العالم والأعداء قبل الأصدقاء ، بل وحققت حجما من الإنجازات تعادل في قطاعات حيوية أضعاف ما تم تنفيذه في عقود خمسة مضت ، حتى تعاطف كثير من المراقبين قبل العامة مع قيادات القوات المسلحة المكلفة بالمهام ، وليس الاعتراض والرفض في حد ذاته بالغريب ولا العجيب ولا هو متهم في ولائه ووطنيته بقدر ما هو متهم في قدراته النفسية والعقلية على فهم واستيعاب وتقييم الأمور ، فالعسكريون ليسوا من كوكب آخر ولا يمارسون الرعب والتهديد أو سوء استخدام السلطة لغيرهم كما يتخيل كثير ممن لم يسعدهم حظهم بالانضمام لهم أو العمل معهم ، ولا يتميز العسكريون إلا بقدراتهم على التخطيط والتنظيم والتنفيذ وحسم الأمور بأقل جهد ووقت ممكن ، وهو ما تحتاجه الأمم دوما في مختلف مجالات الحياة خاصة في حالات الحروب والأزمات ، بل ويكفي العسكريون شرفا أن إستراتيجيتهم لهذا الوطن لا تقتصر على  إنشاء وطن ديمقراطي حديث بل تتعدى ذلك بكثير وتصل لمستويات تطوير مصر لتصبح دولة محورية عظمى في غضون سنوات قادمة .

ويقسم بعض علماء الإستراتيجية أنواعها الرئيسية لأنواع ثلاثة متدرجة في مستويات الديمقراطية والمرونة النفسية والعقلية للمعنيين بها هي (العقلانية - التوجيهية - السياسية الإدارية) ، أما (الإستراتيجية العقلانية) تعتمد استعداد المعنيين بها للاقتناع بمتطلباتها استنادا لأصول التفكير العلمي المنطقي السليم ، وهذه الإستراتيجية تعتمد على البحث العلمي وعلى تولى الكفاءات العلمية لوضعها، وللنهوض بمتطلباتها وقيادة حركة التغيير المنشودة منها، كما تعتمد على الأساليب الحديثة فى الإدارة والتنظيم ، في حين تعتمد (الإستراتيجية التوجيهية) على جذب اهتمام الناس المعنيين بها، واستثارة بواعثهم وكسب ثقتهم وشحذ إرادتهم وتقويم مواقفهم واتجاهاتهم وعواطفهم بحيث يدفعهم ذلك للقيام بالأعمال المطلوبة منهم طواعية وبإراداتهم دون الاستهانة بذكاء وعقلانية البشر ولذلك تستخدم أساليب الدعوة والإقناع وكسب الثقة وتنمية الروح المعنوية ويترتب على ذلك تمكينهم من المشاركة فى اتخاذ القرارات والاعتماد على تعاونهم فى تطويرها مع مراعاة الثقافات والقيم الاجتماعية السائدة بين الناس فى مجالاتها ، أما (الإستراتيجية السياسية الإدارية) فتعتمد على القوة النابعة من السلطة السياسية أو الإدارية وتفترض فى المعنيين بها الطاعة والاستجابة السلسة لمطالب السلطة واتجاهاتها ومتابعتهم للخطط والتوجيهات الصادرة عنها كما تعتمد أيضاً على التشريعات الحكومية وما يترتب عليها من توجيهات وتعليمات ، ولا شك أن أية إستراتيجية لابد لنجاحها من المزج الواعي والدقيق بين الأنواع الثلاثة ، حيث تتباين نوعيات المعنيين والمهام والعقبات وظروف التنفيذ المكانية والزمانية والنفسية كثيرا ، وهو ما يحدد احترافية وجودة التخطيط الاستراتيجي ويفرق بينه وبين غيره في قابليته للتنفيذ ونسب نجاحه المنتظرة والمحققة فعليا .

أخيرا .. في زخم الحديث عن الإستراتيجية لابد وأن نتذكر أن كل منا له إستراتيجيته الخاصة في حياته ، فبعضنا تنحصر إستراتيجيته في مزيد من المتع ، وآخرون في مزيد من المال أو الشهرة والسلطة ولكن الحقيقة تقول أن كل ما سبق ليس إلا أهداف مرحلية ولا تعتبر إستراتيجية بأي حال من الأحوال ، وما يمكن تسميته إستراتيجية هو تلك الأهداف التي تكون نتيجة منطقية لحياة إنسان مثل تكوين عائلة محترمة وقوية ومترابطة وغنية وقادرة على الاستمرار والبقاء لأطول فترة ممكنة ، أو تحقيق قيمة علمية يستفيد بها غيره وتبقى صاحبة أثر وتأثير في المجتمع بعد رحيله ، أو تنفيذ كيان قادر على خدمة الناس لأطول فترة ممكنة ، هكذا تكون الاستراتيجيات التي تتحقق من خلالها جميع الأهداف المرحلية من المتع والغنى والسلطة والشهرة أو يتحقق بعضها تباعا أو لاحقا ، أو هكذا يجب أن تكون الاستراتيجيات الشخصية والمجتمعية للبشر ، فالأمم تتقدم وتتطور بتطور عناصرها الفردية بداية من الفرد ثم الأسرة فالعائلة فالحي فالمدينة ، خاصة وأننا في مصر صاحبة أقدم المدن والمدائن تاريخيا ، وصاحبة أقدم إستراتيجيات عرفها التاريخ ، بل والمصريون وأهليهم في رباط إلى يوم القيامة .

.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز