عاجل
الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
وصية حمار 3

وصية حمار 3

بقلم : د. عصمت نصار

كلمات الوفود



     تسلم جحا عشرات الموافقات على حضور حفل تقريظ صديقه (أبو صابر الحمار) فهيأ المكان لاستقبال الوفود، وأعد منصة تحمل ثلاثة قعود، أولها لعالم لغويات لتوضيح المعاني وشرح المصطلحات، وثانيها لخبير بالسير والتاريخ للتحقق من الوقائع وسلامة الوثائق والمستندات، وثالثها لفيلسوف لتأصيل المفاهيم وتقييم النظريات ووضع النقط على الحروف، ذلك بالإضافة إلى منصة أخرى لإلقاء كلمات الوفود والتعليقات والإعتراضات والنقود. وقد اتفق الحضور على ترتيب الكلمات تبعاً لمعيار الأهمية وثقافة الجمهور (الدين، الفلسفة، السياسة، الأدب) ثم التعليقات، كما أكدوا على عدم مخالفة أحد للدور. وأولى الكلمات كانت لأحد حاخامات اليهود ويدعى دنيال باروخ:

المتحدث: نشكر سعادة العلامة وزعيم العباقرة الفهامة جحا على تكرمه لدعوتنا في تلك المناسبة الميمونة التي تستحق تعب الترحال والتكلفة والمؤونه، كما يسعدني أن أوضح للحضور وأشير إلى أن جحا تنحدر أصوله من جلدتنا، واسمه مدون في كتب شريعتنا، غير أن الناس حرفوه، ولغيرنا من شعوب الأرض نسبوه، أما الحمار فهو ربيبنا وصاحبنا الذي ألفناه، وباركه الرب في أسفارنا فاحترمناه وأحببناه، فقد ذكر تسع مرات في سفر التكوين والتثنية وأخبار الأيام والعدد وأيوب والملوك وأرميا وزكريا وأشعياء. والنصوص واضحة ووصفه فيها غاية في النبل وقمة الاحترام، فهو المطية المباركة التي ركبها الأنبياء من إبراهيم إلى زكريا، والمسية المنتظر الذي يأتي بالنصر ويكيد الأعداء، والحمار هو العاقل الحكيم الذي اهتدى إلى الحقيقة بلا دليل، وفاق بعلمه وحكمته خراف بني إسرائيل، وذكر ذلك الرب في سفر أشعياء وهذا ليس كذب أو رياء. وحبيبنا الحمار مثالاً للطاعة والوداعة، وهو المهذب الذي لم تصدر منه نطاعة أو مجون أو خلاعة، وهو أفضل من الثور في الحرث وحمل البضاعة، وهو المسالم رفيق الفقراء والمعوذين والأتقياء. أنعم به صديق وإذا كان يرغب في العزلة فنحن أولى به وسوف نحمله على أكتافنا طول الطريق، وسوف نطعمه برسيماً وخضاراً وفواكه وما يشتهيه وتبن ذهبي له بريق، ولما لا نوده ونتودد له، وهو الذي حملنا من المغرب إلى فلسطين في هجره عام 1936، وفضله علينا معروف ومخطوط على الهيكل بالنقش والحروف وسيرة الحمار عندنا هى الأفضل من أسفار الأناجيل وآيات القرآن والحديث والأمر لا يحتاج دليل. وأرجو أن تكون كلمتي مرئية ومذاعة ومطبوعة ولنا في إيرادات نشرها حصة مقطوعة.

     وقد أثارت كلمة الحاخام بعض القلق والشجار حول مصداقية ما جاء فيه من نزاع وأخبار، وقد دون ذلك المراقبون الثلاثة بإتقان، وأشار جحا بأصبعيه لا تعليق بأن الخبز لا يصنع من ماء ودقيق بل يحتاج إلى خمير وحرفية في الصنعة والتسوية، وإذا ما اختل الميزان أضحى طعاماً للبهائم وأرخص من العليق.

     وجاء دور القساوسة واختلفوا فيما بينهم على من يحسن شرح النصوص المقدسة، فقال نفر منهم (الكاثوليك)، فرد آخر هذا قبل أن يصيح الديك، واقترح ثالث الكنيسة الأم وكان يعني المصريين فنفر منه الأوربيون، وقالوا لا لا That Is Not، وليتحدث أحد البروستانت فكان ذلك. فصعد القس مارتن هوك حاملاً صليبه وعهد جديد على شكل Notbook وقال: أيها الأحباب إن الحمار قد حظى بمجد لا تحويه الأفاق ولا يحده حد فقد اصطفاه المخلص من بين الدواب ليحمله إلى أورشليم فهل هناك بعد ذلك تكريم؟ ألم يصبح الحمار (أتان وجحش) الأجدر بالشكر والتعظيم.

     اسمعوا يا أحباب لسنا في مجال سجال، ولا في سوق يباع فيه الكلام مثل الغلال، وعليه لا يليق في هذه الجلسة الرد على قتله المسيح وأبناء الأفاعي وسلالة البغال. غير أن ما نريد توضيحه أن قصة الحمار التي وردت فى متي ومرقس ولوقا (وباقى الأيات في الأعمال والرسائل) لا تشير بأن الحواريين فكوا الحمار وسرقوه، وإلى المخلص ابن الإنسان ودوه، فإن هذا التفسير يحمل إفك في التأويل وشر خطير، فهل يعقل أن الحبيب- الذي وقف على الصليب وكان للمكلومين والمرضى طبيب- لصاً وكذاب وطامع في المغانم والأسلاب؟! هذا للتذكير وليس للتبرير. وفصل الخطاب يا أحباب أن الحمار هو الذي حمل لنا السعادة وبكل معاني النبل والرحمة والحكمة والكرامة نكتب له الشهادة. وإذا أراد هجر بلاد الشرق المتخلف فإننا على الرحب والسعة نستقبله في أوربا أو أمريكا ليستجم ويستحم ويعيش حياته بلا ممنوع ويمكنه ممارسةBusiness  والدخول في أي مشروع. وبذلك يعيش الحمار سعيد ومتهني، ويمكنه كذلك تعلم الرسم والحياكة، وإذا أراد يلحن ويغني، ولما لا فهو في الشرق   كان اسمه مقرون بالرذيلة والغباء وقلة الحيلة. أما عندنا سوف نحقق أحلامه ونسمع كلامه، ونهديه أتان جميلة لم يرد خبرها في ألف ليلة وليلة.

     وقابل الحضور كلمة القس بالتهليل والتصفيق وهمس بعضهم في الآذان (هذا كلام لا يخلو من الإدعاء الكاذب الذي لا ينطق به إلا السفيق) ففطن جحا إلى ذلك الغمز واللمز فرفع الجلسات بتناول الطعام والشايات والقهوات والباتيهات والكيكات والعصائر وما يسكب في الكاسات.

وسوف نكمل الأحداث في الليالي المقبلة المباركات.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز