عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ونوس وأفراح القبة

ونوس وأفراح القبة

بقلم : غادة نوارة

يأتي رمضان كل عام لتؤكد لنا الأعمال الدرامية المقدمة على الشاشات على إفلاس كُتاب السيناريوإلا من رحم ربي،وإصرارهم ليس فقط على تواجد الجريمة في أعمال كثيرة بل وطغيانها على بعض هذه الأعمال التي صارت توابل الدراما المصرية؛فلا تخلو هذه الأعمال من قدر كبير من مشاهد العنف، والجريمة بكل أنواعها، ومعظمها تسئ للشرطة، وبالرغم من كثرة هذه الأعمال فلا توجد أعمال فنية دينية أو تاريخية أو وطنية أو أعمال تحكي قصص كفاح ونجاح ونماذج إيجابية تبث أخلاقنا وقيمنا الأصيلة، بدلاً من الأخلاق المبتذلة والمنحطةالتي روجت وتروج لها الأعمال الرديئة في غفلة من الرقابة، ولم نجد دراما اجتماعية تعالج مشاكل المجتمع أو مشاكلنا القومية، كحث الناس على العمل بإخلاص وإتقان وضمير ومواجهة الفساد، وبث أفكار إيجابية كترشيد الإستهلاك والإنفاق وتحديد النسل، وتشجيع الناس للانتقال من الوادي الضيق إلى المدن السكنية الجديدة في مختلف المحافظات .. أعمال فنية تستنزف ميزانيات ضخمة في ظروف اقتصادية صعبة نمر بها، ويجعلنا هذا أن نتساءل ما الذي قدمته وتقدمه أغلب هذه الأعمال للمجتمع؟ وما الهدف منها وما الرسالة التيتبثها في الجمهور العريض الذي يتابع هذه الدراما؟



نصوص درامية لا تستحق إلا أن تبقى على الورق لأصحابها للذكرى .. وأعمال فنية لا تليق بنجوم كبار تألقوا في أعمال فنية كثيرة سابقة، وكان الأفضل لهم ألا يشاركوا في أعمال لا تليق بنجوميتهم التي صنعوها وحفروها بأسمائهم على مدى سنوات طوال.. فما الجدوى من التواجد على الشاشات كل عام في رمضان كسد خانة في أعمال لا تضيف جديد للفن المصري ولا للمجتمع المصري ولا للمشاهدين، والمعضلة الأزلية والجدل المستمر ما بين الفن رسالة أم مرآة للمجتمع والواقع المصري؟ الواقع الذي يشهد الكثير من التناقضات ويعاني من خلل يستفحل عاماً بعد عام حيث ينتشر فيه العنف والجريمة وانحطاط الأخلاق وتدني الذوق العام .. وانتشار الجهل وتدهور المستوى التعليمي جعل هذه الأعمال تؤثر في الكثيرين من عامة الشعب وخاصة الأطفال منهم والشباب، ولكن حتى لو اعتبرنا أن الفن مجرد انعكاس للواقع وتعبير عن هذا الخلل الذي يصيب هذا المجتمع فيجب التعبير عن هذا الواقع بدون ابتذال وإسفاف ومحاولة الالتزام بالمعايير الأخلاقية لهذا المجتمع قدر الإمكان.. فمصر ليست فقط المخدرات والدعارة والجريمة والمرضى النفسيين والعشوائيات والنتيجة انصراف الكثير من المشاهدين إلى الأعمال التركية والتي نجحت في عمل دعاية جيدة والترويج للسياحة لديهم، وهو ما أحوجنا نحن له حيث نعاني منذ يناير 2011 من تدهور حاد في القطاع السياحي.

وبالطبع هذا لا يمنع أن هناك أعمال فنية محترمة استطاعت فرض نفسها منذ البداية، وحققت نسب مشاهدة عالية مثل ونوس وأفراح القبة والقيصر وفوق مستوى الشبهات والميزان، ومسلسل أفراح القبة عمل مختلف ومتميز أخرجه المخرج المتميز والموهوب محمد ياسين .. أما ونوس فقد استطاع  العبقري سليم البدري أو عباس الأبيض أو الخواجه عبد القادر أو عزو أو شيخ العرب همام، أو الفنان الجميل يحيى الفخراني أن يُبهر المشاهدين هذا العام أيضاً في مسلسل ونوس بدور الشيطان الذي يغوي الناس والذي قام به وتقمصه ببراعة مثلما أبهرنا في كل أعماله من قبل والتي لا يتسع المجال لذكرها في هذا المقال وتفوق على نفسه كالعادة.

وهناك أعمال فنية تقلد أعمال أجنبية بدون أي إبداع، وهناك تطويل لا لزوم له وأحداث غير منطقية وفنانين لديهم إمكانيات وقدرات كالفنان ظافر عابدين وشريف سلامة في مسلسل الخروج فلم يستطع كاتب النص ولا المخرج استغلال قدراتهم وإمكاناتهم، وفنانين غيرهم كثيرين لديهم الموهبة ولكن لم يجدوا نصوصاً ذات قيمة فقاموا بأدوار غير جيدة.

أما أسوأ المسلسلات أو المسلسلات التي لم يكن هناك أي داع لوجودها مسلسلات مثل ليالي الحلمية وهبه رجل الغراب والكيف وزوجة مفروسة جداً، وسأقتبس من هذا المسلسل الأخير جملة واحدة قالها أولاد داليا البحيري في المسلسل وهم يهتفون ويضحكون ويقولون " بابا مجنون بابا مجنون" في محاولة بائسة لإضفاء روح الكوميديا على المسلسل، فكان عليهم الاكتفاء بجزء واحد حقق نجاحاً طالما ليس لديهم جديد بدلاً من السقوط في هذا الفخ.

أما فترات الإعلانات الكثيرة والطويلة فقد أفسدت متعة المشاهدة، حيث جعل ذلك المشاهد يتنقل بين عدة مسلسلات في آن واحد ليتجنب هذه الإعلانات الكثيرة والسخيفة التي أفسدت الأعمال الدرامية حتى الجيدة منها.

إذن الخلاصة أن معظم الأعمال متشابهة وبها فقر شديد في الكتابة وأفكار مستهلكة، وموضوعات سطحية بلا قيمة ولا هدف ومصابة بالحشو والتطويل ومشاهد وتفاصيل درامية مكررة .. وحوارات ركيكة وألفاظ بذيئة وأساليب دون المستوى وغير محترمة وخاصة في حوارات الأولاد مع آبائهم في تلك الأعمال، بالإضافة للجرعة الزائدة من النكد والعنف والكآبة والأمراض النفسية.. التي جعلتنا نتساءل هل المرض النفسي منتشر في مجتمعنا بهذا الشكل؟ كما نستطيع القول أننا تفوقنا في صناعة الفن الهابط .. وهو ما يجعل ضرورة تدخل الدولة لصناعة فن محترم وهادف ضرورة مُلحة، فلا يجب ترك الساحة لحفنة من التجار الجشعين الذين لا يعنيهم إلا أرباحهم التي يحققونها من خلال إنتاجهم لهذه الأعمال المبتذلةوالتي لا تندرج تحت مسمى الفن، وحيث بات هذا الفن الردئ هو المعلم لأجيال كثيرة؛ عندما تدهورت وفشلت كل المؤسسات المسئولة عن التنشئة والتوعية والتعليم والتثقيف وغرس الأخلاق والقيم في القيام بأدوارها بما فيها الأسرة، وما نحتاجه هو فن يعمل على إعادة بناء وتنمية الإنسان المصري، فتنمية عقول الشباب والأطفال وتشكيل وجدانهم لهو قضية من قضايا الأمن القومي.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز