عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رمضان الذى فضح افلاسنا

رمضان الذى فضح افلاسنا

بقلم : محمود بسيوني

شهر رمضان من الشهور الكاشفة ، والكاشفة بمعنى الفاضحة والمفصحة عن كل ما يدور بداخلنا ومن نصنعه بأنفسنا ، شهر الصوم والعبادة ، شهر التقشف وتذكر الضعيف والفقير والمحروم ، شهر التوفير والرضا بالقليل ، الا اننا حولنا القيمة المعنوية والروحية لرمضان لاتجاه اخر ، اصبح شهر الاسراف والتبذير والتباهى واعلانات الشحاتة والفيلات " ام 3 جناين " والمسلسلات التجارية المستهلكة لتظهر حقيقتنا العارية نحن مفلسون فكريا وماليا وعقائديا .



والافلاس هنا ليس وليد اللحظة ، ولكن نتيجة سنوات من الانحطاط ، سيطرت فيها العادات الغريبه على الشهر الكريم ، اولها انه شهر الكسل ، شهر التمترس امام مسلسلات لا تطرح اى افكار  تصب فى مصلحة المجتمع بالاساس او حتى تعبر عن الروحانيات الموجودة فى الشهر فى الكريم ، بل وجدناها تخاطب الغرائز و لا ترى فى المجتمع المصرى سوى الفساد ، والبلطجة ، والممارسات غير الاخلاقية ، والاعلانات ذات الايحاءات الجنسية .

الموضوع ليس موضه "ذقن" محمد رمضان او ناصر الدسوقى ، او روحانيات تحولت الى عادة استهلاكية ، الاصل اننا فقدنا البوصلة فى لحظة افلاس فكرى عامة ، لا احد يريد الالتفات الى اتجاه الدولة الرئيسى ، لا احد يفكر فى بناء الانسان ، بالتاكيد بناء الانسان لا ينسجم مع ما قدمه مسلسل الاسطورة او اعلانات "الكومباوندات " المستفزة لقطاعات عريضة من الشعب المصرى الذى تمكن بالكاد من عبور ازمة الشهر الكريم ومعهم الدولة التى تعرضت لابتزاز رخيص من التجار بعدما انفقوا مليارات من العملة الصعبة لتحقيق اكبر قدر من المكاسب خلال الشهر الكريم .

فى مصر يقع الشهر الكريم بين فرصتين فرصة لشركة انتاج وقناه تريد تعويض خسائر السنة باعلانات الشهر الكريم ، والثانية تجار رفعوا كل الاسعار وضاربوا على الدولار ورفعت سعره الى مستويات غير مسبوقة ، بينما اختفت فرصة الشهر الحقيقة وهى التقرب الى الله والتوقف عن الاسراف ، ومساعدة الفقراء ، و التكافل الاجتماعى الاصل فيه انه فرصة لالتقاط الانفاس بعد مارثون سنوى طويل من الانفاق والصرف وارتكاب المعاصى طوال العام .

افلاسنا الحقيقى ليس هو المادى او نقص وندره الاموال ، افلاسنا الحقيقى هو فقداننا للبوصلة وللهدف وللافكار الجديدة ولروح الاشياء ، لقد حولنا كل شىء حولنا الى تجارة وسلعة ، اصبح الدين سلعة ، الوطن سلعة ، علاقتنا الاجتماعية  سلعة ، توقفنا عن التفكير فى المجموع وتفرغنا للفرد ومطالبه وغرائزه و ملذاته .

نزعتنا الى الاستهلاك والتقليد والنقل والتكرار اصبحت بلا سقف ، بنظرة الى اعمالنا الدرامية نجدها مفلسه فكريا ، وعادت لاستلهام الروايات العالمية مثل "الكونت دى مونت كريستو " فى " الاسطورة " و "فاوست " فى "ونوس"  و تدور فى فلك نفس الشخصيات المتكررة خلال السنوات الماضية  ، الظابط الفاسد ، رجل الاعمال الحرامى ، مدمنى المخدرات ، المرضى النفسيين ، المحسوبية  ، الخيانة الزوجية  ، ادمان الانتقام ، الشك فى العدالة ، انتظار الثورة الهابطة من السماء دون مجهود ، لقد تحول شعار المصريين من العمل والبناء الى " اه لو لعبت يا زهر " ، و ازعم ان هناك شباب كثيرون يحلمون الان بتقليد الاسطورة  ناصر الدسوقى فى الانتقام و تجارة المخدرات والزواج من اكثر من واحده او رغبة رفاعى الدسوقى فى كثرة الانجاب بحثا عن الولد وكلا النموذجين يدمر اى مجتمع ودولة ، صحيح المسلسل حقق ايرادات وجماهيرية ولكن بكم من الضحايا !

لعل مسلسل "ونوس " للنجمين الكبيرين يحيى الفخرانى ونبيل الحلفاوى المقتبسة من قصة فاوست للاديب الالمانى جوتة كان الاكثر تعبيرا عن الدراما المطلوبة فى الشهر الكريم ، فقصتنا مع "وسوسه" الشيطان تستحق ان نهتم بها فى الشهر الكريم ، على مستوى الورق برع عبد الرحيم كمال فى كتابة سيناريست نجح فى تمصير فاوست وقرب الصراع مع الشيطان الى اقرب صورة ممكنه يمكن تصديقها ، واستعرض من خلاله كل هموم المجتمع المصرى بداية من الاتجار بالدين مرورا بالدجل والشعوذه والحسد وصولا الى  "عزيز " الذى يحلم بالثروة والمال حتى ولو على جثه والده بينما يمرح بينهم ونوس بذكاء وصبر محاولا الوصول الى ارواحهم .

ان صراعنا مع ونوس ممتد وعمره من عمر البشرية ، وونوس هو كل فتن الحياة التى نركض خلفها من الميلاد حتى الممات ، ولا يمكن القضاء عليه الا بالصبر والايمان والعملو التفكير والاجتهاد والتجديد والتوقف عن الطمع والحسد ..نحتاج العودة لروح التسامح والتكافل  فى الشهر الكريم ، ان نستلهم منه ما يدفعنا لمزيد من العمل ومزيد من الامل فى الله ثم فى انفسنا .    
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز