عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أزمة وفاء

أزمة وفاء

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

يُتهم الكثيرون بمرض عبودية الأشياء ، وهذا المرض يُطلق عادةً على الأشخاص الذين يحبون أشياءهم لدرجة تصل إلى حد "العبودية" ، وقد أُطلق عليهم هذا "اللفظ" ؛ لشعورهم أنهم أصبحوا عبيدًا لأشيائهم لدرجة أننا قد نلحظ أنهم لو فقدوا أحد هذه الأشياء ، يكونوا على أتم الاستعداد لدفع أضعاف ثمنها ؛ لكي يستردونها ثانية ، ولكن السؤال : هل هذا الإحساس أو المرض أيًا كان اسمه إيجابيًا أم سلبيًا ؟ بالطبع أي عبودية لغير "الله" فهي مرفوضة تمامًا ، ولكن هل مجرد التعلق بشيء بدرجة قوية يُعد مرضًا؟ أعتقد أنه يوجد أكثر مـن تحليل لهذه التصرفات النفسية .



وإذا أمعنا النظر سنكتشف أن السبب ربما لا يكون ماديًا على الإطلاق ؛ لأن هذا الشخص قد يكون كما قلت آنفًا مستعدًا لأن يبذل فيها ما يضاعف قيمتها المادية ، إذن فالدافع ليس دائمًا ماديًا ؛ لأن هذه الأشياء قد تكون قليلة القيمة المادية ، ولكنها تحوز في قلبه مكانة عالية ؛ سببها يعود إلى الذكرى التي يحملها هذا الشيء لهذا الشخص ، أو ربما لأنه حصل عليه بعد تعب وكدٍّ ، وقد تكون وصلته من أحب الناس لقلبه ، ولكن إذا كان هذا التصرف يحدث مع أغلب الأشياء التي يقتنيها هذا الشخص ، فهنا يكون هذا طبعًا معتادًا ، وليس تصرفًا فرديًَا استثنائيًا ، وهنا قد يقول البعض أن هذا مرض نفسي يستحق العلاج ، ولكني أظن أنه ليس دائمًا كذلك ، فهناك بعض من الأشخاص يعيشون حالة حب مع كل ما يقتنونه ، فهم يمنحون الإحساس للأشياء كما يمنحونها للأشخاص ، فهم مؤمنون بأن الشيء رغم أنه جماد ، إلا أنه يبادل صاحبه الإحساس ، فهل ننكر أننا عندما نحافظ شيء ، قد يطول عمره ويفوق عمرنا ، وهناك أشياء لو حافظنا عليها ، تزداد قيمتها على مر الزمن ، كالآثار والمجوهرات والعطور ، وهناك أشياء يكون عمرها من عمرنا ، فنظل نعشقها ؛ لأنها عاشت معنا جميع ذكرياتنا ، بأفراحها وآلامها ، وأغلب الظن أن هؤلاء الأشخاص يؤمنون بأن الأشياء قد تكون أكثر إخلاصًا ووفاءً من البشر ، فأظن أنه أصبحت هناك أزمة إخلاص يعيشها البشر فيما بينهم ، فأصبح كل شخص كما يقول المثل الشعبي : "يشك في أصابع يديه" ؛ لأن نسبة اللامبالاة بينهم كبيرة ، وعدم الاكتراث بالأسرار زاد ، والعلاقات السريعة التي تنتهي فور بدئها تزايدت بسرعة فائقة ، فكل شيء أصبح يدعو الإنسان لأن يستبدل قرناءه بأشياء يقتنيها ويحافظ عليها لدرجة أنه يتعود عليها .، وقد يقع في حبها لثقته أنها أشد إخلاصًا منه ، وأنها لن تخونه مهما حدث .

لذا ، نجد الكثيرين رغم امتلاكهم للثروة الطائلة ، إلا أنهم يظلوا يستقلون سياراتهم القديمة رغم قدمها ، ولو بحثنا في أصل التصرفات سيُكْتشف لنا أنها تعود إلى افتقاد هؤلاء الأشخاص للوفاء من أقرب المقربين إليهم ، فهم يحاولون تفريغ طاقة الحب والوفاء المدفونة داخل قلوبهم في أشيائهم ؛ لافتقادهم للأشخاص الذين يستحقون هذه المشاعر ، ولو عَوَّلنا على ذلك ، سنكتشف أنهم في الواقع ليسوا عبيدًا للأشياء ، ولكنهم يملكون بداخلهم مرضًا من نوع آخر ، أشد خطورة يسمى "أزمة وفاء" .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز