عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ثورة على الذات

ثورة على الذات

بقلم : د. صلاح الدين محمد

من غشّنا فليس منّا،  حديث يحفظه القاصي والداني، تربَّت عليه أجيال متتالية، ولكن يبدو أننا بصدد جيل تربَّي على غير العقيدة وعلى غير المبادىء وعلى غير الأصول، وللأسف من أشرف على تربية هذا النشء من أبنائنا هو نحن جيل الآباء. ولأن جيل الآباء ذاته تعرَّض إلى التجريف، أصبح فاقد للشيء وبالتالي غير قادر على إعطاء شيء لجيل الأبناء فكانت الصورة الحالية كما نشهدها الآن.



القضية بدأت منذ عقود حين عايشنا فكر الثراء بكل الوسائل وبكل السُبل، هذا الفكر تحول إلى عقيدة سَرَت في نفوس المصريين مسرى النار في الهشيم، ومن هنا تدرجت عقيدة التجريف لكل موروثاته الثقافية،  حضارته، قيمه بل عقيدته فأصبح شعب يفتقد إلى كل ماهو أصيل وتحول من شعب له تاريخ إلى تاريخ في حياة شعب، أظهر آخر فصول قيمه في ميادين يناير ويوليو، ثم طفحت على جلده عوامل انهيار  وصلت إلى حضيض لايستقيم إلا بأن يغيروا ما بأنفسهم، حتى يغير الله مابهم.

ظهر الفساد في بر مصر من أبنائها وعلى أيديهم، فقد استطاعت فئة من الشعب التسلق بالتملق للوصول إلى مناصب ساعدتهم في تراكم ثرواتهم ومن ثم في إدارة دولة مهلهلة مزقها الفساد في عهد كان جل همه التوريث، فكانت تُدار الدولة من أهل البيت دون اكتراث لسمعة بلد أو تاريخ شعب أو مكانة دولة، فلمسنا الرشوة في جل التعاملات وعاينَّا الفساد في جل أركان الدولة إلا القليل ممن احتفظ لنفسه كرامتها. فصار الفساد يضرب في أطناب الدولة بدأ على استحياء في بادىء الأمر حتى استفحل وتضخم وصار سمة من سمات العالم الثالث بنكهة مصرية شكلت تميزه!

اليوم إذا نظرنا حولنا لوجدنا أننا أمام نتائج عقود من تجريف للشخصية المصرية صانعة التاريخ والحضارة. أصبحنا أما شباب يساعده آبائه على الغش في الإمتحانات كما تابعنا في الآونة الأخيرة، والأسوأ أن منهم من ينتمون إلى مؤسسة الأزهر التعليمية من بعض طلابه متمرسون في الغش وهم دعاة الغد وعلمائه الأجلاء، مروراً بأطباء فشلة علميا ًوعملياً نتيجة نظم تعليمية احتكرت التلقين دون الفكر الإبداعي وصهر المعلومة في الرؤوس دون أن يتفاعل معها العقل، فأصبح لدينا طبيب فاشل، ومهندس قابل للغش، ومعلم فاقد الإحساس بقيمة الرسالة، فأضحى المجتمع متآكلاً في كل أركانه ومن كل أطرافه حتى اللُّب ولم تعد القضية ثورة للتغيير كما عبرت عنه يناير، بل الثورة الحقيقية لم تأتي بعد ولابد لها أن تأتي من الدولة على الشعب.

ثورة يناير كانت ثورة على نظام استشرى الفساد في عهده الذي طال، أم الآن فالثورة يجب أن تأتي من النظام على الشعب إن جاز التعبير. مصر تحتاج إلى ثورة ...... ثورة ثقافية تتغير فيها منظومة السلوك بفرض قيم من الدولة على الشعب وبقوة لكن في المقابل لابد من إعداد كوادر الدولة المخولة بذلك ولاتترك الدولة لتدار بمجموعة من المسئولين ليس لديهم الرؤيا ولا الكفاءة لإدارة ثورة ثقافية وسلوكية على الشعب الذي أصبح نقطة ضعف الدولة وهذا يقلب المعادلة في مفهوم الثورات ولكنه أمر وارد بين شعوب العالم الثالث.

الثورة الثقافية من شأنها تطبيق القانون بيد حديدية على كل من هو تحت سماء الوطن من أبنائه يستوي في ذلك الجميع في الحقوق والواجبات ويكون للدولة اليد القوية في أخذ كتابها فلا مجال للإرتعاش ولا مجال للمجاملات.

الثورة الثقافية تعني دولة تُحسن الإدارة بقوانين مُلزِمة بين أبناء الوطن الواحد وترك المجال للحريات المسئولة بحيث يعي المواطن ماله وما عليه والدولة مالها وما عليها. كانت ثورة يناير تنادي بالعيش والحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية، وهذه مطالب أساسية كالماء والهواء، ولكن بالمقابل إذا توفرت هذه المبادىء، فعلى المواطن واجبات يُحاسب عليها بالقانون، ولا أحد يفوق القانون، فقط من هنا نبدأ ولم ننته بعد.

الثورة الثقافية تعني الشكل التقليدي للدولة بحدودها وسيادتها على أراضيها بعد أن أنهكت العولمة العالم كله وكانت الدول الفقيرة هي كبش الفداء لعولمة فاشلة على مَرّ عقود أكل فيها القوي الضعيف ولم يشبع بعد حتى شاهدنا دول منطقتنا العربية يُعاد تقسيمها وهذا نتاج عولمة أتت بالخراب على الشعوب والدول، ولهذا نحتاج إلى عودة إلى الأصول في مفهوم الدولة ذات الحدود والسيادة، فبالتجربة، توصلت بريطانيا إلى عودة سيادتها على أراضيها بعد أن صارت مشاعاً لدول الإتحاد الأوروبي ففقدت سيادتها على أراضيها أو كادت.

مصر تسير في الطريق الصحيح للدولة بحدودها الجغرافية وسيادتها على أراضيها، وأغلب الظن أن مفهوم الدولة كأرض وسيادة راسخ في وجدان الإدارة، فبريطانيا آثرت ترك العولمة والإنتباه لسيادتها على أراضيها وموروثها الثقافي الذي بلا شك تعرض لإنتهاك انتمائها للإتحاد الأوروبي إلى أن تداركت الأمر وانفصلت عن هذا الإتحاد، والظن أن دول أخرى مرشحة لتحذوا حذو بريطانيا لتعود الدول إلى سابق عهدها بمفهوم الدولة التقليدي بما لها من موروث ثقافي كأحد العناصر المُحَدِدة للهوية، ولكي نتحدث عن ثورة ثقافية فلابُد أولاً من وجود دولة ذات حدود وسيادة وشعب واع ودولة تحافظ على تطبيق القانون على كل أبناء الوطن بما يضمن سلامة الثورة وسلامة الأرض وحفظ السيادة. 

*باحث في العلاقات الدولية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز