عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الجهاد المشروع وعلم الكلام المعاصر

الجهاد المشروع وعلم الكلام المعاصر

بقلم : د. عصمت نصار

مازالت لفظة الجهاد تحتاج في زمن الفتنة الذي نعيشه إلى مزيد من الشرح والتوضيح وتحليل الدلالة وآليات وضوابط التطبيق، فقد التبست المعاني وشوشت المفاهيم بفعل أولئك المتعالمين من أرباب الفرق المعاصرة الجانحة أو من اللذين باعو ضمائرهم وخانوا أقلامهم واستباحوا الاتجار بالكلمة وتحريف الكلم عن موضعه.



فالجهاد في معناه العام يعني بذل الجهد لتقويم المعوج، واصطلاحاً هو الزود ودفع الضرر عن صلب العقيدة ومن يدينون بأصولها بالقول والمال والسلاح، وشرع كذلك لنصرة المضطهدين والمظلومين في دينهم دون بغي أو غدر أو نكوث في عهد أو خرق لسلم، أو تبديد لأمن. وعلى ذلك لا يكون الجهاد شرعياً إلا إذا كان لوجه الله، والله كما نعلم لا يقبل الظلم أو الكراهة أو الاعتداء.

والمتفق عليه أن الجهاد فرض كفاية لا يقوم به إلا العاقل القادر. وقد اجتهد الأصوليون في بسط آلياته وسبله، فالجدال والتناظر والتساجل لدفع الشبه وتصويب الأخبار وفضح الأباطيل من ضروب الجهاد باللسان شأن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبذل المال في البناء والعمران ولكل ما فيه خير للمسلمين واستقرارهم بما في ذلك بناء دور العلم والوقف البحثي والإنفاق على الجمعيات الخيرية والمصحات وتسليح الجيش يمثل الجهاد بالمال، وأخيراً حمل السلاح تحت لواء الإسلام وليس جماعة أو عصبة أو فرقة يمثل الجهاد المسلح، وله ضوابط تمنعه من الوقوع في رذيلة الغدر أو انتهاك الحرمات أو الاغتصاب أو الاعتداء على الآمنين غير المحاربين (الأطفال- النساء- الرهبان- المعاقين- المسنين) ولا يوصف العنف الطائفي (إرهاب الجماعات وحرب العصابات والعنف السياسي والصراع الحزبي والاحتلال الاستيلائي) بإنه جهاد شرعي.

وإذا ما احتج ناقد على ما أوردناه من تعريف بإن هناك وقائع وأحداث ارتكبها المسلمون تناقض هذا التعريف فنقول: أن ما حدث من جرائم وفتن واعتداء وسطو لا ينبعي أن ينسب إلى الإسلام، لأن أصوله ومقاصده والقيم التي تحملها آيات قرآنه تناقض كل مواطن الجموح التي ارتكبت شأن الحروب الصليبية المنافية للمسيح وانجيله، أو موسى وتوراته. فجميع الجرائم التي ارتكبها بعض المسلمين على مر التاريخ بداية من حروب الردة إلى مذابح الأتراك في أوروبا خلال العصر الوسيط يجب إدراجها في باب السياسة.

وحديثنا اليوم لا يرمي إلى توضيح معنى الجهاد الشرعي بقدر ما يقصد إلى تنبيه الأذهان وإيقاظ الغيورين على الإسلام من ذلك الخطر الذي ما برح شرار الناس القيام به، ألا وهو الترويج للإفك والغلو والتعصب، فإن متصفح (الفيس بوك) سوف يجد ثلاثة أنماط أو جبهات تشن الحرب على الإسلام والمسلمين، وجميعها من الداخل أولها يتمثل في تصريحات المتعالمين والمتاجرين في الدين ومنهم الشيخ القرضاوي الذي ما برح يصرح في أحاديثه للشباب بأن ما يحدث من إرهاب وتفجيرات وقتل ونهب واغتصاب في ذلك الصراع السياسي القائم في منطقة الشرق الأوسط (جهاداً إسلامي لا ينقصه سوى الالتزام بأمر الجماعة حتى لا يكون أمراً فردياً).

 وصرح أحد الوهابيين بأن سرقة أموال وممتلكات الأغيار، والسطو واغتصاب حرمات الزميين وأبناء الطاغوت من المسلمين يعد جهاداً وحلالاً لا شبهة فيه إلا تعرض مرتكبيه لخطر لا يستطيع دفعه فعليه بالحذر، ناهيك عن ثالث يقتدي برسول الله- كذبا- بأنه أول الإرهابيين الذين أرهبوا أعداء الله في 27 غزوة و35 سرية. ورابع يبيح قتل الرافضة والأجانب من الفرنسيين والأمريكان...

وأخيراً وجدي غنيم يبارك الهجمات الإرهابية الداعشية في ليبيا وسيناء وكل من يقاتل  الشرطة والجيش المصري بحجة أنه سلب الشرعية من الأخوان المسلمين الذين يمثلون الفرقة الناجية، وكل هؤلاء يستعنون بآيات القرآن والحديث الشريف وأقوال الفقهاء، وذلك بعد تأوليها وتطويعها لاثبات مرادهم. وعلى النقيض من ذلك نجد الجبهة الثانية التي يمثلها شبيبة المتعالمين المرددين لأباطيل غلاة المستشرقين فمنهم من يعيد إثارة قضية حقوق المرأة، وقتل المرتد وغزوات النبي صلى الله علي وسلم وفتوحاته وأقواله حول الجهاد وقتال المشركين، وموقفه من يهود خيبر وبني قريظة وزواجه من صفية بنت حيي، وريحانة بنت شمعون بعد أن قتل ذويهما، وزواجه من عائشة وهي في التاسعة، واستئثاره بخمس الغنائم من الغزوات. وطرده اليهود والنصارى من الجزيرة العربية، وإعلان الحرب على العالم بأسره، ناهيك عن إدعاء المسلمين بأن دينهم هو الحق ودونه كفر وضلال وتحريف. وأن الجنة مفعمة بالملذات الحسية من فواكه وانهار خمر وحور عين وغلمان. وإبقائه على (الرق- والاتجار بالجوارى والإماء) وإباحة التمثيل في القتال بالجثث وقطع الرقاب لردع الأعداء، واقتران شعار "الله أكبر" حيث يقتلون البشر وينهبون ثرواتهم وهي عنوان أو شعار الإرهاب على مر التاريخ.

وغير ذلك من الأحاديث والانتقادات التي تحرض على الإلحاد، ولاسيما بين الشباب الذي لا يعلم عن تراثه إلا القليل. فعلى الرغم من تصدي المتكلمين المسلمين منذ أخريات القرن التاسع عشر لمثل هذه الطعون، إلا أن معارفهم الإسلامية لا تمكنهم من الإطلاع على تلك الردود، والكشف عن هذه الأباطيل، وهاتيك المزاعم ولاسيما في ضوء المناهج الأزهرية القاصرة، والأحاديث التليفزيونية التي طالما صورت المدافعين عن أصول العقيدة الإسلامية إما بالتخلف أو بالتعصب أو الحمق، ناهيك عن الكتابات التاريخية غير العلمية التى تصور التاريخ الإسلامي على أنه سراج من النور وسير لأبرار وقبلة للعلم، أو كتائب بربرية وعقليات إظلامية فرضت الاسلام على شعوب الأرض بالسيف. وأن خلفاء الإسلام طلاب ملك وشهوة، وأن بناة الحضارة لم يكونوا من بين العرب ولا المسلمين، بل كانوا موالي خاضعين للحكم الإسلامي (فرس- مغول- هنود) وسرعان ما يكتشف الشاب الباحث عن الحقيقة أن ما كتب عن المشخصات متناقض وزائف.

أما الجبهة الثالثة: فهي من الداخل أيضاً ويمثلها دعاة العقلانية وحرية الفكر ومروجو النظريات الفلسفية الغربية وجميعهم يعتمد على قراءاته الخاصة غير المتأنية في إصدار الأحكام سواء على كتابات الفقهاء، أو الأحكام الشرعية، أو تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية،  وبعضهم يخرج بنقوضه عن آداب النقاش العلمي ويسقط في دائرة التهكم الذي يقوده إلى القدح والسب. الأمر الذي يعمل على تشويش أواسط المثقفين باعتبار أن الناقدين هم قادة الفكر وأصحاب الرأي وصفوة المجتمع، وليس أدل على هذه الجبهة من تصريحات وكتابات سيد القمي وعدنان إبراهيم ومحمد أركون ونوال السعداوي وحسن الترابي وراشد الغنوشي وغيرهم من الذين اجتهدوا وجانبوا الصواب في العديد من آرائهم.

فجميع هؤلاء – أعني الجبهات الثلاثة- تحتاج لعلماء كلام من طراز خاص من حيث طبيعة لغة الخطاب ومنهج الحوار وآليات استنباط الأحكام وطرائق الاستدلال والاستشهاد بالوقائع التاريخية والعلمية ودفع الحجة بالحجة، والانتصار إلى البرهان بغض النظر عن قائله وغير ذلك من مرونة وواقعية وإعلاء لحرية الرأي والاجتهاد، نعم إنني أدعو الأزهر لإعداد فريق من المؤهلين لهذا العمل، أو إن شئت لتلك الرسالة، وذلك عن طريق عقد مسابقات علمية للرد على هذه الأفكار، وتخصيص جائزة عالمية، ودرجة أكاديمية لأفضل دراسة تقدم منهجاً معاصراً للتحاور، ذلك فضلاً عن إدراج مادة علم الكلام المعاصر، والرد على غلاة المستشرقين وحوار الأديان ضمن مقررات الدراسات العليا في شتى أقسام الفلسفة في العالم الإسلامي، وإنشاء موقع إلكتروني لجمع هذه الأقوال والرد عليها بأسلوب يقبله ويعيه الرأي العام، أو إن شئت المثقف العادي وذلك لننقذ شبيبتنا من الإفراط في التعصب للآراء المتنطعة في الدين التي يتبناها السلفيون الجدد والجماعات الإسلامية والإخوان المسلمين والوهابيين والداعيشين وغلاة الشيعة، وكذا الرد على ذلك التفريط في التشيع للآراء الإلحادية والفلسفات الغربية باسم حرية الفكر تارة، والحداثة وما بعد الحداثة تارة أخرى. والقراءات التفكيكية والتأويلات الفلسفية، أكرر أن بعث علم الكلام في حياتنا المعاصرة أضحى حجر الزاوية للدفاع عن أصول الدين ووسطية الإسلام من جهة، وإنقاذ شبيبتنا من حملات تزييف الهوية من جهة أخرى، ولا أزعم أن هذا المطلب وليد تأمل الأزمة الراهنة بل هو امتداد لدعوة حسن العطار ومحمد عبده والأحمدي الظواهري وعبدالمتعال الصعيدي وغيرهم من المجددين الذين أكدوا على أن الخطاب الديني لا يمكن تقويمه بمنأى عن تحديث علم الكلام، أي العقلية الاجتهادية التي تجمع بين النقل والعقل في مناقشة مشكلات الواقع بكل ما فيه، وكيف لا؟ وهو الفقه الأكبر الذي لا غنى للمسلمين عنه.

وخليق بنا أن نؤكد على أن مصادرة الكتب، أو غلق المواقع الإلكترونية، أو سجن أصحابها أو قتل الجانحين والمروجين للأباطيل لا يحل المشكلة، ولا يصلح ما فسد، فإذا ما اعتبرنا العقوبات من باب الروادع والزجر فلا يحق لنا إدراجها ضمن المعالجات، فلا يميت الأفكار إلا أفكار أخرى تستند إلى أدلة وبراهين ووقائع وحقائق ولا تصوب الأخطاء إلا بالصحاح المقنعة. وعلينا تذكر أن الحدود تسقط بجهل أصحابها، وأن البدع تنشط إذا أهملت، وأن الأكاذيب تعتلي منبر الحق إذا فسد الأئمة وغاب المجتهدون. وإذا ما تساءلنا عن استحالة النظر إلى عمل أقول: من جوه نبدأ، فمن يعجز عن إصلاح ذاته يبيت الفشل مصيره إذا ما شرع في إصلاح الأغيار وإرشادهم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز