عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لغز ذكريات فؤاد سراج الدين!

لغز ذكريات فؤاد سراج الدين!

بقلم : رشاد كامل

ذات صباح صدرت «روزاليوسف» وهى تعلن للقراء عن أكبر وأخطر مفاجأة سياسية وصحفية لم يتوقعها أحد على الإطلاق، لكنها كانت حديث كل الأوساط السياسية والصحفية ليس فى مصر فقط بل فى العالم العربى أيضا.



المفاجأة التى لم تخطر ببال أحد وقتها كانت عن إعلان مجلة «روزاليوسف» أنها سوف تنشر «ذكريات فؤاد سراج الدين» ابتداء من العدد الصادر فى 11 نوفمبر سنة 1974.. إعلان «روزاليوسف» شغل مساحة صفحة كاملة من المجلة وحمل كل سطر فيه مفاجأة أو قنبلة صحفية وسياسية.. وجاء فى هذا الإعلان تحت عنوان كبير «ذكريات فؤاد سراج الدين» ثم سطور أصغر: عن «حادث 4 فبراير، إلغاء المعاهدة، حريق القاهرة، علاقة الوفد بالضباط الأحرار».


ولم تكتف «روزاليوسف» بهذه السطور والعناوين المختصرة لما سوف تتضمنه الذكريات بل شرحت بإسهاب وتفصيل أكثر قائلة:«سيثير «فؤاد سراج الدين» ضجة كبرى على صفحات «روزاليوسف» ابتداء من العدد القادم.


سيروى بصراحة قصة عشرة أعوام لا تزال شبه مجهولة فى تاريخ مصر الحديث، وهى الأعوام التى بدأت بحصار الإنجليز لقصر الملك عام 1942، وانتهت إلى قيام ثورة يوليو عام 1952.


إن هذه الأعوام العشرة الحاسمة فى تاريخ الشعب المصرى لم تعلن جميع حقائقها بعد، لأن الثورة شغلت الناس عنها، ولأن الذين يعرفون خباياها لم يتح لهم أن يتكلموا باعتبارهم ينتمون للنظام الذى قامت الثورة ضده!!


لكن التاريخ تاريخ، وهذه الأعوام العشرة المجهولة أو شبه المجهولة قد آن أن تسجل حقائقها وخباياها ولا أحد يعرف هذه الحقائق والخبايا مثل «فؤاد سراج الدين».


فهو كان- فى بداية الأعوام العشرة- نجم الوفد البازغ وعاش هذه الأعوام وهو أهم شخصية فى كواليس السياسة المصرية بعد «النحاس باشا».


كان الرجل الأول عندما ألغى الوفد المعاهدة المصرية- البريطانية، وكان مورد السلاح من الحكومة للفدائيين فى منطقة القنال، وكان وزير الداخلية عندما احترقت القاهرة، وكان همزة الوصل بين «الوفد» وبين الضباط الأحرار إلى أن قاموا بالثورة».


ومضت «روزاليوسف» تقول بكل ثقة:


وفى الأسبوع القادم يبدأ فؤاد سراج الدين يروى لأول مرة أسرار هذه الأحداث كلها كما عاصرها بنفسه، وكما شارك فيها ولعب دورا أساسيا فى توجيهها..إن هذه الذكريات ستنقلها صحف العالم ووكالات أنبائه عن «روزاليوسف» وسيتابعها ويحتفظ بها القراء والباحثون والمؤرخون والكتاب والسياسيون فى العالم كله.


إن فؤاد سراج الدين لم يكن مجرد شاهد عيان لأحداث هذه الأعوام العشرة الحاسمة فى تاريخ مصر وتاريخ المنطقة العربية وإنما كان أيضا من صانعى هذه الأحداث بل ومن أهمهم على الإطلاق.. كان هذا بالضبط ما كتبته «روزاليوسف» فى عددها يوم 4 نوفمبر 1974.


فى تلك الأيام كانت «روزاليوسف» تحت قيادة الأديب الكبير الأستاذ «عبدالرحمن الشرقاوى» ورئاسة تحرير كل من المايسترو «صلاح حافظ» والمبدع «فتحى غانم» والعضو المنتدب الأستاذ لويس جريس قد حققت أعلى توزيع بين كل المجلات الأسبوعية المصرية، وبلغ توزيعها أكثر من مائة وثمانين ألف نسخة أسبوعيا وهو أقصى طاقة لمطابعها وقتها، وحدث نفس الشىء لصباح الخير من توزيع غير مسبوق وكان يرأس تحريرها الكاتب الفنان «حسن فؤاد» ومدير تحريرها الأستاذ رءوف توفيق.


باختصار شديد كانت تجربة «روزاليوسف» و«صباح الخير» حدثا سياسيا وصحفيا، وحتى ذلك الوقت لم يكن الرئيس السادات يضيق صدره بما تنشره الصحافة فقد أصبح بطل العبور، وأكسبه الانتصار العظيم فى حرب أكتوبر شرعية ودعما ومساندة وتأييدا شعبيا بغير حدود. فى ظل تلك الأجواء انتظر الناس فى مصر أو فى العالم العربى ذكريات فؤاد سراج الدين الذى كان فى نظر الكثيرين العدو والخصم التاريخى لثورة يوليو، فحتى ذلك الوقت وبعد سنوات طويلة من محاكمته ثم سجنه ثم الإفراج عنه، كان الرجل قد اعتكف واعتزل السياسة، ولم يحدث أن أدلى بتصريح أو حديث صحفى على الإطلاق.


وربما كانت المرة الأولى وربما الأخيرة التى نشرت فيها الصحف تصريحات فؤاد سراج الدين فى أثناء محاكمته أمام محكمة الثورة التى بدأت فى 9 ديسمبر سنة 1953 والتى كان أحد أعضاء تلك المحكمة البكباشى أنور السادات ووجهت المحكمة إليه تسع تهم أعلن أنه غير مذنب فيها جميعا.


كان السؤال الذى يشغل بال الجميع بعد نشر إعلان «روزاليوسف» وإشارته إلى ذكريات فؤاد سراج الدين وعلاقة الوفد بالضباط الأحرار ما الذى سوف يقوله الرجل؟ وربما جمح الخيال ببعض كبار السن الذين عاصروا الفترة التى تلت قيام ثورة 23 يوليو واستعادوا بعض ما نشر وقتها من مذكرات «السادات» التى كان ينشرها فى جريدة الجمهورية وتناول فيها موقف حزب الوفد من الثورة، وقصة اجتماع جمال عبدالناصر نفسه مع فؤاد سراج الدين فى منزل اليوزباشى «عيسى سراج الدين» صهر «فؤاد باشا» وعضو الضباط الأحرار.


واستمرت المناقشة أربع ساعات دون أن تؤدى إلى نتيجة.


ومضت ستة أيام على صدور «روزاليوسف» وإعلانها القنبلة، وتصدر «روزاليوسف» فى 11 نوفمبر 1974، وكانت المفاجأة التى لم يتوقعها أحد، وبدلا من أن تنشر «روزاليوسف» كما أعلنت ذكريات فؤاد سراج الدين نشرت خطابًا مفتوحًا من فؤاد سراج الدين إلى «روزاليوسف»!!


جاءت سطور الخطاب القنبلة كما يلى:
عزيزى الأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى، أشكركم على ما أفسحتم من صفحات «روزاليوسف» الغراء لنشر بعض ذكرياتى السياسية، وأكون شاكرا لو تفضلتم بإعطائى مهلة قصيرة، أستكمل فيها بعض النقص فيما سردت لتصبح مذكرات سياسية لا بعض ذكريات.. فقد اكتشفت وأنا أراجع ما تحت يدى من وثائق أن الجزء الذى قدمته إليكم يحتاج إلى إضافات ضرورية وإلى وثائق حتى يكون فى مستوى مسئوليتى كشاهد أمام التاريخ، وفى مستوى ما ينتظره الذين تبينت من لهفتهم أنهم يتوقعون منى مذكرات سياسية مدعومة بالوثائق، ولدى من الوثائق ما يحتاج النظر فيها والإفادة منها إلى وقت أطول مما أتيح لى.
وإذا تفضلتم بتأجيل النشر حتى أعد المذكرات على الوجه الذى تحتمه المسئولية التاريخية فأنا أعد بألا يطول التأجيل وعذرى أمام قرائكم أننى أريد أن أقدم لهم مذكرات أكمل وأشمل يمكن أن يعتد بها كوثيقة تاريخية عن المرحلة المهمة التى أتحدث عنها.. وأرجو أن تقبلوا خالص شكرى.


المخلص فؤاد سراج الدين
انتهت رسالة الباشا وفى نفس الصفحة وأسفل الخطاب كتبت «روزاليوسف» هذه السطور بالغة الأهمية والدلالة: تلقت «روزاليوسف» هذه الرسالة قبل ساعة واحدة من موعد طبع الصفحات التى تحتلها الحلقة الأولى من ذكريات فؤاد سراج الدين لكن مجلس التحرير قرر أن يستجيب لها لثلاثة الأسباب:


الأول: أن حق المؤلف من وجهة نظر «روزاليوسف» أولى بالاحترام من حق النشر.


الثانى: أن «روزاليوسف» ترى أن نشر هذه المذكرات هو مسئولية تاريخية قبل أن يكون مجرد عمل صحفى ناجح.


الثالث: أن «روزاليوسف» تفضل فعلا أن تحصل على مذكرات فؤاد سراج الدين من أن تحصل على ذكرياته، ولا مانع لديها فى سبيل ذلك أن تنتظر عدة أسابيع.


ومضت الأسابيع والشهور والسنوات حتى رحل عن الحياة فؤاد سراج الدين باشا فى أغسطس سنة 2000، ولايزال السؤال حائرا: أين ذهبت ذكريات أو مذكرات الباشا؟•

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز