الخطبة المكتوبة ... والدين الوسطى الجميل

بقلم : جمال نافع

حاول الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق تنفيذ خطة الأذان الموحد فى القاهرة، وفشلت الخطة رغم جمال صوت المؤذن التى إختارته الوزارة ليصدح من مآذن المحروسة مرة واحدة بدلا من الاصوات التى كانت تؤذن بعضها نشاز، ويتداخل أصوات المؤذنين بعضها مع بعض.

ثم فوجئنا بابتكارات الدكتور محمد مختار جمعة وزير الاوقاف الحالى مرة بخطبة الجمعة الموحدة، ثم تطور الامر الى خطبة الجمعة المكتوبة، وفى الوقت الذى هدد أعضاء بهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية، باعتزال الدعوة وعدم صعود المنابر مرة أخرى، إذا أصرت وزارة الأوقاف على قرار "الخطبة المكتوبة"، حيث اعتبر بعضهم أن هذا نوع من أنواع القضاء على الإبداع، فيما اعتبره آخرون أنه قتل لروح الخطبة.

إدعت وزارة الأوقاف، فى بيان لها، عن تزايد نسبة المؤيدين لتعميم الخطبة المكتوبة، حيث قالت أن نسبة المؤيدين لها 63%، وهى في تزايد مضطرد، نتيجة لجهود الوزارة فى توضيح أهمية تطبيق الخطبة المكتوبة، وكونها مشروعا فكريا عظيما لتحقيق الفهم المستنير.

فى نفس الوقت الذى صرح فيه وزير الأوقاف خلال اجتماع اللجنة الدينية بالبرلمان أن "الخطبة المكتوبة" فى مرحلة الدراسة والتجريب وليس لها أبعاد سياسية ولا تتناقض مع الدين، ولن أسمح باختطاف المتطرفين للمنابر لنشر الأفكار الهدامة.

وكل حجج وزير الاوقاف مردود عليها، وهى حجج واهية لا تحتاج الى براهين كثيرة، فلا الخطبة الموحدة ستمنع نشر الافكار الهدامة بين الشباب، وإلا أقترح على الوزير أن يمنع النت والفضائيات والكتب بالمرة حتى لا يصل الفكر الهدام الى الشباب.

إن الله تعالى من حكمته فى الخلق التعدد، فمنذ بدء الخليقة الى قيام الساعة لم يخلق اثنين متشابهين، فلماذا تريد الوزارة أن تقولب الناس فى قالب واحد؟ وهل من يسكن فى الريف كم يسكن فى الحضر؟ وهل من يقيم فى الصعيد كمن يقيم فى بحرى أو الصحراء؟ فمن سيكتب الخطبة الموحدة لمن يكتبها من هؤلاء وقد إختلفت مشاكلهم الدينية والدنيوية والاجتماعية؟ أليس تقييد الإمام بالخطب المكتوبة والموضوعة يجعله يردد ما كتب له ويحرمه من معالجة الأحداث التى تمر بالبلاد؟

وهل تظن أن واحدا فقط، أو حتى مجموعة، تكتب لجميع المصلين فى مصر، ألن يدفع ذلك بالخطاب الدينى نحو التجميد بدلا من التجديد؟

أقترح على وزير الاوقاف، وهو يهوى أن ستولى بنفسه خطبة الجمعة فى الاذاعة كل أسبوع، أن يصدر قرارا أن تنقل كل مساجد مصر خطبته من الاذاعة على الهواء مباشرة، ولا داعى للشق على الخطباء الاخرين أن يرقتوا المنابر للقراءة الخطبة المكتوبة كالبغبغانات، أو ليطور الامر، فيسجل لهم خطبته بصوته ولتذيعها المساجد فى أن واحد ويسميها "الخطبة المسموعة"، وبذلك ننتقل من "الخطبة الموحدة" الى "الخطبة المكتوبة" الى "الخطبة المسموعة" وهذا هو التطور الطبيعى لـ ... الدين الوسطى الجميل.

مدير تحرير بجريدة الاهرام