عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"وكمان بتصلوا يا كفرة"
بقلم
علي مقلد

"وكمان بتصلوا يا كفرة"

بقلم : علي مقلد

كنت قد اتخذت قرارا بمواصلة سلسلة مقالاتي عن "دماء على كرسي الخلافة" والتي أسرد فيها قصة الدماء المحرمة ، التي سفكت تحت خيول الصراع على السلطة في العصور الإسلامية ، بداية من مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان في أول ثورة من نوعها في التاريخ الإسلامي ، وكان أملي أن استمر - دون توقف أو التفات للأحداث اليومية - حتى أصل إلى قيام مصطفى كمال أتاتورك بإطلاق رصاصة الرحمة على مسمى الخلافة بعد مئات السنين من الصراع الدامي ، الذي ما زلنا نعاني من أثره حتى الآن ، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه ، فقد هبت علينا في الأيام الأخيرة عواصف مدمرة وأحداث مخزية ، قام بها تتار العصر،  ضد جيرانهم المسيحيين في بعض قرى الصعيد ، وكانت تهمة الأخوة المسيحيين ، التي أغضبت جموع الرعاع والحمقى أنهم "يجهزون مكان للصلاة" ، وكأن لسان حال المتطرفين وهم يقذفون بيوت جيرانهم بالحجارة، يقول " وكمان بتصلوا يا كفرة".



لم يعد يجدى دفن الرؤوس في الرماال والحديث المائع ، عن أن ما يجري في المنيا وبني سويف مجرد حوادث فردية ، فانتشار تلك الحوادث وانتقالها بشكل يكاد يتطابق يؤكد أن ثمة تيار متطرف كامن خلف ستار الدين ، يحرك جموع الغوغائيين تجاه أبناء وطنهم الذين يخالفونهم في العقيدة ،ففي بني سويف أقدم عشرات الأهالى من مسلمى القرية قبل أيام بالتظاهر أمام منزل أحد الأقباط، بعد شكهم فى قيام جارهم القبطى ببناء الدور الثانى فى مدرسة دار عبادة ، وهي صورة طبق الأصل من حادثة أخرى شهدتها محافظة المنيا في قرية أبو يعقوب والتى نتجت عن شائعة تم ترويجها بشأن تحويل منزل تحت الإنشاء لكنيسة مما أسفر عن إضرام النيران فى ثلاثة منازل وإحراقها .

فضلا عن حوادث أخرى لا تخلو من البعد الطائفي مثلما حدث في قرية الكرم بأبو قرقاص بالمنيا أيضا، عندما تم تجريد سيدة مسنة من ملابسها وحرق سبعة منازل، وذلك ايضا بعد ترويج شائعة مفادها وجود علاقة بين نجلها المسيحى وفتاه مسلمة ، كذلك الواقعة التى شهدتها قرية طهنا الجبل بالمنيا أيضا – وكأن المنيا تتجه لإعلان نفسها إمارة سلفية-  بعدما وقعت ‏مشاجرة بين عائلتين إحداهما مسلمة والأخرى مسيحية أسفرت عن مقتل قبطى وإصابة اثنين آخرين‎ وكان السبب الرئيسى فيها مشادة كلامية بين طفل صغير وبرفقته 3 أطفال آخرين، مع بضعة أطفال أقباط  ، خناقات الأطفال يعد روتينا يوميا في شوارعنا خاصة في الصعيد والأرياف وينتهى الموضوع بتدخل شخص كبير من إحدى عائلات الأطفال أو ربما يكون الكبير مجرد عابر سبيل قادته الصدفة لحضور "خناقة العيال" فينهر الأطفال ويسمعهم "كلمتين" وكل "عيل يروح لأمه" لكن لأن الموضوع فيه شحن طائفي ، تتحول خناقات الأطفال إلى كوارث تهدد أمن واستقرار المجتمع.

المفارقة في  أحداث "صفط الخرسا" ببنى سويف أن جموع الغاضبين الذين رشقوا منزل جارهم المسيحي ، كانوا لتوهم خارجين من صلاة الجمعة ، فهم يستحلون لأنفسهم قطع الشوارع وفرش السجاجيد بعرض الطرقات لآداء الصلاة ، فيما يرجمون منزل مواطن آخر، أراد أن يصلي في منزله ، وكأنه يرتكب جريمة كبرى ، أو يأتي بفاحشة مبينة ، مع أن القرآن الكريم يقول "وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً" فالآية  تقرن المساجد بالصوامع بالبيع في جملة واحدة وتصفها بأنها أماكن يذكر فيها اسم الله ، فهل أصبح ذكر الله والصلاة جريمة.
أنا هنا لا أتحدث عن قانونية تحويل قاعة في منزل للصلاة من عدمه ، فتلك مهمة تختص بها السلطة التنفيذية ، وليس المواطن العادي ، فترك المواطنين لتنفيذ القانون يحول البلد إلى فوضى وغوغائية ، قد تأتي - عند عدم اجتثاثها من البداية - على الأخضر واليابس ، عندها لن تنفعنا ابتسامات الشيخ والقسيس أمام الكاميرات ، ولا بيانات "بيت العائلة" المتشابهة والمكررة والمملة حول أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان وأننا نسيج واحد .... العبارات الرنانة والجمل النمطية المعتادة لم تعد تنهى أزمة ولا تضع حلا.
 
صحيح أن الرئيس السيسي أكد غير مرة أن القانون يجب أن يطبق على الجميع وأن كل المواطنين سواسية ،لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات ، لكن يبدو أن صوت الرئيس لم يجد صدى في المنيا وبني سويف وبعض القرى ، حيث يتقاعس المسئولون عن الأخذ بزمام الأمور والتصدي لهذه الأفكار الشيطانية،  التي تفشت في بلدنا بشكل مخيف ، وبناءا عليه لا حل سوى الضرب بيد القانون ،  دون شفقة أو رحمة على الذين يهددون أمن واستقرار البلاد ، فالطائفية الملعونة ليست ملفا هينا ،قد تحل أزمته في جلسة صلح عرفية ، بل هي جرح دام في القلب ، ما لم تواجه بحلول جذرية ترضي جميع الأطراف وتنزع الغضب من القلوب وتعيد المحبة بين أبناء الوطن الواحد .
 
وفي نهاية مقالي أتوجه بثلاث رسائل ، الأولى لمجلس النواب : أيها السادة المحترمون ، التقاعس عن إصدار قانون دور العبادة الموحد سوف يشعل المزيد من الفتن الطائفية في قابل الأيام ، فإما أن تنجزوا هذه المهمة ، وإما أن تتركوا مقاعدكم فورا ،  حتى لا يلحق بكم عار  "تفشى الاحتقان الطائفي " الذي أصبحتم جزءا من إشعاله ،  أو على الأقل عدم القيام بمسئولياتكم لإطفائه ، أما الرسالة الثانية فهي لمؤسساتنا الدينية "الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء والكنيسة" : ابتعدوا عن هذا الملف يرحمكم الله ، تلك أمور قانونية لا بد فيها من تطبيق القانون على الجميع ، وعليكم بنشر التسامح بين أتباعكم والحث على الوطنية ،  بدلا من "جلسات المصاطب" التي تسارعون إليها بعد كل أزمة .. كلنا مواطنون في دولة واحدة ، يحكمنا القانون ، ولسنا رعايا لرجال الدين.

أما الرسالة الثالثة فهي إلى المتعصبين والمتطرفين من المسلمين ، ماذا يضيركم في صلاة إخوانكم في الوطن ؟ ، هل صارت الصلاة "رجس من عمل الشيطان"، أم أن فقه الكراهية القادم من صحراء البدواة ، أفقدكم صوابكم ، احذروا من طوفان الفتن ،وأعلموا أن مصر للجميع ، وليست لأتباع دين بعينه ... أما السلطة التنفيذية فلا تحتاج مني أو من غيري رسائل ، فتلك مهمتها وعليها القيام بها على أكمل وجه ،وبأقصى سرعة ، حتى لا يكتب التاريخ ذات يوم " إنه في ذلك العصر قام مصريون مسلمون بحرق دور عبادة لمصريين مسيحيين أو العكس" فكتابة مثل هذه العبارة في التاريخ ، عار ليس بعده عار  ، ليس على السلطة وحدها بل على الشعب أيضا.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز