عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
للفتنةِ الطائفية تاريخٌ طويل وحُلولٌ غَائبة

للفتنةِ الطائفية تاريخٌ طويل وحُلولٌ غَائبة

بقلم : د. شريف درويش اللبان

 تنوعت الفتن الطائفية فى مصر ما بين حوادث فردية تحولت لأحداث طائفية، ووقائع التحول الدينى، وبعض حوادث العنف الجماعى، واستهداف دور العبادة "خاصة الكنائس"، ويتضح أن الأزمات الطائفية قد تكررت خلال السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، ومع الاعتراف بأن ثمة اختلاف دينى بين عنصرى الأمة المصرية، إلا أنه يمكن القول إن مصر لم تصل فى أى وقت من الأوقات إلى وضعية المجتمعات الطائفية التى عرفها التاريخ الحديث، كما تبين لنا أنه فى كثير من الأوقات ومنذ الاحتلال البريطانى لمصر كانت العوامل الخارجية تلعب دورًا ملموسًا فى حدوث الصدامات بين المسلمين والأقباط.



  وقد تبين من دراسةٍ مهمة أقوم بالإشراف عليها لتلميذتي الباحثة أسماء فؤاد حافظ أن الفتنة الطائفية فى مصر منذ عام 1972 وحتى عام 2016 تركزت بشكل أساسى فى محافظات القاهرة والمنيا والجيزة تلتها محافظات الإسكندرية وبنى سويف وأسيوط وسوهاج وقنا والفيوم ثم جاءت محافظات الشرقية والغربية والدقهلية، بينما شهدت بعض المحافظات حدثًا طائفيًا واحدًا خلال تلك الفترة كالقليوبية وكفر الشيخ ومطروح وشمال سيناء والأقصر وأسوان.

 وقد اتضح أن طرق مواجهة الأحداث الطائفية تؤكد على تركيز النظم الحاكمة باختلافها على معالجة هذا الملف من الناحية الأمنية مع إغفال المعالجة السياسية والمجتمعية. فقد ثبت من تطور الأحداث نجاح الحل الأمنى بشكل جزئى، إذ أنه ما تزال الأحداث موجودة وتتجدد، وهذا يرجع لعدم معالجة الجذور، والاكتفاء بمعالجة مظاهر الأحداث، كما أن الحل الأمنى كان يعقب المشكلة، إلا أنه يجب على الأجهزة الأمنية أن تقوم بإعداد نفسها من خلال استخدام نظريات الأمن الوقائى والدمج بينها وبين نظريات الأمن العلاجى، فضلاً عن تطوير القدرة على التنبؤ بمحاولات إثارة الفتنة عبر استخراج المؤشرات العلمية وتحليلها والاستعداد للتحرك السريع لمواجهتها، وفى الإطار ذاته يجب أن يتم تأكيد هيبة القانون، كما يجب أن يكون تدخل الأجهزة الأمنية سريعًا وفعالًا بما يمنع إضفاء أبعاد دينية أو طائفية على الخلافات أو التوترات العادية  التى قد تحدث بين المواطنين.

 وقد كشفت الأحداث الطائفية التى شهدتها مصر بشكل عام عن غياب مفهوم الإدارة الرشيدة للأزمات؛ نتيجة غياب الشفافية، وحرص الأطراف المختلفة على التصعيد، واللجوء إلى أساليب الشحن الدعائى وإلقاء الاتهامات المتبادلة، وإطلاق العنان للشائعات، والقابلية إلى الانسياق وراء العوامل غير الموضوعية فى التناول؛ وهو ما يجعل المجتمع فى حالة من السيولة واللا معيارية التى تنذر بتفجر الأوضاع فى أى وقت وأى مكان. حيث أنه بمجرد وقوع الأزمة تطفو على السطح سلسلة من الخطابات المعتادة التى تتحدث عن الشأن الطائفى، هذه الخطابات فى حالة تناسخ دائم، وكأن ما يحدث هو إعادة تدوير متعمد لرؤى تسهم فى إبقاء حالة الاحتقان الطائفى، وتتمثل هذه الخطابات فى: خطاب الوحدة الوطنية (الذى يتحدث عن العلاقات الحميمة بين المسلمين والأقباط الذين يُوصفون بعنصريْ الأمة)، وخطاب الإنكار (ومفاده أن المشكلات بين الجانبين الإسلامى والمسيحى إما عارضة أو مفتعلة)، وخطاب الاتهام (حيث  تتسارع مختلف الجهات إلى إلقاء اللائمة على طرف بعينه فى كل حادث طائفى)، وخطاب المشكلات القبطية (إذ يُعاد فى أعقاب كل حادث طائفى إنتاج خطاب الهموم الطائفية الخاصة بالأقباط، مثل العقبات التى تعترض بناء الكنائس، والتمثيل السياسى للأقباط .. إلخ).

 إضافةً إلى ما سبق، فإن استمرار أساليب المعالجة الوقتية للأزمات الطائفية يجعل من الممكن إنتاجها وتفاقمها بين الحين والآخر، وهو ما قد يؤدى إلى توترات داخل كيان الأمة المصرية بين مسلميها وأقباطها؛ الأمر الذى ينذر بمخاطر جمة فى ظل استمرار المعالجات الراهنة للأحداث، ما لم يُعالج الأمر برؤية سياسية واجتماعية وإعلامية متعمقة وواعية.

 أما عن أسباب الاحتقان الطائفى فيمكن إجمالها فى: الأمية والجهل، وغياب ثقافة الحوار، وغياب الشفافية، وتدهور مستوى التعليم وقيامه على التلقين والحفظ دون الفهم والابتكار والتفكير، والمعالجة الإعلامية القاصرة للأحداث، والخطاب الدينى المغلوط فى كل من الجانبين، خاصة وأن الفتنة الطائفية فى مصر عقب ثورة 25 يناير ظهرت على أرضية دينية وليست سياسية أو اجتماعية كما كان يحدث، وهو ما اتضح للجميع خاصة إبان عزل الرئيس محمد مرسى، فمن جهة قامت الجماعات المتشددة بافتعال بعض الأحداث الطائفية فى ظل التوظيف السياسى للدين، ومن جهة أخرى وقعت حوادث طائفية نتيجة الانفلات الأمنى والتحفز الشعبى العام، وعدم شعور الجميع بالاستقرار السياسى.

 ومن خلال ما سبق يمكن القول إننا فى حاجة لمواجهة أعمال العنف الطائفى، وهو أمر لن يتأتى بالتهوين من شأنها أو التعتيم عليها، فينبغى إحاطة الرأى العام بالحقائق الكاملة فى مثل هذه الأعمال، كما ينبغى تطبيق القانون بصرامة على مختلف الأطراف التى تشارك فى تأجيج الفتن الطائفية، وينبغى كذلك إجراء مراجعة شاملة لمناهج التعليم وسياسات الإعلام، وجعلها تستهدف الإعلاء من قيم التسامح وتعزز ثقافة المواطنة والحريات ونبذ العنف والتعصب والكراهية الدينية، ونشر الوعى لدى المواطنين خاصة عند استخدامهم صحافة المواطن؛ حتى لا يساهموا فى إذكاء الفتن والتعصب، وأخيرًا يجب وضع برنامج شامل للإصلاح فى شتى المناحى وتوافر إرادة سياسية لتنفيذه، كما أن غياب التوتر الطائفى يرتبط بوجود مشروع أو هدف قومى يسعى النظام إلى تحقيقه؛ لإقامة بناء داخلى قادر على تعبئة الشعب حوله بدلًا من الانقسامات والصدامات؛ وذلك حتى لا يظل المجتمع أسير خطابات طائفية تكرس انقسامه وتضر بحقوق مواطنيه.

حفظ الله مصر بمسلميها ومسيحييها، بمآذن مساجدها وأبراج كنائسها، بإنجيلها وقرآنها.. مصر لن تُبنَ سوى بسواعد أبنائها ولن يحميها سوى عيونهم الساهرة بغض النظر عن خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي.. مصر لكل المصريين دون أي تمييز على أساس العِرق أو اللون أو الدين

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز