عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مِصرُ التى فى "مراســـى"

مِصرُ التى فى "مراســـى"

بقلم : محمد دويدار

"اه لو لعبت يا زهر واتبدلت الاحوال" .. ؟!



 تُري هل سألت نفسك هذا السؤال من قبل  " ماذا كنت ستفعل لو تبدلت الاحوال وصرت مليونيرا؟ "

 بالطبع لو أنك سألت نفسك هذا السؤال في الثمانينيات من القرن الماضى لكانت الاجابه الفوريه انك ستشتري شقه في شارع جامعة الدول العربيه وسياره مرسيدس تمساحه او زلموكه وشاليه في العجمي او المعموره  ... اما اذا سألت نفسك نفس السؤال في التسعينات فبالتأكيد كنت ستختار شقه في أبوالفدا بالزمالك وسياره بي ام دبليو طراز الدبانه وشاليه في مر اقيا او ماربيلا ... اما اذا كان نفس السؤال في الالفينات وبالتحديد (عصر ما قبل الثوره) فمن دون تردد كنت ستختار شقه في الرحاب وسياره مرسيدس سى 180 وشاليه في مارينا ...

الي هذا الوقت كان كل شئ يسير طبيعيا في مصر و كانت الأمور تخطو في الاتجاه المنطقي حيث تلك المتطلبات لم تزل في متناول اى مليونير وكان آنذاك مازال تعريف المليونير هو ذلك الشخص الذى يمتلك مليون جنيه مصريا تكفيه ليعيش حياه كريمه ويحقق اغلب أحلامه وتجنبه مذلة وهوان ان يصبح مواطن عادى مطحون ا!

لكن تُري ماذا حدث بعد الثوره ..؟!

للاجابه علي هذا السؤال عليك ان تطلق العنان لخيالك وانت تري هذا التغير المجنون والغير مسبوق وكأن مصر تبدلت بين ليله وضحاها من النقيض الى النقيض حتي صارت الاجابه علي هذا السؤال غايه في الصعوبه والحيره وكيف لك ان تجيب وانت تري قصور وفيلات لا حصر لها بكمبوندات التجمع الخامس والشيخ زايد وقد تعدي سعر الفيلا عشرة ملايين جنيها بينما السباره اللامبورجيني التي يقتنيها فنان صاعد سعرها يتخطى ستة ملايين جنيه في حين ان الفيلا صف اول بمصيف هاسيندا بالساحل الشمالي تبلغ قبمتها خمسين مليون جنيه !

نعم ..ويالــــَسُخرية الاقدار فللأسف سيدى المليونير الفقير أنت بالقياس صِرت من الكادحين المغلوبين على أمرهم فمليونك اليتيم الذى تمتلكه لم يعد كافيا حتى لشراء شقه صغيره لا تتعدى مساحتها الـ تسعين متر مربع في أي كمبوند راقى من كمبوندات المحروسه في ثوبها الجديد .. بل وصار لزاما علينا ايضا ان نعيد تقييم وضعك لنضع الأمور في نصابها الصحيح وفقا للمفاهيم الجديده حيث وجب نزع لقب مليونير منك او بالأحرى الغاء اللقب من الأساس لانه اصبح بلاجدوى ... نعم اصبح موضه قديمه جديدا ولنقترح مسمى اخر اكثر واقعيه ودقه واقناعا وليكن مليوندير مثلا وهو الشخص الذى يمتلك مئات الملايين ولم يصل بعد للقب ملياردير وهذا هو اضعف الايمان كى يصبح من علية القوم حاليا ...

خمس سنوات عجاف مرت كانت كفيله ان تغير التركيبه المجتمعيه والسكانيه والاقتصايه في مصر تماما بل وتقلبها رأسا على عقب .. كانت كفيله ايضا ان تجعل طبقات جديده تطفو على السطح وطبقات أخرى تغرق الى القاع حيث اللا رجعه ..

ولأننا شهود عيان على هذا العصر الذى يحدث فيه ذلك التحول التاريخى المذهل فنحن اقدر الناس على التحليل والتأريخ ولتكن كلمة حق ان لم تُجدى حاليا فلعلها تنفع اجيالا قادمه

اذا اردت التفكير والتدبر قليلا فيما نحن فيه الان  فلتسأل نفسك سؤالين هامين جدا .. السؤال الأول هو لماذا كل هذا الغلاء المستوحش الذى نعيش فيه والسؤال الثانى من اين ظهر هذا الكم الرهيب من المليارديرات وأصحاب رؤوس الأموال الطائله وأين كانوا من قبل ؟

وللاجابه على السؤال الأول يلزم ان نبدأ بالاجابه على السؤال الثانى وهو "من اين جاء هؤلاء وأين كانوا فيما سبق؟ "

الحقيقه اننا كنا في العصور السابقه نسمع ونرى صولات وجولات هؤلاء الصفوه البالغ عددهم ربما عدد أصابع اليدين معا او يزيد قليلا ..هؤلاء المعروفون بسيماهم تعرفهم من هيئتهم وهيبتهم وسطوتهم وقربهم من الطبقه الحاكمه وكانوا هم المُنعمين والمسلط عليهم الأضواء دوما ولكن ولان الفساد دائما له ذيول وحواشى والف ذراع فقد كان منطقيا جدا ان تلعب في الخفاء حيتانا صغيره عددها لا يعلمه الا الله والعالمون ببواطن الأمور وقد ظلت تلك الفئه لا تظهر للنور ابدا لانها تدرك تماما انها اذا ما رأت النور احترقت لذا فقد كانت تفضل اللعب في الخفاء بعيدا عن الأضواء.... وفجأه قامت الثوره فـفر من فر وخر من خر واناب من اناب.. هنا كانت تلك الفئه في مأمن تماما حيث وُجِهت كل اصابع الاتهام الى الصفوه الكرام المنعمين دون غيرهم .. فلما ادرك شهريار الصباح وسكتت الثوره عن الكلام المباح وظن ان لن يُسجن الا من سُجِن ولن يفرُ الا من فر وثبتت الرؤيا تماما بدأت حينئذٍ تلك الحيتان تخرج من جحورها وكأنها يأجوج ومأجوج يخرجون من كل جدب يأكلون الأخضر واليابس ، يشترون ماتقع اعينهم عليه كأكبر عملية غسيل أموال مجتمعيه على مر التاريخ مستغلين فتره الهرج والمرج واللادوله التي كنا عليها في سنوات ما بعد الثوره الأولى .. نعم انهم ادركوا ان الثوره انتهت الى لا شيء وكما يقول المثل " الضربه اللى ما تكسرش تقوى" ..

وبديهيا جدا انه كما تعلمنا في مناهج الاقتصاد "كلما زاد الطلب وقل العرض ارتفعت الأسعار" .. وهذا ما حدث تماما فقد كان لهذا الظهور المفاجىء لرأس المال الضخم المستتر طويلا اثره العظيم في زيادة أسعار كل شيء وبجنون ولا عزاء للمواطن البسيط الذى كان يسمى سابقا متوسط الدخل وليرحم الله هؤلاء محدودى الدخل والذين كانوا يعيشون تحت خط الفقر قبل ان يختفى اخر طرف لهذا الخط من امام اعينهم ومن تحت اقدامهم

ويبقى سؤال هام ..هل كل الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال منحرفيين وفاسدين ومتورطين في غسيل أموال ؟

قولٌ واحد لا .. فهناك رجال اعمال محترمين صنعوا ثرواتهم على مر الزمان باحترام وبالحلال وهؤلاء أيضا معروفون بسيماهم وبسيرتهم العطره وبافعالهم المشرفه ولكن هناك قاعده ذهبيه تقول  "اذا ساد الخبيث يصعب التمييز" وبما ان الفساد استشرى في الفترات السابقه فقد اخذ العاطل بالباطل والطيب بالخبيث وهذا خطأ مجتمعى لا يغتفر ولكنه الواقع الأليم للأسف ..

وأخيرا نحن لسنا  دعاة تخلف ورجعيه ولا نريد لمصر ان ترجع للوراء ولا نرفض العمران والتكنولوجيا والتطور والحضاره ولا نصادر حرية احد ولا نحجر على حق من أراد الرفاهيه وسعى  لها سعيها ولا حتى نملك ان نحاسب أحدا على معتقداته وافعاله وتقاليده ولا نحقد على هؤلاء الرأسماليين الجدد ولا حتى نعتب عليهم لما فعلوه بنا دون قصد او بسبق الإصرار والترصد ..

جل ما نتمناه ان يتركوا لنا ما بقى من هذا الوطن على حاله وليظلوا هم في مِصرهم التي في مراسى وهاسيندا

جل مانتمناه ان نبنى وطننا جديد كما تمنيناه دوما وطنا طيبا يسع الاختلاف والتنوع متاح للغنى والفقير ..وطنا لكل الأديان والألوان والاعراق .. وطن الشهامه والجدعنه والأخلاق كما كنا دوما من قديم الاذل ..

 فلتعيشوا سادتى امنين مطمئنين في قصوركم فلن نزاحمكم ابدا في تأشيرة دخول مدينتكم ولن نزعج احلامكم السعيده بعد الان.. فلكم مِصَركم ولنا مِصرنا !!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز