عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ارفعوا الدعم حرصا على الفقراء

ارفعوا الدعم حرصا على الفقراء

بقلم : بهجت العبيدي البيبة

إن التجارب الإنسانية - الناجحة منها والفاشلة - رصيد للبشرية جميعها، وليس على المرء خوض جميع التجارب للوصول لنتائج تم تحقيقها، وأُثْبِتَ نجاحها من فشلها، والخبرات البشرية تراكمية، يستفيد بعضها من بعض، ويتمم بعضها بعضا، ويكمل منها الأخرى. 

ولقد مرت المجتمعات بتجارب متشابهة في أحايين كثيرة، يمكن البناء عليها، كما يمكن الاستفادة منها، فالشعوب المختلفة تسعى جميعها لأفضل أسلوب للحياة، معتمدة كل جماعة بشرية في ذلك على رصيدها من الخبرات، مُسْتَقْدِمَة ومستدعية خبرات نظيراتها من الأمم والشعوب الأخرى. 

ومصر ليست بِدْعاً في ذلك، وليس عليها إلا أن تنظر في رصيدها الطويل وتجاربها المتعددة، وتدرس ما خاضته غيرها من أممٍ استطاعت أن تُحْيِي أبناءها- دون ثروات هبطت عليها من السماء أو تفجرت بها عيون الأرض - حياة رغدة سعيدة، وضَمِنَتْ لمن عاش على أرضها أو استظل بسمائها مستوً معيشياً يتناسب والمقاييس الإنسانية. 

إن النمسا إحدى تلك الدول التي استطاعت أن تضع كل من يعيش فيها في مستوى معيشة راقٍ للغاية، ولم يكن ذلك محض الصدفة، ولكنه كان نتيجة لدراسات وأبحاث وتجارب محلية مرة ومستوردة - دون استنكاف أو تعالٍ - مرة اخرى، فبحثت عن نظام اقتصادي، يضمن حرية السوق من ناحية، ويحمي المواطن من ناحية أخرى، فكان اقتصاد السوق الاجتماعي (بالألمانية Soziale Marktwirtschaft) هو نظام اقتصادي رأسمالي يتبنى اقتصاد السوق، لكنه يرفض الشكل الرأسمالي المطلق، كما يرفض أيضا الاشتراكية الثورية، فهو يجمع القبول بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والشركات الخاصة مع ضوابط حكومية تحاول تحقيق منافسة عادلة، وتقليل التضخم، وخفض معدلات البطالة، ووضع معايير لظروف العمل، وتوفير الخدمات الاجتماعية. 

إذاً أخذت الدولة أمرين هامين بهذا النظام: الأول: الحرية الملكية وخلق روح المنافسة في سوق حر، والثاني: ضوابط حكومية تعود بمنافسة عادلة تمنع الاحتكار من ناحية، وتعود بفائدة على المستهلك " المواطن" من ناحية أخرى. 

هذا المستهلك الذي فيه نسبة كبيرة بل الأغلبية العظمى منه ليست ثرية على الإطلاق، تعتمد اعتمادا كبيرا على دخلها الشهري الذي تحصل عليه من عملها، وفي أحيانٍ لا يكفي هذا الدخل لكي يحيى به المواطن أو المقيم حياة كريمة نتيجة لغلاء أسعار السلع والخدمات في بلد تخضع فيه كل السلع وجميع الخدمات لسعر السوق وتٌعْرَض بسعرها العالمي الحقيقي، ولا تقوم فيه الدولة بدعم أيٍّ من السلع ولا الخدمات: فلا مواد بترولية مُدَعَمَة ولا أيٍّ من أنواع الطاقة: الكهرباء والغاز يُقَدَّم لها أيٍّ نوع من الدعم، فكل من يعيش على أرض النمسا يشتري ويحصل على كل السلع والخدمات بسعرها الحقيقي " سعر السوق"، يستوي في ذلك المليونيرات وهؤلاء الذين لا يكفي دخلهم لحاجياتهم الأساسية، وهنا يظهر دعم الدولة لهذا المواطن الذي يحتاج فقط لكي تضمن له الدولة تلك الحياة، التي أثبتناها سابقا وقلنا أن كل من يعيش فيها يحيى حياة كريمة، تصل لدرجة الرغد والترفيه، وذلك ناتج لأن الدعم يصل فعلا لمستحقيه، فلا تدعم الدولة السلع ليحصل عليها الأغنياء مدعومة وهؤلاء الأثرياء يستهلكون أضعاف أضعاف الفقراء، فيستحوذون على القدر الأعظم - ولا اقول الأكبر - من الدعم الذي تقدمه الدولة، ويحرمون منه الأَوْلى به والذي وُجِدَ في الحقيقة من أجلهم وهم الفقراء. 

تلك الصورة  التي نجحت النمسا فيها نجاحا باهرا حينما رفعت الدعم عن السلع، ومنحته لمستحقيه - ومستحقيه فقط -  نقودا عينية، يكون لهم في التصرف فيها كل الحرية، وعليهم -أي الفقراء - أن يحددوا بالتالي أَوْلَوياتهم، هذه الأولويات التي ستجعل هذا الفقير يقتصد اقتصادا كبيرا في استهلاك بعض السلع - الكهرباء مثالا، التي يذهب عديد العديد من الكيلوواطاط منها هباء منثورا - نتيجة لسوء الاستخدام - فسيحرص الحرص كله - بعد أن يحصل عليها غير مدعومة - على توفيرها حيث أنه في حاجة إلى مال الدعم الذي يحصل عليه لأشياء أكثر أهمية في حياته. 

وقس على ذلك كل السلع التي تقوم الدولة بدعمها، ويذهب الجزء الأعظم منها ليصب في صالح الأغنياء، فليس من الطبيعي - أن يأخذ أصحاب المصانع والشركات الكبرى المواد البترولية مدعومة بأقل من سعرها الحقيقي " سعر السوق " بأربع أو خمس مرات، ثم يبيعون للمستهلك " المواطن " منتج تلك المصانع وهذه الشركات بالسعر العالمي " سعر السوق " وربما تهربوا - جميعا أو بعضهم - من دفع الضرائب تلك التي تقوم الدولة ببعض عائدها بدعم السلع التي يحصل عليها مرة أخرى الأغنياء. 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز