الأَوْلَي بالتغيير ....هو أنتْ !

بقلم : د. أحمد الديب

لا بد أن نعترف بصعوبة التغيير وحتميته علي حدٍ سواء . يستيقظ الواحد منا كل صباح وأول خاطرة تجول بخَلده هي كيفية تغيير العالم ، التغيير الذي يناسب فكره ، وصوره الذهنية وطموحاته ، وحتي هواه . يحلم الرومانسي بأن العالم قد تحول إلي شاطيء علي أمواج هادرة أو بحديقة غَناء مزهرة . ويحلم المفكر بأن العالم قد سكنه المفكرون والفلاسفة . بينما يحلم المجرمون بأن العالم قد تحول إلي ساحة حرب شعواء .

الحقيقة أن التغيير الحقيقي ينبع من الداخل ويتبعه التغيير الخارجي وليس العكس .هويتنا الداخلية هي التي تحدد مكاننا في العالم المحيط ، كذلك معتقداتنا حول أنفسنا ونظرتنا لها تنبع من تلك الهوية.

وسازيدك من الشعر بيتاً عندما اجزم لك أن مستقبلنا والفرص المتاحة أمامنا تعتمد علي تلك الهوية .
 
في كتابه الماتع... "العادات السبع للإقدام علي التغيير بشجاعة" ، يقدم "ستيفين كوفي" مجموعة من العادات التي تطلق روح الأمل للتغير الإيجابي الذاتي . وكعادته دائماً يؤكد ستيفين كوفي علي أنه هناك فرص سانحة ومتواصلة للتغيير الإيجابي ، ويعضد ما يراه من خلال سرده لمجموعة من القصص الواقعية علي لسان أصحابها تؤكد فيما تؤكد علي أن التغيير غير محدد بسن أو بظروف إجتماعية أو إقتصادية .

يطرح "ستيفين كوفي" تبريراً رائعاً لأولوية التغيير الذاتي والذي يقع في مرتبة أعلي من محاولة تغيير الآخرين فيقول... "هناك شيء واحد يقع تماماً تحت سيطرتنا المباشرة ، وهو أفعالنا الشخصية ، أما عن أفعال الأخرين وسلوكياتهم فلا نملك إزاءها إلا سيطرة غير مباشرة تعتمد علي طريقة التأثير التي نستخدمها ، كما أن هناك أشياء لا تخضع تماماً لنطاق سيطرتنا كالطقس ، والرزق ، والصفات الوراثية . ودائماً ما يتأتي اجتياز التحديات الثلاثة (السيطرة المباشرة ، والسيطرة غير المباشرة ،أو انعدام السيطرة ) من خلال شيء واحد وهو  البدأ بتغيير نفسك وعاداتك وأساليب تأثيرك ومواقفك"

يركز "ستيفين كوفي" في كتابه علي فكرة قد يتهمها البعض بالساذجة ، وهي أهمية الخيال في إتمام عملية التغيير وتحقيق الأهداف ، فيوضح أنه بينما يقتصر نطاق  الذاكرة علي أحداث الماضي وكل ما هو محدود ، يرتبط الخيال بما يمكن تحقيقه مستقبلياً في عالم اللاحدود ، ثم يتحول الخيال الي مجموعة من التنبؤات والتي تستثير العقل الباطن ليتحين فرص التغيير وتحقيق الأهداف . والحقيقة ان أهمية الخيال في تحقيق الأهداف أبعد ما يكون عن نظرة رومانسية حالمة وهو ما أكدت عليه الكاتبة روندا بايرن في كتابها الرائع والمثير للجدل "السر " ، والذي يدور حول عملية الجذب نحو أهدافك والتي تبدأ بمحض خيال ليس إلا.

ثمة حقيقة جلية لا يمكن إخفاءها حين تراقب نفسك أو تراقب من يحيطون بك ، معظم أفعالنا في أحسن الاحوال  ما هي إلا ردود أفعال . من يملك روح المبادرة وفعلها ، وقليل ما هم ، أكثر قدرة وشجاعة علي التغيير الذاتي . المسافة شاسعة للغاية بين المبادرين الذين لديهم الثقافة والقدرة علي إتخاذ قرارات استباقية وإن كانت تحمل بعض المخاطرة ، وبين من هم ضحايا قرارات وأفعال الآخرين .

المجموعة الأولي هي مجموعة الإرادة المستقلة فلا يتورعون أن يعترفوا أمام أنفسهم بأخطائهم ومن ثم المبادرة إلي إصلاح إيجابي ، بينما تكمن راحة المجموعة الثانية في القاء اللوم علي الآخرين فيحملونهم مسؤولية الإخفاقات ، فيصبون جام غضبهم علي المجتمع والذي لا بد أن يخضع للتغيير في نظرهم ، فلا هم يتغيرون ولا مجتمعاتهم .

أهم خطوات العلاج هو الإعتراف بالمرض بعد التشخيص الصحيح ، ماذا لو نظر كل منا إلي ما يستحق التغيير لديه علي أنه مرض يحتاج إلي علاج . دعنا نبدأ في مرحلة الإدراك الذهني أن ثمة أشياء فينا تستحق التغيير ثم تتبعها مرحلة الفعل المادي . هب أن لديك مشكلة نفسية تتعلق بنجاح أصدقائك وأقرانك تتعدي الشعور الطبيعي بالغبطة والتي تدفعك إيجابياً لتحقق نجاحات مماثلة ‘ فكر في وفرة الكون وأن الحياه بها من الموارد والنجاحات ما يسع الجميع ، وهكذا تكون قد تغيرت تصوراتك الذهنية عن الأمر وهي من اهم مراحل علاجك ، أقصد تغييرك.

تفحص قائمة أصدقائك ، حدد الأصدقاء الإيجابيين في حياتك . من الذي يستطيع أن يدفعك دفعاً نحو المستقبل ، ومن الذي يسحبك إلي الوراء . من الحماقة أن تحتفظ بقائمة أصدقائك كبيرة كما هي دون تنقيح . تخيل المحيطين بك كالماء ، بعضم يروي ظمأك ، وبعضهم يساعدك علي النمو ، وبعضهم يغسل أدران عقلك ومعتقداتك . كل ذلك لا بد ألا ينسيك أن من صفات الماء.. "الإغراق" . بعضهم يغرقك أو يحاول . ومهما كانت مهارة السباحة لديك ، لا أحد يستطيع أن يقاوم الماء وإن تظاهر الماء بحملك في بداية الأمر.

نقح قائمة أصدقائك  ، فلا تُبقي إلا علي الإيجابين حولك ، إمنح قائمة صغيرة من الأصدقاء الوقت الكافي بدلاً من التشرزم في قوائم طويلة لا تجدي نفعا . بعض العلاقات العامة مضيعة للوقت ، ومعظم الجلسات الإجتماعية غير ذات جدوي . كيف تستطيع الإقلاع عن التدخين مثلا بينما ترافق المدخنين ليل نهار . إنها المعضلة إن اتخذت القرار أن تجعل قائمة أصدقائك خالية من  المدخنين ، فإن فعلت فلن يبقي في قائمتك أحد!!.