عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نحو استراتيجية للدراسات الفلسفية في مصر والعالم العربي

نحو استراتيجية للدراسات الفلسفية في مصر والعالم العربي

بقلم : د. عصمت نصار

 لا يخفي على أحد من كبار المعنيين بالدرس الفلسفي في العالم العربي، وما حاق به من تردي وهشاشة بل وتخلف، ولا أبالغ عندما أزعم أن القلم العربي لم يخرج مشروعاً فلسفياً يمكن التعويل عليه في حل قضايا الواقع المعيش، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن كتابات كبار المتفلسفين العرب لا تعدو أن تكون مجرد خطابات نقدية، يغلب عليها الذاتية والأحكام الموجهة والرؤى المتأثرة بنهوج غربية لا أصالة ولا ابتكار فيها.



أقول مع الأسف، أن منابرنا الثقافية شاغرة من الفلاسفة الذين كان لهم الأثر الأكبر في نهضتنا العربية الإسلامية منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، حتى منتصف القرن العشرين، كما أن معاهدنا وجامعاتنا والأقسام المعنية بدراسة الفلسفة عجزت هى الأخرى عن انتاج مصابيح لقيادة الرأي العام لفكر مستنير، بمنأي عن اللجاجة والسفسطة والتعصب والتبعية والسطحية والعنف ثم الإرهاب.

  وإذا ما حاولنا التعرف على العلل المباشرة التي أدت إلى هذا الحال، فإننا سوف نردها إلى سببين رئيسيين: أولهما عدم وجود قنوات بحثية تجمع شتات الموضوعات التي ينبغي علينا إدراجها في خططنا الدراسية، سواء في المرحلة الأولية قبل الجامعية، أو في مرحلة الليسانس والدراسات العليا.

  وقد أدى غيبة تلك القناة إلى إصابة الدرس الفلسفي بكل الآفات التي تقعده عن الانتقال من طور التحصيل الردئ، إلى طور الاستيعاب والفهم، ثم طور الإبداع. فإذا ما نظرنا إلى المقررات الدراسية الفلسفية في المشرق العربي، وما يقابلها بمثيلاتها في المغرب العربي، لن نجد بينها توازن، أو تآلف أو تنسيق إلى درجة تصل إلى التضاد والتنافر، وعلى الرغم من تعدد مؤتمراتنا العلمية،ل ا أعرف من بينها ما عكف على دراسة البنية المعرفية الفلسفية العربية؛  ليخطط لها ويقيم أحوالها، ويحدد الغايات التي يجب أن تسعى إليها، وليس أدل على ذلك من ظاهرة تكرار الأبحاث، والاقتباسات غير المشروعة، وجهل المشرفين قبل الباحثين بالموضوعات التي درست من عدمه.

     وقد لفت نظري إلى هذه الآفة رسالة صديقنا الأستاذ الدكتور حسن ماجد العبيدي أستاذ الفلسفة الإسلامية العراقي، الذي أخبرني بأن إحدى الرسائل التي ناقشتها حديثاً (الفكرالسياسي عند ابن الأزرق الغرناطي) قد بحثت موضوعها في جامعة الكوفة بعنوان "الفلسفة السياسية والاجتماعية لابن الأزرق" عام 1995، الأمر الذي غاب عن المشرف والباحث والمناقشين أيضاً، مما يستوجب الإسراع في وضع قاعدة بيانات للرسائل العربية التي سجلت في شتى التخصصات- بما في ذلك الأعمال المترجمة والمحققة؛ والأنشطة البحثية التي يحررها المعنيون بالفلسفة من المتخصصين وغيرهم- وذلك في برنامج إلكتروني يتيح للباحثين على اختلاف مستوياتهم التعرف على تلك الرسائل للاستفادة منها، والعزوف عن المكرر، والتعرف على الموضوعات التي تحتاج إلى الفحص والدرس، وغير ذلك من الأمور الفنية التي يجب أن تفعل مثل التنسيق بين لجان الترقيات في شتى أنحاء الجامعات العربية، وتبادل الخبرات والتقييم المشترك للمجلات المتخصصة، ووضع معايير نشر لها، وكذا مد جسور التعاون في المؤتمرات الأكاديمية من جهة، وقضايا الثقافة والمجتمع والسياسة بل والأمور الحياتية في العالم العربي من جهة ثانية، واستئناف الحوار بين العالم العربي وسائر الثقافات في شتى قضايا الفلسفة من جهة ثالثة، حتى يصبح الخطاب الفلسفي العربي له وجود حقيقي مؤثر في واقعنا المعيش.

 ذلك الذي هو أحوج ما يكون إلى القيم التي تحملها الفلسفة بين طياتها، ألا وهى الأمانة والصدق والإخلاص في البحث عن الحقيقة، وحرية الرأي والبوح والأعتقاد، والتسامح مع الأغيار، والإحتكام إلى العقل عند الخلاف في الحوار والمناقشة.

 أما السبب الثاني الذي حال بين مفكرينا وإنتاج مشروعات إصلاحية، تمكن المجتمع من النهوض والتقدم والرقي، وتعمل في الوقت نفسه على إنقاذ الأفراد من الأوهام، والشكوك واليأس والحيرة، وعذابات الاختيار، وجحيم العنف، وكل صور الفساد والشرور، والانحطاط الذي أصاب أذواقهم وأفعالهم، وغير ذلك مما يجب على الفيلسوف فعله هو غيبة العين الناقدة الواعية المدركة للثوابت والمتغيرات في الهوية والمجتمع، والعارفة بالمقاصد والآليات والمآلات التي تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من السعادة للفرد والمجتمع أيضاً.

  نعم، إن عالمنا العربي يفتقر إلى الفلاسفة المبدعين، الذين يجذبون المثقفين بمطالعة ما يسطرونه ويستوعبون ما يكتبونه، ويتأثرون بآرائهم وتصوراتهم وأذواقهم الراقية.

  أجل، إن قادتنا السياسيين وصناع القرار يتجاهلون الفلسفة، إلى درجة أن بعضهم شرع في إلغائها وإغلاق الأقسام التي تدرس فيها. وذلك لأنه لم يشعر بفاعليتها، أو أثرها في الواقع المعيش. ولم ير من بين المدافعين عنها سوى التعالي والتشدق بشعارات ليس لها صدى، ولا نفع في مجتمع انحطت أخلاقياته وأذواقه، وفسدت فيه الضمائر، وأضحى خطابه لا يعبر إلا عن العنف والإرهاب.

  ولاريب في أن توجيه الأبحاث الفلسفية صوب ميدان التطبيق هو إحدى الحلول المثمرة؛  لاسترداد الفلسفة لمكانتها ووضعها في حياتنا الثقافية، فلم تعد في حاجة لحفظ الموروث من أقوال الحكماء، أو مناقشة قضاياهم، أو التعلق بمنازعهم واتجاهاتهم، بل يجب علينا تجاوز ذلك للنفوذ إلى المنهج، ذلك الذي يمكننا من استخلاص الحكمة العقلية الكامنة في البنية الفلسفية وتطويعها للتطبيق في شتى المجالات، بداية من ميدان التعليم والسياسة والأدب والفن وأخلاقيات البيئة والمهنة، ومروراً بتقويم الفكر الديني وإنقاذه من الشطط والتعصب والجنوح، وانتهاءاً بفلسفة العقل التي تعمل على تنمية القدرات الإبداعية ومهارات اتخاذ القرار.

   وحسبى ألا يُفهم مما ذكرته أننى أدافع عن الخطاب الفلسفي المعاصر، الذي أوشك على الهرم قبل أن يولد، بل إننى أقدم خطة امتلك تفاصيلها وطرائق توقيعها وسبل السير عليها. لتجديد التليد، وتحريك المياة الراكدة، وإزالة آفات التقليد التي حالت بين منبر الفلسفة وأداء وظيفته الحقيقية، فهل من مجيب؟

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز