عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
من يحمي أطباء سوهاج..؟!

من يحمي أطباء سوهاج..؟!

بقلم : د. أحمد الديب

أثناء فترة عملي كطبيب مقيم بقسم الجراحة بمستشفي سوهاج الجامعي ، كانت مناوبة إستقبال الحوادث ضرباً من ضروب المعاناه . كان مرافقو المرضي يزحفون إلي الإستقبال بالمئات ، تراهم يأتون من كل فج عميق ، وقد ترسخ في يقين كل واحد منهم أن الأطباء المناوبين مهملون ، فاسدون ، جاهلون إلي أن يثبت العكس . وإذا ثبت العكس ، قلما تجد من أحد جزاءاً أو شكورا . في الفترة ما بين 2000 سنة  حتي سنة 2005 ، كان الحال غير الحال ، كنا نادراً ما نطالب أهالي المريض بأدوية أو مستلزمات من خارج المستشفي  وكنا نرافق المريض كظله ، في الأشعة ، في المختبر ، في الطريق إلي غرفة العمليات ، وبرغم كل ذلك ، هيهات أن نفلت من عقاب المرافقين إذا لا قدر الله طلبنا من أحدهم أن يخلي غرفة الكشف لنستطيع الفحص ، أو أن يوسع الطرقات لنمر في سهولة ويسر ، أو أن تطلب من أحدهم أن يطفيء سيجارته التي ينفثها بوجهك . العقاب كان متدرجاً من سب وقذف مرورا بمحاولة الإعتداء بالأيدي ، إلي تحطيم الإستقبال علي الرؤوس حتي رأيت بأم عيني من أشهر مسدسه في وجوهنا. هذه الإعتداءات المتكررة كانت السبب وراء قيام أستاذنا الدكتور عبد الحفيظ حسني أستاذ الجراحة بطب سوهاج بإتخاذ قرار تركيب البوابة الحديدية والقائمة حتي اليوم ، والتي كانت هي الحماية الوحيدة من إعتداءات كل من أتي ليأخذ بخاطر أهل المريض بالإعتداء علي عدو الإنسانية الأول ، الطبيب !.



في مقال سابق بعنوان " الحكيم الذي لم يعد حكيماً " قلنا .........." الحقيقة أن الطبيب الذي بدأ رحلة معاناته مع أول قدم وطأت كلية الطب ثم استمرت هذه المعاناه ولن تنتهي قد أصابه الفصام ما بين  كيف ينظر لنفسه وكيف تنظر الدولة وكيف ينظر المجتمع إليه ، فبينما ينظر الطبيب حديث التخرج لنفسه بأنه من الصفوة علمأ ومكانة وهيبة تعتبره الدولة موظفاً من الدرجة الثالثة ، وها هي مفردات مرتبه يكاد كل بند فيه أن يقتل كل أمل حافظ عليه خلال السنوات السبع . فاقد الشيء لا يعطيه أيها السادة ، كيف تطلبون من الطبيب أن يحافظ علي كرامة مرضاه بينما تهينون أنتم كرامته في كل مرة يستلم فيها راتبه وفي كل مرة يزور فيها المسؤول الحكومي المستشفي ، وفي كل مرة يتعامل فيها مع المرضي وذويهم "  .

 في محادثة تخص هذا الشأن مع المناضل الوطني و عضو مجلس نقابة الأطباء الدكتور أحمد حسين والذي تابع سلسلة الإعتداءات علي أطباء سوهاج عن كثب ، أوضح أن الاعتداء تعريفه في أغلب الوقائع : اصطدام بين طرفين كليهما مطحون في منظومات فاشلة لحكومة لا تضع في أولوياتها خدمات المواطن الحيوية وتتخلى عن مسؤولياتها نحو تطوير أماكن تقديم الخدمة وتتوجه إلى خصخصة تلك الخدمات .  وأضاف الدكتور أحمد حسين  أنه يتوجب علينا معرفة وتحليل الأسباب الجذرية لهذه الاعتداءات من جانبيين. .الجانب المعتدى عليه  والذي يعاني من ضعف الامكانيات أوانعدامها في بعض الأحيان ، سوء أحوال الفريق الطبي المالية والاجتماعية والمهنية والنتيجة تقديم خدمة غير مرضية. والجانب المعتدي وهي : تردي الأحوال المعيشية للمواطن ، الصورة السيئة للطبيب لدى المواطن نتيجة جشع المستشفيات الاستثمارية وتأكيد تلك الصورة في وسائل الإعلام السطحية ، والنتيجة شحن سلبي ضد الفريق الطبي والمستشفيات .

الدكتور رأفت الشرقاوي ، الطبيب المثالي بسوهاج لعام 2013 والذي تم تكريمة بالنقابة العامة للأطباء ، وآخر المعتدي عليهم بعث لي برسالة صادمة  عن إعتداء من سلسلة الإعتداءات التي لا يتسع المجال لسردها ، هذا نصها :

"أکتب رسالتي إلي الدکتور أحمد الديب ليمکنني من توصيلها إلي الرأي العام..لقد ساء حال الأطباء في مصر إلي منتهاه حيث تتم الإعتداءات المتکرره علی الأطباء في عقر دارهم أثناء تأديتهم عملهم بالمستشفیات..وخاصه إثر إبلاغ أهالي الحالات عن خبر وفاه أحد ذويهم وکأن الطبيب "قابض الأرواح  " والمسؤول عن بقاء وخروج الروح من الجسد..سأروي لکم قصتي بمنتهي الصدق..کنت بأدي عملي بالعياده الخارجيه باطنه رجال بمستشفي سوهاج العام ..وأثناء العمل جاء أحد عمال المستشفي ومعه أحد أقارب حاله بالإستقبال ..وأبلغني بأن حالتها حرجه ويحتاجون المساعده..فأخذت السماعه وجهاز الضغط وتوجهت معهم علي الفور..وقمت بتوقيع الکشف الطبي الإکلينيکي وتأکدت من وفاه الحاله رغم ذلک قمنا بعمل محاوله إنعاش قلب رئوي فی وجود طبيب العصبيه وحکيمه الأستقبال ..ولم تأت بالجديد..علما بأن طبيب العصبيه قام بأستقبال الحاله بعد دخولها مباشره ولم تفلح محاولاته في إنقاذ الحاله..وإثر إبلاغ أهلها بالوفاه تحول زوجها إلي رجل بلا عقل..وأغلق باب غرفه الإنعاش هو وأقاربه الذين تواجدوا فيها رغما عن أنف الجميع..وأقسم زوجها بالله أن يقتلنا بالغرفه وأصبح کالثور الهائج وقام بتکسير جميع الأجهزه بالغرفه وفتح أفراد الأمن الباب فتعدي عليهم بالضرب وأخرجهم وأغلق الباب..وقام بکسر أحد الأسطوانات الزجاجيه بجهاز الشفاط وکان يحاول بالشروع في قتلنا ولم يفلح وقام  بالأعتداء بالأسطوانه الزجاجيه الأخري علي طبيب العظام حيث ضربه بها علي رأسه وعينه..وأحدث أصابات متعدده بالعين والجمجمه ونزيف بالعين..علما بأن طبيب العظام ليس له صله بالحاله فی التخصص من قريب ولا بعيد.. ذنبه الوحيد أنه کان يرتدي زي العمليات..وأصبت أنا بکسر مفتت بالساق اليسري..مع العلم بأن هذه الحاله ولدت قيصري منذ خمسه أيام خارج المستشفي..وبشهاده أهلها أنها تعاني منذ يوم ونصف من أرتفاع بدرجه الحراره وإضطراب بدرجه الوعي..وتهذي بکلمات غير مفهومه..وهنا أتساءل..لماذا تأخر الأهل  بالحاله يوم ونصف منذ ظهور هذه الأعراض الخطيره ؟  لست أدري!  وأود أن أتساءل أيضا لماذا هذا الحقد والکراهيه للأطباء ؟..فإذا کان لک موقف شخصي أو واقعه معينه   ..فأود أن أقول لک ..بأن الأطباء هم صفوه ونخبه عقول مصر..وأنا لا أمتدح نفسي..لقد ألتحقت بکليه الطب بمجموع 101.125% ..بمعني بسيط حتي يدرکه هؤلاء الحاقدين الذين تمنوا لنا القتل .." معدي المائه في المائه وعليهم شويه کمان"..وأقول لهم أفهموا يا "شويه عاقلين"..الطبيب ما هو إلا قبطان يقود السفينه..فإذا ما تناثرت في وجوهکم الکریمه القاذورات..فعليکم بالبحث عن عطب أو ثقب في السفينه تتناثر منه هذه القاذورات..فالطبيب دائما في کابينه القياده ويتمني أن تعبر رحله المريض بسلام..فدائما أبحث عن الثقب الذي يزداد أتساعا..والقاذورات ستتراشق عليکم في کل وقت وحين..فإذا لم تفهموا هذا الکلام..وتدرکوا بأن الطبيب لا يمکن بمفرده أن يقود سفينه المريض.. "

د/ رأفت الشرقاوي 
ماجستير وزماله باطنه من قصر العيني جامعه القاهره."

وبعدُ ،  ما أشقي اللحظات التي تمر علي الطبيب و التي يحمل فيها أخباراً غير سارة عن مرضاه ، وما أشقي اللحظات التي يُهان فيها علي مرأي ومسمع. لا أحد يمن علي المريض ، المرضي هم أهلونا وأصدقائنا وجيراننا ، الطبيب نفسه ليس في مناعة من المرض . ولا ندعي أبداً أن الطبيب كائن مثالي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ! . الطب مهنة كغيرها من المهن ، تكمن خصوصيتها في كونها شديدة الحساسية لتعاملها مع النفس والروح والجسد . لا تقصير بلا عقاب ،لا الطبيب ولا غيره من مقدمي الخدمة الصحية يحق لهم التواني في خدمة المرضي  هو حق المرضي والمجتمع علينا ، فأين حق الطبيب الذي طالما تم انتهاكة ولا يزال .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز