عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
إمارة الشارقة .. عقل منفتح .. وكتاب مفتوح!

إمارة الشارقة .. عقل منفتح .. وكتاب مفتوح!

بقلم : د. طه جزاع

في كل مرة تبدأ الاستعدادات مبكرة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب ، لكنها هذه المرة بدأت مبكرة أكثر من أي مرة سابقة على حد علمي ، فالاستعدادات النهائية والدعوات الاعلامية وصلت للضيوف والمدعوين قبل 70 يوما لانطلاقة الدورة 35 للمعرض ، وهي دورة مميزة لاتها تعني مرور ثلاثة عقود ونصف العقد على انطلاقة الدورة الأولى في يناير/ كانون الثاني  1982 كما انها تقام مع الاحتفاء بعام   2016 عاما للقراءة في دولة الامارات العربية المتحدة . والحق يقال فأن لهيئة الشارقة للكتاب الدور الأهم في تعميم القراءة من خلال النجاحات المتواصلة والجهود التي لم تتوقف يوما للارتقاء بالمعرض حتى أصبح واحدا من أهم ثلاث معارض للكتاب على مستوى العالم .



لكن .. لابد لكل قصة ناجحة من بدايات صعبة ، وربما متعثرة ، بل محبطة أحيانا ، وهكذا كان معرض الشارقة للكتاب حين بدأ خطوته الأولى قبل 35 عاما كإستجابة سريعة للخطة التي أعلنها حاكم الشارقة وحكيمها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لاعادة الشباب الى الاهتمام بمجالات الثقافة ، ففي يوم الثامن عشر من أبريل / نيسان 1979 خاطب سموه الشباب الحاضر بمناسبة عرض فرقة المسرح القومي للشباب مسرحية ( شركة العجائب ) بالقول ( إن الخطة التي أعدها ستفاجىء الجميع ) ! ثم قال ( إنه قد آن الأوان لوقف ثورة الكونكريت في الدولة لتحل محلها ثورة الثقافة ) . وفي كتابه ( حصاد السنين  .. ثلاثون عاما من العمل الثقافي في الشارقة ) الذي يرصد فيه مسيرة التحولات الثقافية في إمارة الشارقة من عام 1982 ولغاية العام 2011 .  يتوقف الشيخ القاسمي عند المعرض الأول للكتاب ( معرض الكتاب العربي ) الذي افتتحه في مركز اكسبو الشارقة في الثامن عشر من يناير/ كانون الثاني   1982 ( وفي التاسع عشر من يناير 1982 استقبلتُ وفد ممثلي دور النشر العربية المشاركة في معرض الكتاب العربي المقام في الشارقة في ذلك الوقت ، وتحدثتُ لأعضاء الوفد قائلاً : ان تربية الأبناء تربية سليمة يجب اعتمادها وتنميتها في اطار الايمان بالوحدة العربية ، والتأكيد على دور الشباب في التنمية الفكرية ، مما يحتم على دور النشر القيام بدورها الطليعي في خدمة هذه المبادىء السامية ) . وفي تلك الدورة الأولى التي التقى فيها الجمهور الغفير بالشاعر الفلسطيني محمود درويش في قاعة أفريقيا ، كما التقى في قاعة النادي الثقافي بالمفكر العربي الياس مرقص ، فإن المعرض ، كما يقول سموه ( لمْ يحقق النجاح المطلوب ، حيث تقلص عدد الزائرين والمشترين في الأيام الأخيرة بشكل ملحوظ ، وهكذا تورط القائمون على المعرض ، والناشرون كذلك ، بمسألة تصريف الكميات الهائلة من الكتب ) !   ويضيف ( كانت خطوة اقامة معرضٍ للكتاب خطوة ايجابية في ذلك الوقت ، لكنها لم تكن مدروسة ، وقد تعلم المسؤولون في دائرة الثقافة الكثير من أمور معارض الكتب ) .

واذ استعرض للقراء الأعزاء عموما ، وللمثقفين والناشرين العرب خصوصا ، هذه البداية الصعبة والمتعثرة لمناسبة الاستعدادات لاقامة الدورة  35 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب  للمدة من   12- 2 نوفمبر / تشرين الثاني 2016 في مركز اكسبو الشارقة ، فأن في ذلك درس لكل حالم كبير ، لا تنثلم عزيمته إن لم يحقق النجاح المطلوب في الخطوة الأولى نحو الحلم ، ففي ( حصاد السنين ) القاسمية نواكب مسيرة المعرض عاما بعد آخر ، وكيف تنوعت أنشطته الثقافية على مدى ثلاثين عاما ، من الرعاية والاهتمام ومواكبة آخر التطورات في مجال صناعة الكتاب ونشره وتوزيعه وايصاله الى أبعد نقطة ممكنة ، حيث يوجد قاريء باحث عن النور والثقافة ، ولو كان مدفونا تحت أكوام من أبنية وناطحات سحاب ثورة الكونكريت الصماء !

 أما حكاية معرض الشارقة الدولي للكتاب بعد الثلاثين عاما على انطلاقته ، وفي الأعوام الممتدة من 2012  ولغاية هذا العام  2016( الدورة 35 ) فأنها جديرة بأن تسمى أعوام تتويج ثورة الثقافة التي بدأها بعقل مفتوح على جميع الأفكار والثقافات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في إمارته الهادئة الوادعة الجميلة ، الصغيرة بحجمها ، الكبيرة بفعلها الثقافي والحضاري الذي أهلها بجدارة واستحقاق لأن تكون عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2014 ولأن تكون عاصمة للكتاب المفتوح للجميع بلا حساسيات ، ولا عقد ، ولا حدود ، ولا رقابة مقيتة إلا رقابة الله والضمير ، وبحدود حماية المجتمع وحماية الشباب من الأفكار المنحرفة والشاذة والمتطرفة ، واشاعة فكر التسامح والانفتاح على الآخر في عالم مضطرب ، منقسم ، متوحش ، متقاتل مع نفسه ومع الآخر !

ومن أجل أن يستند النجاح على أسس مؤسساتية رصينة ، فقد أصدر سمو الشيخ مرسوما أميريا في العام 2014 انطلقت بموجبه هيئة الشارقة للكتاب من أجل تحقيق العديد من الأهداف وفي مقدمتها ( تسليط الضوء على أهمية الكتاب وأثره في نشر الوعي بالمجتمع في ظل التطور التقني وتنوع مصادر المعرفة ) ومنذ ذلك العام فأن الهيئة هي التي تشرف على اقامة معرض الشارقة الدولي للكتاب ، فضلا عن اشرافها على اقامة معرض الطفل للكتاب ومهرجان الشارقة القرائي للطفل ، وقد انيطت رئاسة الهيئة الى رجل مثقف طموح منفتح ومتفهم لرؤية ورسالة سمو الحاكم هو أحمد بن ركاض العامري مدير عام معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي يواصل عمله المثابر وبمعيته مجموعة متعاونة من الرجال والنساء الأكفاء ، ومعهم شابات وشباب الشبكة الوطنية للاتصال والعلاقات العامة ومديرها الاعلامي الذكي يوسف الطويل ، وكل هؤلاء يعملون وكأن معرض الكتاب قائم على مدار العام وليس لمدة 11 يوما من كل عام !

( نحن في الشارقة نقرأ ، نريد المجتمع القارىء ، وندعو الى تعميق عادات القراءة بين فلذات الأكباد ، بل الى توفير الكتب المناسبة للرجال والشباب وللمرأة .. كتب للجميع ولهم فيها منافع . بهذا الفهم تكون واحات الكتب واحات نور لابد من تنميتها وتطويرها .. وفي مجالاتها ومساحاتها فليتنافس المتنافسون ) . هذه هي رؤية ورسالة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي ، وهو يقود سفينة الثقافة والتراث الشعبي والفنون التشكيلية والابداع ، ويطير محلقا بأجنحة من جواهر وبدور وحور ونور منطلقا من الشارقة الى الامارات العربية المتحدة والوطن العربي والعالم أجمع ، محققا حلمه الكبير في انتصار ثورة الثقافة على ثورة الكونكريت.

ولا بد لثورة الثقافة أن تخلق عقولا رصينة واثقة من نفسها ، منفتحة على الآخر ، منتجة للابداع من علوم وآداب وفنون وكل مايخدم الانسان والانسانية ، غير ان ثورة الكونكريت لوحدها قد لا تنتج أكثر من عقول مغلقة متصلبة ، متحصنة ومتمترسة خلف جدران الكونكريت الصلدة .. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون !

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز